الخصوصية الثقافية للشعب الكوردي في سوريا والتحديات المتلاحقة في مواجهتها.
قهرمان مرعان آغا
لم يعد التمايز الثقافي للشعب الكوردي ، بسماته المختلفة ، من تاريخ ، لغة ، لون ، قييم وتقاليد ، كما هو حال جميع الشعوب في العالم ، مجرداً ، بل اصبح أكثر تبياناً وتأصيلاً ( تمايزه يكمن في أَصالته وحفاظه على هذه الأَصالة واِستمرارها )، نتيجة الممارسات العنصرية بحقه خلال القرن الماضي ، بتخطيط وتَقَصُد متلازمين من قبل الدول الغاصبة لكوردستان وسياسات الإحتواء والهيمنة لثقافة القومية السائِدة ، وهذا التباين اضْحَى في بعض وجوههِ مُفزعاً ومُخيفاً ، نتيجة القمعْ والمنعْ وسلسة الحروب ووَأْد الثورات والانتفاضات في عموم كوردستان والتي وصلت الى حد إبادة الجنس البشري ( جينوسايد )
الشعب الكوردي في الجزء الكوردستاني المُلحق بسوريا ، كونه يعيش على أرضه التاريخية والتي هي اِمتداد لجغرافية كوردستان الكبرى شمالاً وغرباً ، و بالرغم من نضال حركته السياسية السلميه ، بعيداً عن الكفاح المسلح ، كمال هو حال الأجزاء المُلحَقة الأُخرى ، في العراق وتركيا وايران ، اصبح تمايزه القومي مستهدفاً أكثر ، وخاصة منذ الوحدة مع مصر عام ١٩٥٨، واصبح أكثر حدية منذ انقلاب حزب البعث الشوفيني ١٩٦٣ وما تلاها من انقلاب حافظ اسد عام ١٩٧٠،
الشعب الكوردي بطبيعته يُحبِّذ التعايش والمشاركة ولم يَحصر ثقافته في قوالب ، ولم يَحٍِدْ لها حدود ، مثَلهُ ، مِثلُ حال معظم الثقافات الإنسانية بل إنَّه أكثر ميلاً أنْ ينتقل بتلك الأصالة الى ميادين المُعاصَرة والتَجديد لمواكبة سويَّات التطور الحضاري ، وفق توفر شروط العدالة والمساواة ، بعيداً عن العصبية القومية ، على العكس من كل هذا فُرض جُدران العِزلة حولَه وحُصرت ثقافته وتمايزه من قبل الفكر الشوفيني الشمولي والسياسات العنصرية فاصبح مستهدفاً في وجودهِ القومي والإنساني.
من أبرز سِمات التمايُز الثقافي بين الشعوب وأكثرها تبايناً هي اللغة ، بدلالاتها المتنوعة ( المنطوقة والمدونة )والتي يتوقف عليها تحديد العرق ( الجنس البشري) على سلم الإختلاف مع الآخر ، بإعتبارها أداة التواصل مع الذات ومع المختلف ثقافةً، وهي الوعاء الحاضن للفكر وبدونها يتعذر النشاط المعرفي بين البشر ، حيث تعرضت الى الإنكار والتغييب بفعل المنع والتحريم ،من خلال إلزامية التعليم بلغة القومية السائدة ، بل تجاوز الى حد العقاب وارتكاب الفعل الجرمي على ممارسة حق تعلم لغة الأم ، من قبل ابناء الشعب الكوردي ، وهو حق طبيعي ملاصق لشخص الانسان الفرد في إطار الجماعة ، لا يحظره قانون ولا تشريع وضعي ، بل شرعه الخالق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وهو يخاطب الناس { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَاخْتِلَافِ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوَانِكُمْ إِنَّ فىِ ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } (سورة الروم-٢٢) .
والملفت أن الدُول الغَاصِبة لكوردستان ، تعتبر دين الدولة الإسلام ، والشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي في تشريعاتها الوضعية ( الدساتير والقوانين )، كما هو حال دستور الدولة في اختلاف مراحله في سوريا .
بل تعدا المنع و المعاقبة الى مصادرة ادوات التعليم وطباعتها وتوزيعها ووصل الأمر الى منع التكلم باللغة الكوردية في دوائر ومؤسسات الدولة الإدارية ، ناهيك عن التعليمية ، من خلال إصدار التعاميم والأوامر ( منع التكلم بغير اللغة العربية ) وطالت الى منع استخدام اسماء المحلات التجارية ، وكان ختامها تشكيل هيئة ، ” تمكين اللغة العربية ” ، والتي شملت لوائح المنع مقابل موجبات التمكين بدءاً من اعلانات وشاخصات الطرق العامة الى ما يحلم به الناس في المنامات ، طبعاً كان القصد هو منع الشعب الكوردي من تعلم لغته ، وسد اسباب التمكين والإرتقاء في وجه ثقافته ،
على خلاف ما كان يأمله العنصريون الجهلة ، كان معظم ابناء الشعب الكوردي يزدادون شوقاً وتلهفاً واصراراً على التعليم ، كانت الجهود منصبة على توسيع التعليم الذاتي وتداول كراسات وكتب تعليم اللغة الكوردية وقواعدها وخاصة بعد توفر ادوات الطباعة الالكترونية وسرعة تداولها وسهولة اقتناءها ولا ننسى جهود الذين قاموا بهذا الدور من اساتذة مستقلين وكذلك الجهد الأعظم لأحزاب الحركة الكوردية ، وكذلك دور الاعلام الكوردستاني المرئي .
، فالخصوصية اللغوية كانت بفعل المنع ، تزداد تأصيلاً وانفتاحاً تنثر جمالياتها في فصول وانساق متنوعة من الجرائد والمجلات والكتب ، عطراً فواحاً في اجواء من البهرجة والتفاني بالروح القومية والانسانية والتي تجلت في نتاجات الادباء والشعراء والكتاب الكورد ومساهماتهم وابداعاتهم .
فالثقافة الشمولية لحزب البعث بأيديولجيته العنصرية القائمة على مفهوم الأمة الواحدة ورسالتها الخالدة ، لم تنل من تلك الخصوصية الثقافية المتجذرة في الوعي القومي الكوردي على امتداد التاريخ ، وكانت عصية على الإختراق ،
وبعد أنْ تحررتْ من تلك القيود وبإرادة ابنائها الأحرار في تحقيق الحرية والكرامة منذ اندلاع الثورة السورية ، يتآمر النظام ليس فقط في ابقاء اقليم كوردستان سوريا رهن مصالحه ، من خلال فرض ازدواجية السلطة بالشراكة مع (تف د م) ، وحزب الاتحاد الديمقراطي التابعين ل (ب،ك،ك) لإبقاء خصوصية الشعب الكوردي الثقافية اسيرة ايدولوجيا الحزب الواحد والفكر الشمولي والمفاهيم المشاعية ، كالسابق مع اختلاف التسميات والشخوص، من خلال بعثرة جهود التعليم باللغة الكوردية وتجزئة مراحله، على اساس مزاجية التضاد و الإختلاف السياسي
بعيداً عن الروح المدنية الأدبية والعلمية ، وفق مناهج سهلة ممتنعة وطرائق تدريس معاصرة ، تهدف الى تعليم التنشئة بأساليب مهنية متواءمة لطبيعة الانسان الفطرية بدءاً من مرحلة الطفولة والتلمذة الى مرحلة التعليم العالي على سلم التفاضل الإيجابي في أجواء من المنافسة والاختيار الحر السليم .
دوتشى لاند في 2015/9/16