آراء

الخنادق لا تمنح الشرعية

مرة أخرى يعبر أهل كوباني ومثقفيها عن خشيتهم منً هجوم مباغت لداعش على المدينة ، فهل لهذه الخشية من مبررات تستوجبها ؟ كوباني لا تمتلك آبار نفطية حتى يسيل لها لعاب أمراء داعش ، وتكاد تخلو من معامل ومصانع ومراكز تجارية ضخمة وبنوك ، لماذا إذاً ستكون هدفاً لداعش ؟ يضاف إلى هذا داعش مشغولة بمعاركها في العراق .فهل ستفتح على نفسها جبهة جديدة قد تمتد من كوباني غرباً وتصل ارتداداتها إلى خانقين شرقاً ؟
قبل حوالي سنة من الآن أقسم أمراء داعش أن لا يمر عليهم فجر عيد الأضحى إلا وكوباني تحت سيطرتهم ، وتهديدات داعش لم تتعدى بضع هجمات على بعض قرى كوردية في ريفها الشرقي والغربي والجنوبي . ولكن داعش ما قبل سقوط الموصل مختلفة عن داعش ما بعد السقوط , فداعش تعلن عن دولة تمتد من ريف حلب في سوريا غرباً إلى نينوى وصلاح الدين وديالى في العراق شرقاً ، أي عملياً أصبحت كوباني جزيرة صغيرة وسط بحر داعش ، وقواتها تحاصر كوباني من جهاتها الثلاثة ،وإن كانت المواجهات السابقة مع الكورد تأتي في سياق أجندات النظام بحكم اختراقها من قبل النظام وضمن سيناريو معد سلفاً يراد منه توجيه الرسائل إلى الداخل والخارج عن أهمية دور الأسد والمخاطر المترتبة على غيابه .اليوم معارك داعش تأتي في سياق التحضير لبناء و حماية الدولة الإسلامية المعلن عنها ، بل إن السيطرة على كوباني قد يشكل تحدياً لداعش ، فوجود منطقة بحجم كوباني في قلب الدولة الاسلامية ولا يخضع لإرادتها ، قد يكون مصدرا للخطر . وداعش اليوم مسلحة بأسلحة جيش المالكي . إذاً المخاطر حقيقية ، ولا يمكن تجاهلها .ويزيد من حجم الخطر أن كوباني استنزفت تقريباً من طاقاتها الشبابية وسلوك سياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي وتفرعاته أوجد شرخاً وانقساماً سياسياً كان له صدى اجتماعي عميق ، فمواجهة داعش لن يكون من خلال شعارات ثورية ولا أغاني الأمة الديمقراطية ، جيش المالكي بعدده وعتاده ومراثيه الطائفية عجز عن مواجهتها ، ولكنها ليست مستحيلة ، فقوات البشمركة الكوردية منعتها من تلويث التراب الكوردستاني .إذا أي درب ستسلكها كوباني ، ستكرر سيناريو المدن العراقية التي وقعت تحت هيمنة داعش ولن يبالي أهلها بمن يديرها ، أكانوا دعاة الأمة الديمقراطية أم دعاة الأمة الاسلامية ؟
أم سيبادر حزب الاتحاد الديمقراطي إلى إلغاء هيمنته على المدينة ومشاركة القوى السياسية والمدنية والأهلية الموجودة على الساحة فعلياً في بناء إدارة جديدة مكونة من مؤهلات علمية حقيقية يكون حزب الاتحاد الديمقراطي وضمنه تفرعاته الحزبية والمدنية طرفاً فيها , توكل إليها مهمة الدفاع عن المدينة واسترجاع قراها التي استحلها داعش ونام عليها حزب الاتحاد الديمقراطي . معركة كوباني مع داعش لا تبدأ من الخنادق بل من داخل المدينة من البناء الصحيح للحياة السياسية والادارية ، ثم التوجه إلى خنادق المواجهة ، وليس من الخنادق الوهمية إلى كوباني لشرعنة تحكمهم وتسلطهم على أهل المدينة ، الخنادق لا تمنح الشرعية ، بل تحتاج إلى شرعنة وجودها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى