تاريخ وتراث

الرواية كـ “فن” ومراحل تطورها

جيار كوران وليد

يتفق غالبية المفكّرين العظام والمؤرخين بأنّ القصّ والرواية هي من أهم وأولى تباشير الوعي البشري ، وكما صانعة التوارث وأسلوب كما منطق جدولة وخزن الأسس والمواد الأولى لانطلاقة اللغة ، أجل : لقد وقف الإنسان بالفعل مشدوهاً أمام الطبيعة وظواهرها ، وإلى الآن لازالت الشهقة الأولى لولادة البشر توعز إلى ذات ظاهرة الدهشة الأولى ، ومع تفتق وعي الإنسان البدئي على أمور كثيرة ، وظاهرة انفصاله عن البيئة ككيان واعٍ وبدأ بتسخير المحيط وقوننته، بما يتواءم ومصالحه والعمل الدؤوب لتطويع ذات البيئة إلى هيمنته ، أضحت خطواته كلها تستهدف ، لابل أضحت ذلك من أهم مسببات / عوامل أو دوافع مواجهة البيئة بكلّ تجلياتها ، ومن ثم جهد بالتجربة والمران حتى توصّل – استطاع تمييز ذاته ومن ثم استقلاله أولاً عن نمط الوجود البيئي والحيوات غير البشرية ، وفي البدء أخذت غالبية التوارث تتمّ عبر النقل المباشر، ومن ثم اختزالها كمعرفة أولية بالإيحاءات والإشارات إلى أن وصلنا إلى القصّ والروايات، والتي غلب عليها طويلاً الطابع الروائي / الغنائي.

وهنا سأختزل لأحدّد غايتي من هذا السرد بالتوحيد على أهمية الرواية كفحوى رئيسٍ لجملةٍ من المنقولات الإرثية بعنوانها الصريح ، فبرزت أشكال الروايات بمحتوياتها وأساليبها ونمطها أيضاً ، هذه الروايات التي تطوّرت، وواكبت الوعي الثقافي المنتج للشعوب والأمم بأنواعها السردية والغنائية الشفاهية وصولاً الى مرحلة الأناشيد والأغاني كما الأساطير والملاحم وعنونتها أبداً ضمن إطار محدد تمثّل في الخير – الشر، وكذلك ابعاد الصراع البيئي بين الآدمي من جهة والطبيعة كما الحيوات الاخرى ، كلّ هذه المحدّدات ساهمت بوجود أنماط متعددة من قصص وأغان وابتهالات مرتلة، والتي تطوّرت إلى إيقاعات موسيقية كما ورقصات هادفة توافقت بالأصل مع ظاهرة وجود وظهور أنماط قداسوية / دينية.

وهنا وباختصار أعود لأؤكّد بأنّ القصّ الشعبي والحكايا بطقوسها الدينية المتعددة ، وبطرائق أدائها غناءً أو إيماءً وحتى نثراً بأداء لفظي ذى مغزى ، كلّ تلك المقدمات هي كانت باكورة تحويل الواقع المعاش إلى سريالية قصصية من مسرح أو شعر، والتي ارتكزت أساساً على الرواية ذاتها ، والتي وحسب توصيف الكاتب والناقد الروائي الكبير كولن ولسون، تطوّرت من ذات الفهم البيئي إلى حيث هو المحرك الأساس في (إنه بالرغم من كلّ المنعطفات الخاطئة ، فإنّ الرواية قامت بتغيير وعي العالم المتمدن ، فنحن نقول إنّ داروين وماركس وفرويد قاموا بتغيير وجه الحضارة الغربية، ولكن تأثير الرواية كان أعظم من تأثير هؤلاء الثلاثة مجتمعين . )

1 .، وكلّ المهتمين متفقون على أنّ هذا الامر – أي دور الرواية سيستمرّ في المستقبل – .. وعليه فلابدّ من التذكير على دور هذا الجانب في بعده القصصي والسرد الروائي في تصقيل الوعي المجتمعي ، كما أنّ الرواية هي في الواقع مرآة لابدّ أن يرى فيها الروائي ( وجهه وصورته الذاتية ، وما وصف الحقيقة وقول الصدق . (..
إلا هدفان ثانويان ، أما الأهداف الأساسية فهو أن يفهم الروائي نفسه وأن يدرك ماهية هدفه بالذات )

2 ، وهنا لابدّ من الإشارة الى أمر حيوي وهام، وبشكل خاص، إلى روايات القرن العشرين ، وكما أشار إلى ذلك – كولن ولسون –

3 حينما قال ( انّ جوهر جوهر المشكلة في بداية القرن العشرين يتمثّل في أنّ الروائي في – القرن العشرين لا يعرف مايريده من الحياة ومن ثم الفن – 4 .

أجل ! لقد لعبت قضايا يمكن وصفها بالإنعكاس السايكولوجي إن للروائي أو لضرورة بناء الشخصية لتتواءم مع الحبكة ، فكان من أهم تعريفاتها هي – ولربما فعل بنيت أو بشكل أدق – هو أنّ متلازمتي ( الشك واليقين يقودان الى محاولات متباينة من أجل إيجاد الحل المرتجى )

5 وكهدف تتعدّد أسبابها من قبل الراوي والتي تتراوح بين الرغبة في الترويج وبالتالي الحصول على نسب عالية في المبيعات ،، أو بين الروايات وذلك كتجربة واعية والتي تطرح بجدارة نمط من أنماط الرواية الرائدة ، إضافةً أيضاً إلى ( نمط من أنماط الرواية المعبرة عن اللإنتماء )

6 . وهنا لابدّ من التوكيد على أمر حيوي : إنّ الكتابة الإبداعية هي عملية شاقة كما الصعود إلى أعلى ، حيث ( يتساقط الضعفاء بينما يواصل الأقوياء بتؤدة كي يصبحوا كتاباً جيدين )

7 … وهذا الأمر لابدّ من أن يذكّرنا بتعليق ذكره فوكنر عندما سألوه عن رأيه في جيل الكاتب الروائي نورمان ميلر حيث قال : ( إنهم يكتبون كتابة جيدة ، غير انهم ليس لديهم ما يقولونه )

8 ، وفي ذات السياق أيضاً كان لهمنغواي رأي ثابت على أنّ ( الكتابة تبدو سهلة غير أنها في الواقع أشق الأعمال في العالم ) ..

يتبع

.. الهوامش :
1 – الهامش 1 إلى 6 الصفحة 7 من كتاب فن الرواية ل ( كولن ولسون ) وعنوانه فن الرواية ترجمة محمد درويش – الدار العربية ناشرون – إصدار مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم .
2 – الهامش 7 : صفحة 90 من ذات المصدر
3 – الهامش 8 صفحة 90 ذات المصدر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى