آراء

الزعيم مسعود بارزاني وإرادة الجماهير

وليد حاج عبدالقادر / دبي

في خاصية الشعوب وجدلية علاقاتها بزعاماتها ، لا بل وآلية ظهور القادة مجتمعياً ، هذا الجانب أفرد له التاريخ صفحات كثيرة ، شرحت فيها وسائل تفاصيل كلّ انموذجٍ من القيادات ، وهنا ، وبعيداً عن ميكياڤيللي وأميره من جهة ، وأولئك الذين سفكوا دماءً كثيرة ، كانعكاسٍ لأنانيات وغرائز تحكّمت في نفسياتهم ، والتي أطاحت بأحلام شعوبٍ عديدة ودمّرت آمالها ، وباختصارٍ ! وفي عودةٍ إلى تجارب الشعوب عبر التاريخ والتي أثبتت تجاربها شكلين رئيسيين من أنماط القيادات ، تداخلت وتحوّلت من نمطٍ إلى آخر ، والتاريخ يحفظ أسماءً لقادةٍ كثر ممن دمّروا شعوبهم ، وآخرين سعوا وبكلّ همّة على تحقيق امال وطموحات شعوبهم.

الأنموذج الأول والذي تتالى عبر التاريخ قصص أولئك القادة الذين رأوا في الأوطان مزارع خاصة لهم وسكانها عبيد يتوجّب عليهم أن يقولوا ما يقوله ويفكّروا بما يفكّر هو وكلّ التعليمات والأوامر والخطط كما البرامج والسياسات التي تتداخل فيها التنميط والحالة النفسية الواهنة، أو لحظة نشوة ، لابل حتى زهوة معركة فيتداخل فيها الوقتي بيومه مع الهدف الاستراتيجي ، ودائماً ستتواجد هناك جوقة تردّد: وهل يستاهل هذا الشعب الجاهل هكذا قائد ! تلقائية يؤسس عليها هذا النمط وهو يتسلّح / يرتكز على قاعدتين: شرعيته الثورية المطلقة كما الردّة – التكفير عند الراديكاليين و جوقة ترتكز على أداة منفّذة لها كامل الحق في اتخاذ وتنفيذ الإجراء الذي يتناسب والقضية التي هي هنا وأبداً هو القائد والذي بدوره يجلس في قصره – كهفه – لابل حتى في معتقله ، وينظر بمخيال سان سيمون أو أخوان الصفا ، ويزيح حتى أفلاطون بجمهوريته من أمامه.

وهنا وإذ أؤكّد بأنني أعمّم ، وإن تقاطعت مع جوانب بعض منهم ماضياً أو حاضراً فإنّ جلّ نظرياتهم هي بعيدة عن واقع المجتمعات التي اعتزلوها جبراً أو طوعاً ، لابل قد يكون بعضهم هجرها وهو لا يرى فيهم سوى رعاع إن لمراييعه أو أعداد في قطيعية لا أكثر ..

جميعنا يتذكّر نيرون روما الذي جلس على سور مدينته روما يعزف متلذّذاً بلهيبها وهي تحترق، وعصرنا الحديث لم يخلُ أيضاً من قادة ثورات وشعوب دمويين فكلنا يتذكّر بول بوت وبينوشيه وصدام والأسد ، لابل أن عصارة التجارب التي عاش قسم منا خواتيم بعضها ، اثبتت وبالتجربة كم كانت التنظيرات في واد والشعوب بوقائعها في واد آخر ، فكم من – قائد منظر – سقط بدولته لابل بات عبئاً فظيعاً على تاريخ شعبه .

وفي النموذج الآخر من القادة الذين تبرزهم نضالات الشعوب خاصةً منها التي تخوض ثورات ونضالات تحرّر ، فتفرز من بين صفوفها رجال مشبعون بقوة الإرادة والشجاعة والوعي اللازم والقابل للارتقاء لتوفير سبل الصمود ، وتسعى والحالة هذه ، في تهيئة ظروف النضال ببيئتها ، ولتصبح لاحقاً المدرسة التي يمكن الاعتماد والارتقاء بمفاهيمها ومقوّمات حياتها ، كما وسبل استمراريتها مع توفير مقوّمات الصمود ، ناهيك عن وسائل التواصل المجتمعي وتنشيط أساليب التفاعل بالبيئات القروية منها والمدنية ، وكثيرون من هكذا قادة ، وبحكم التلاصق مع اليومي في حياة الناس العاديين ، ستكون قابلية التحول فيه من حالة عسكرية إلى مدنية سهلة جداً ، وكذلك آليات اتخاذ القرار في العودة إلى الهدف الرئيس ، وبالتالي التفاف المؤسسات والجماهير حول قراراته ، لابل حتى في الأطر الحزبية أيضاً تستشرف هكذا نماذج وبالضرورة تدرجات الوعي في بيئاتها ، والتي لا تستهوي مطلقاً أو تتخيّل ما يفترض أن تكون عليها بيئاتها قفزاً أو حرقاً للمراحل ، أصناف ونماذج من القادة خُلِدوا في ذاكرة شعوبهم لمواقفهم و أهدافهم النبيلة لا بنظرياتهم وكتبهم التي ربما ستختزل في يوكيبيديا وغوغل ، أو ستُدرس كنوعٍ من الخيبات البشرية ، على عكس قادة سطروا تواريخ جديدة في ذاكرة شعوبهم والعالم ، وأصبحوا بالفعل في رأس قائمة زعامات تحرّرها القومي.

واستذكر في هذه اللحظات ، وأنا أكتب الآن على ذات – الطاولة والكرسي – يوم ٢٥/٩/٢٠١٧ حيث كان يوم استفتاء حق تقرير المصير لشعب كُردستان العراق، وأنا أستعرض في مخيلتي تلك المهرجانات العظيمة التي انطلقت في بقاع العالم حيث تواجد فيها كُردي ، هذا الإنجاز الذي ارتبط بإرادة شعب لابل أمة بالكامل ، وقد تشخّصت باسم القائد المحبوب مسعود بارزاني . إرادة بمشاعر وصور ستبقى حية في مخيلة وذاكرة الكُرد ومعه صوت القائد بارزاني وسط هدير جموع الكُرد في أصقاع العالم وهو يردّد : ( أتحمّل شخصياً كامل المسؤولية و .. لست أبداً ممن يخذل شعبه ) مواقف وصور ، ألوان تزيّنت فيها أجواء المئات من أرقى المدن العالمية وإرادة ثبتها أكثر من ٩٢ ٪ ووفق كلّ المعايير وحتى ردود الفعل المناهضة منها والعدائية ، فلقد نجح الإستفتاء التي ستبقى نتائجه وثيقة صارخة وكديكومنت صريح وواضح ومعبّر عن ارادة الشعب الكُردي وغير قابلة للطعن في مصداقيتها ، هكذا هم القادة ، وأمثالهم هم ممن يتمسّك بهم شعوبهم ، وسيبقون كصمام أمانٍ إن للمواقف أو كمراجع عملية وضامنة لإنجاز مهام المراحل لأنهم من طراز الذين لا ينظرون بل يفعلون ، وان كتبوا فهم يدوّنون التجارب العملية بحلوها و مرّها ، وهكذا قادة هم ممن صقلتهم ظروف شعوبهم التي ستظلّ وفية لأمثالهم ، لابل وستستظهر مواقفهم القومية المشرفة . وأخيراً ومع حلول الذكرى السنوية الثالثة للاستفتاء ، والتي أثبتت الأيام بأنّ قرار الزعيم مسعود بارزاني في دعوة الشعب لها ، كان قراراً صائباً ، وسيسجّل التاريخ للقائد سعيه في إجرائه إنجازه لها وذلك النجاح الكبير ايضاً للاستفتاء ، ذلك النجاح الذي أخذ يتأسّس عليه دعائم التنفيذ العملي لمبدأ حق تقرير المصير لكُردستان وشعبها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى