
السرطان يتمدّد شرقاً… التكرير البدائي للنفط يهدّد حياة الناس
Yekiti Media
تتزايد في السنوات الأخيرة معدلات الإصابة بمرض السرطان في سوريا، في ظل ظروف معيشيّة وبيئيّة قاسية.
وبينما يواصل مشفى البيروني في دمشق استقبال مئات المرضى من مختلف المحافظات، لوحظ أنّ نسبة كبيرة من الحالات تأتي من المناطق الشرقيّة، وخاصةً من الحسكة ودير الزور، حيث يتقاطع الفقر والتلوث مع غياب المراكز الطبيّة المتخصصة.
يربط مختصون هذا التوسع المقلق في الإصابات بعدة عوامل، أبرزها التكرير البدائي للنفط المنتشر في مناطق الجزيرة والفرات، والذي يخلّف أدخنة كثيفة محمّلة بمواد سامة تتسرّب إلى الهواء والماء والتربة.
كما ساهم الاستخدام اليومي لمادة المازوت الرديء في التدفئة، وتشغيل مولدات الكهرباء في تفاقم التلوث الهوائي، لتتحوّل مناطق واسعة إلى بيئةٍ خصبة لأمراض السرطان والرئة والدم.
يقول الدكتور (م.ب) المتخصص في طب الأورام بمستشفى البيروني في دمشق “شهدت سوريا ودول العالم تزايداً واضحاً في أعداد الإصابات بأنواع السرطان المختلفة، ويعود السبب في الغالب إلى نمط الحياة المعتمد على قلة النشاط البدني والوجبات السريعة والتدخين”.
كما أضاف “لكن في سوريا، تضاف إلى ذلك مخلفات الحرب الاقتصاديّة والبيئيّة، مثل انبعاثات الغازات السامة من مولدات الكهرباء وطرق تكرير النفط البدائيّة، ما أدّى إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد الإصابات”.
وتابع الطبيب الذي فضّل عدم ذكر اسمه بالقول: “السرطانات الرئوية تتصدّر قائمة الإصابات بسبب التدخين والانبعاثات السامة، تليها سرطانات الكولون والمستقيم الناتجة عن سوء التغذية وقلة تناول الألياف، ومن الواضح أنّ المحافظات الشرقيّة هي الأكثر تضرراً، نظراً لاعتمادها على تكرير النفط البدائي وغياب الغطاء النباتي الذي يصفّي الهواء من الملوثات”.
ويختم الطبيب حديثه بدعوةٍ إلى الحدّ من التكرير البدائي للنفط واستبدال المولدات الملوِّثة ببدائل صديقة للبيئة، وتشجيع زراعة الأشجار لإحياء الحزام الأخضر الذي كان يحمي البيئة في السابق.
من جانبه يقول الناشط البيئي خالد عبد الرحمن، إنّ التكرير البدائي لا يشكّل خطراً بيئياً فحسب، بل هو كارثة صحيّة حقيقية: “هذه المصافي البدائيّة تُقام قرب القرى والمنازل، وتنفث سحباً سوداء من الدخان الحارق الذي يحتوي على مركبات كيميائيّة مسرطنة، نحن نرى الأطفال يعانون من السعال المزمن، والمياه الجوفيّة باتت ملوّثة بمخلّفات التكرير”.
وزاد بالقول: “الوقاية ممكنة، لكنها تحتاج إرادة محليّة حقيقيّة، فيجب إبعاد المصافي عن المناطق السكنيّة، وتشجيع استخدام الطاقة الشمسيّة، وإطلاق حملات توعية صحيّة وبيئيّة في المدارس والمجتمعات المحليّة”.
تعاني الحسكة ودير الزور من غياب مراكز متخصصة لعلاج السرطان، ما يجبر المرضى على السفر مئات الكيلومترات إلى دمشق لتلقي العلاج في مشفى البيروني، ورغم تزايد الحالات، لا تتوفر برامج منظمة للفحص المبكر أو الدعم النفسي والاجتماعي للمصابين.
يبقى السرطان في الشرق السوري وجهاً آخر للأزمة الممتدة، أزمة تتجاوز حدود الطب لتصل إلى البيئة والحياة اليوميّة للناس.
في وقتٍٍ يحلم فيه الأهالي ببيئة أنظف وهواء نقي، يواصل دخان النفط الرديء التسلل إلى رئاتهم كل صباح، في صراعٍٍ صامتٍ بين الحياة والموت.






