من الصحافة العالمية

السعودية تخطط لاختراق تنظيم «الدولة الإسلامية» وزرع جواسيس في صفوفه لحماية نفسها… والدخول للرقة في سوريا سهل لكن الخروج منها ثمنه السجن أو الموت

ابراهيم درويش
في ظل الحرب الأهلية التي تشهدها سوريا وقطعت أوصال البلاد بسبب المعارك بين الجيش السوري والفصائل المتعددة، أصبحت قيادة الحافلات والسيارات على الطرق العامة من أخطر المهن في العالم.
وتشهد الحافلة التي يقودها محمد بهذا الواقع الحربي، فزجاجها مهشم ومزقت المكيفات فوق مقاعد الركاب وتحمل الحافلة آثار إطلاق النار في كل مكان.
وترى روث شيرلوك مراسلة «ديلي تلغراف» أن واحدة من أهم معجزات الحرب الأهلية في سوريا هي عدم توقف المواصلات العامة بشكل كامل، فالمواصلات العامة تسير في الطرقات وتسرع عندما تجد نفسها وسط المواجهات بين الجيش والمعارضة، وتتعرض لخطر الخطف والهجمات من قبل الميليشيات التابعة لنظام بشار الأسد والجماعات الجهادية على حد سواء، ورغم كل هذا فلا تزال هناك إمكانية لشراء تذكرة والسفر بالحافلة إلى حلب والرقة.
ويقول محمد إن حافلته تعرضت لإطلاق النار مرات عدة «قدت الحافلة وسط المواجهات وتعرضت لإطلاق النار من الجماعات المسلحة والنظام».
ويقوم محمد كل بضعة أيام برحلة من بيروت، العاصمة اللبنانية إلى حلب في شمال سوريا في رحلة تمر عبر المناطق التي تشهد نزاعات وقتالا بين الجماعات المسلحة والنظام.
ولا تزال مدينة حلب ومنذ دخول المقاتلين إليها عام 2012 مقسمة، فالجانب الغربي منها يقع تحت سيطرة النظام فيما يقع الجزء الشرقي منها تحت سيطرة المعارضة المسلحة وتحيط بالمدينة دائرة من قوات النظام والمعارضة الجهادية.
ولم يبق من الجزء الشرقي الكثير من المباني والأحياء التي سحقت بسبب القصف المدفعي فيما هاجر السكان وبأعداد كبيرة منه ولم يبق فيه إلا المقاتلون، ومع ذلك فالرحلة التي يقوم بها محمد هي فرصة للعائلات لزيارة أقاربهم أو التعرف على ما تبقى من ممتلكاتهم. ولم ينج السائق نفسه من أثار المعارك فقد أصيب وهو يقود حافلته على الطريق السريع حيث وجد نفسه وسط معركة حقيقية، وعندما توقف وفتح الباب وبدأ بالركض انفجرت قريبا منه قنبلة أصابته شظاياها، وجرح في وجهه وذراعه.
وفي الفترة الأخيرة تحسنت رحلة محمد بعد أن سمح النظام للحافلات والنقليات العامة بالمرور عبر الطرق العسكرية المؤدية إلى محافظة اللاذقية، معقل الحكومة في جنوب- غربي حلب.
ورغم كل هذا فلا تزال الحافلات عرضة لابتزاز الميليشيات التي ملأ أفرادها جيوبهم بالمال الذي يفرض على السائق والمسافرين.
الرحلة إلى الرقة
وتحدثت الصحافية إلى صاحب حافلة أخرى تحمل مثل حافلة محمد أثار الحرب، ويقودها عبد، الذي يقول إنه أطلق لحيته لأن الجهاديين لن يسمحوا له بالدخول إلى المنطقة التابعة لهم.
ويسافر عبد بين بيروت والرقة التي تعتبر العاصمة الفعلية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. ويصف عبد رحلته بالصعبة «ففي كل مرة تغادر فيها بيتك تتساءل إن كنت ستعود إليه مرة ثانية أم لا».
ويقول إن مسار الرحلة يبدأ أولا باجتياز الحدود اللبنانية إلى سوريا وبعدها إلى المناطق التابعة للنظام السوري ومنها عبر مناطق تنظيم الدولة إلى الرقة. ويتوقف عند آخر نقطة تفتيش تابعة للجيش السوري قبل دخوله مناطق تنظيم الدولة حتى يعطي الراكبات المسافرات معه فرصة لترتيب ملابسهن ووضع العباءة والنقاب.
وفي طريق العودة من الرقة إلى بيروت يكون أغلب المسافرين معه عائلات وأطفالا أو كبارا في السن الهاربين من الحرب، ولا يسمح تنظيم الدولة للرجال مغادرة الرقة خوفا من ذهابهم وانضمامهم إلى قوات النظام.
ويقول عبد إنه لا يستطيع بيع تذكرة لأي شاب ولد عام 1985. ويستطيع الرجال المغادرة تحت ذريعة مرافقة النساء اللاتي لا يسمح لهن بالسفر بدون محرم. ومع ذلك فالرجل يظل عرضة للاعتقال من النظام الذي قد يشك به أو من الجماعات المسلحة التي تفعل الشيء نفسه. فقبل ثلاثة أشهر تعرضت حافلة عبد لهجوم من قبل المقاتلين الذين أمروا ركابها بالنزول وطلبوا من كل مسافر تسليم هاتفه المحمول.
عندما رفض أحد الركاب تسليم هاتفه أطلقوا النار قريبا من قدميه مع أنهم لا يتورعون عن القتل مباشرة، كما حدث في مرات سابقة. ومثل غيرهم من السوريين يقول محمد وعبد انهما خسرا زملاء في المهنة، فقد قام بعض السائقين بقيادة حافلاتهم وانطلقوا نحو سوريا ولكنهم اختفوا بدون آثر.
واختطف بعضهم فيما قتل اثنان أحدهما مات بعد سقوط قذيفة على حافلته، أما الثاني فقتلته رصاصة قناص.
ويقول محمد وعبد أنهما مضطران للعمل ومواجهة المخاطر نظرا للوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه السوريون، فلو توقفا عن العمل فكيف سيعيلان أبناءهما وكما يقول «إنها مهنة خطيرة ولكنها الخيار الوحيد المتوفر».
مسافرون متطوعون
وتكشف رحلة السائقين عن مخاطر العيش والتحرك في ظل الحرب، والثمن الذي يدفعه السكان الذين يحكمون من تنظيم الدولة الإسلامية باهـــظ يتمثــــل في غياب الخدمات والحرية، ولكن ثمن الهروب أو مغادرة الدولــة أكبر، فـ «ثمن مغادرة الدولة الإسلامية هو الموت أو السجن» كما يقول تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» حيث نقلت عن تونسي استطاع الهروب من أراضي التنظيم، وكيف وجد صورة مغايرة عن تلك التي رسمت له عندما قرر السفر من بلده تونس إلى سوريا والقتال في صفوف الجهاديين.
ويقدم الجهادي السابق وصفا لعمليات القتل التي لا تميز والتي يمارسها التنظيم وتقشف الحياة هناك حيث لم تتعد وجبة الطعام عن الجبن والزيت والخبز.
وتحدث الجهادي السابق عن المعاملة السيئة التي تتعرض لها المرأة في مناطق الدولة، وكيف وضع أحد الجهاديين السكين على رقبته وأمره بتلاوة آيات من القرآن ليثبت أنه موال للدولة. ويقول «كان الأمر مختلفا عما تحدثوا عنه ووصفوا الجهاد به».
وتشير قصة التونسي واسمه غيث إلى التناقض بين الحلم والواقع، ففي الوقت الذي يتدفـــــق فيه آلاف الشـــبان من الغرب إلى سوريا والعراق يكتشفون حالة وصولهم حياة تتسم بالشظف والعنف، ويكتشف القادمون الجدد أن سهولة الانضمام للتنظيم لا تعني سهولة المغادرة.
فبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في بريطانيا فقد قتل تنظيم الدولة 120 من عناصره في الأشهر الستة الأخيرة، ومعظمهم من الأجانب الذين أرادوا العودة إلى بلادهم. ويواجه المتطوعون الأجانب مشكلة كبيرة حال مغادرتهم سوريا حيث يعتبرون خطرا إرهابيا في بلادهم، بعضهم يعتقل حال وصوله وآخرون يمنعون من الدخول أو يجردون من جنسياتهم والمعظم يقع تحت رقابة السلطات الأمنية.
وتنقل الصحيفة عن القاضي الفرنسي السابق في قضايا مكافحة الإرهاب مارك ترفيديك «ليس كل شخص عائد مجرما، وليس كل شخص يذهب إلى هناك يريد القتل» ولكن «هناك احتمال من وجود مجموعة تعمل على الهامش قادرة على ارتكاب كل شيء».
ويشير التقرير إلى دوافع المتطوعين حيث تحدث إلى عائلاتهم ومحاميهم وزملائهم. ومن هؤلاء المتطوعين يوسف عكاري الذي كان يقضي وقته في غرفته على الإنترنت يستمع للخطب والدورس الدينية ليختفي وتتلقى عائلته رسالة بأنه في سوريا.
ولكنه أضاع نظاراته ولهذا لم يعد مؤهلا للقتال، كما يقول شقيقه مهدي عكاري، وكلف بدلا من ذلك بمهمة الوعظ للمجاهدين.
وبعد سبعة أشهر بدأ مع متطوعيـــين آخـــرين بالتخطيط للهرب واكتشفت الخطة حيث قتل زميلاه أما هو فقد سلم للمقاتلين الأكراد ثم عاد إلى تونس ووجــد نفسه وسط تحرش الأمن وملاحقة الجهاديين له، وعاد إلى سوريا وقتل في الغارات الأمريكية هناك في تشرين الأول/ أكتوبر.
ويعمل تنظيم الدولة على منع عودة أو هروب المتطوعين حالة انضمامهم إليه، فأول خطوة يقوم بها هي مصادرة جوازات ووثائق سفر المقاتلين.
ويقول حمد عبدالرحمن وهو سعودي انضم إلى تنظيم الدولة في صيف العام الماضي حيث استقبله المقاتلون على الحدود السورية ونقلوه إلى معسكر الطبقة. «أخذوا مني كل الوثائق وسألوني إن كنت أرغب في القتال أو تنفيذ عملية انتحارية»، وهو الآن في سجن ببغداد. وكان هناك العديد من الأجانب في معسكره حيث كان برنامج اليوم يشتمل على الصلاة ودورس في الشريعة ورياضة وبرامج تدريب قتالية. أما علي وهو تونسي فقد عمل كمراسل ونقل مواد دعائية وأموالا بين سوريا وتونس.
وقام بثلاث رحلات قرر في الأخيرة عدم العودة. ويقول علي عن تجربته «أشعر أنني كنت إرهابيا وأشعر بالصدمة لما فعلت»، ويقدم اليوم نصيحته للذين يرغبون بالسفر إلى سوريا بالتخلي عن الفكرة، «ليس ما يفعلونه إسلاما، ولا تضح بحياتك من أجل لا شيء».
وتواجه الدول مشكلة في كيفية التعامل مع الجهاديين العائدين، فقد اعتقلت فرنسا 154 شخصا عائدا وتراقب الآن أكثر من 3.000 شخص، أما بريطانيا فقد اعتقلت 165 شخصا وحاكمت وسجنت الكثيرين.
وتعتبر ألمانيا أن 30 من 180 عائدا يمثلون خطرا على الأمن. وتنقل الصحيفة عن محامين يدافعون عن متطوعي اعتقلوا بعد عودتهم، وتظهر شهادات المحامين كيف اختلطت الأمور على الكثير من المتطوعين الذين سافروا لمساعدة المدنيين ليجدوا أنفسهم في صفوف الجهاديين، وعندما كانوا يكتشفون خطأ قرارهم ويقررون العودة يعتقلون في تركيا أو المناطق التي هربوا عبرها وكانوا يعتقلون حالة وصولهم.
وفي تونس التي تراقب الدولة فيها 400 من العائدين حيث لا يستطيعون التحرك بحرية رغم أنهم خارج السجن، ومن هؤلاء غيث الذي يقول إن ما يجري في سورية ليس ثورة أو جهادا ولكن «مذبحة».
اختراق
تعتقد بعض الدول مثل السعودية أنه يمكن اختراق تنظيم الدولة الإسلامية، فمن خلال الأعداد الكبيرة من المتطوعين الأجانب يمكن زرع بعض الجواسيس. وهذا ما كشفت عنه صحيفة «التايمز» البريطانية حيث تحدثت عن جهود استخباراتية تقوم بها السعودية لاختراق تنظيم الدولة.
وأكد أحد المستشارين السعوديين للصحيفة أن «هناك حاجة للبحث على حل استخباراتي، فمع اننا عززنا دفاعاتنا على الحدود إلا أننا بحاجة لمعرفة تحركات تنظيم الدولة في داخل المملكة، ولهذا فنحن بحاجة للعنصر البشري الاستخباراتي».
وتأتي الجهود السعودية بعد عملية نفذت في بداية الشهر الماضي قرب الحدود مع العراق وقتل فيها جنود وقائد كبير في الأمن.
وقامت الحكومة على إثرها بنشر 30 ألف جندي على الحدود مع العراق. وكشف الهجوم عن الحاجة الماسة للحصول على معلومات استخباراتية من داخل التنظيم، خاصة أن هناك عددا كبيرا من السعوديين الذين انضموا ويقاتلون في صفوف الدولة ويعدون بالآلاف. وأضافت الصحيفة أن السعودية ستحاول من خلال زرع العملاء الحصول على معلومات أمنية وتعزز دفاعاتها وسط مخاوف من قيام جهاديين بهجمات محتملة.
وفي هذا المجال سيلعب وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد ومسؤول ملف مكافحة الإرهاب دورا في هذا المجال حيث تسعى السعودية، كما يقول التقرير لدمج رئاسة الاستخبارات مع قوات الأمن.
وترى «التايمز» أن تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق يمثل فرصة لزرع عملاء لكن التركيب الداخلي للدولة يجعل من الصعوبة اختراقها.
ونقلت عن اللواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية قوله «تظل قيادة التنظيم مغلقة ومن الصعب اختراقها، ولهذا لا يستطع أحد التكهن بالخطوة القادمة» له. وعانت السعودية في الأشهر الأخيرة من 4 هجمات، وقالت الحكومة إنها أحبطت العديد من الخطط منها واحدة لاغتيال مسؤولين ومشايخ أعلن عنها في أيار/مايو الماضي.
ورغم الإعلان عن اعتقال 300 شخص إلا أن هذا لم يمنع من تسلل المتشددين للأراضي السعودية.
وقتل في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر متعهد أمريكي يعمل في الرياض مما أثار المخاوف من دخول مقاتلين إلى السعودية للقيام بهجمات شبيهة بالحملة التي شنها تنظيم القاعدة في الفترة ما بين 2003-2005.
ويعتقد أن هناك حوالي 2.500 سعودي يقاتلون في صفوف القاعدة. ويقول خبراء في الأمن ان المهاجمين الذين قتلوا رجال الأمن السعوديين الشهر الماضي كانوا يحاولون الدخول إلى السعودية والاتصال مع الخلايا المحلية التابعة للدولة.
وكان المهاجمون يحملون معهم أربعة أحزمة ناسفة وهذا دليل على عدم وجود خبراء في تصنيع المتفجرات داخل السعودية كما يقول اللواء التركي.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى