السياسة التربوية مسلكاً في نتائجها للتربية السياسية الممنهَجة …
نزار موسى
انطلاقاً من مبدأ أّن الإعتناء بالنبتة المراد زراعتها يبدأ من البذرة نفسها حتى وقبل بذرها ، وانطلاقاً من هذه الفكرة البسيطة نلاحظ بأنّ التركيز في المجتمعات التي تعاني من الانهيار نتيجة النزاعات وعدم الاستقرار والبناء الخاطئ فيها ، ينعكس بنتائجها دوماً على الأجيال الفتية ، من قٍبل واضعي تلك الخطط المرجوة في إدامتها لنتائج أفعالهم على الأرض ، فالفئة اليافعة في انطلاقتها تُعتبر فريسة سهلة لأيّ طارئٍ في أيّ مكانٍ وزمانٍ ، كما ويتفنّن المخطّطون في طرائقهم للنيل من هذه الفئة ، لكنّ أسهل الطرق تلك تكون في محاربة العلم أولاً ، وذلك عبر إجهاض أدوات التربية والتعليم في أيّ عمليةٍ تربوية سليمة .
ففي الدول التي تعافت من هذا المرض مؤخراً ، و التي حيّدت حينها تلك الآفات المبعثرة فيها ، أدركت في تقييماتها بأنّ العودة للأسس العلمية في إرساء قواعد تعليمية متينة ومستقلة عن الرؤى الأثنية والروحية هو الحلّ الأنجع ، مركّزين في فحواه على القيم المجتمعية الملموسة وثقافة الرأي الآخر وتقبّله ، لا بل وجعلها الأرضية في انطلاقة تصويب الذات ، هذا كلّه يترافق بشكلٍ موازٍ لبناء أيّ كيانٍ جديدٍ سياسياً وإدارياً ومجتمعياً .
فما يجري و(للأسف) من محاربةٍ علنية للعلم ، والذي لايقبل بدوره بالطبع بتلك السلوكيات الهدّامة من البعض ، إنّما تستهدف وفي بادىء الأمر بنيان المجتمع ، ورفده بأجيال مبنية على قيم مجتمعية زائفة كالسلطة الزائفة المبنية على ثقافة العنف ، وتكريسها كمعايير تبنى عليها المجتمع ، استنادا على قاعدة (مسك الأرض) حسب زعمها.
قوام وآلية التنفيذ بشيءٍ من التفصيل تتمّ عبر تحييد الأكفّاء من الكوادر التعليمية وإستبدالهم بمَن هم أقلّ كفاءةً ، كذلك من خلال توفير مناهج سطحية مؤدلجة وغير مجدية في الواقع ، سوى للقائمين على وضعها أنفسهم ، كجزءٍ من السلطة المتنفّذة على الأرض ، وبهذا يكون قد تمّ الإستهداف الناجح لكلّ من المعرفة والقائمين عليها ، كأهمّ عنصرين أساسيين في العملية التربوية المنهجية.
وتقريباً للواقع نرى ، بأنّ منطقتنا وفي الواقع ضحية لإحدى هذه السنياريوهات ، وتمرّ ومنذ مايقارب السبع سنوات المنصرمة على المستوى التربوي تتخبّط في سيرورتها ونتائجها التربوية، فالمناهج وللأسف تتوضّح بأنّها تمجيدية ، ناهيك عن ممارسيها المفتقرين للطرق التربوبة الرصينة ، متناسين بأنّ إعداد الكادر السليم إنّما إعداد لوطنٍ ، واستدامة بنيانه تكون في مدّه بأسس علمية صحيحة ، تربوياً يستوجب في الإعداد وكما نعلم بأن تكون تلك الكوادر قادرة على ممارسة مهارات و طرائق تربوية معينة ، تسهّل من عملية إيصال الذخيرة المعرفية لطلبتهم ، وذلك تماشياً مع المقولة التربوية الشهيرة ” من الضروري أن تتمكّن من الوصول إلى المتلقّي حتى تستطيع أن تلقّنه ما تريد “.
تدافع هذه الفئة وللأسف عن ممارساتها التي أثقلت كاهل مجتمعنا الكُردي خاصةً ، لتردّ على منتقديها بأنهم يستهدفون في نقدهم بذلك ، للغتهم الأم التي تُدرّس بها هذه المناهج ، في واقعةٍ لا يمكن لها أن تقنع سوى الطبقة المصفِّقة لها ، والمدافعة في قسمها الأكبر عن أفكارها وخططها ، في جعل مايتسرّب من العملية التربوية من طاقاتٍ بشرية تعود لتبرز نفسها في كنف هؤلاء مجدّداً .
ما يدعو للتخوّف ، هو أن تتصدّر هذه الفئة التي أدارت ظهرها أو حتى التي مضت في نظامٍ تربوي موجّهٍ ، لساحة المستقبل والبناء ، وتكون جزءاً ولابدّ من تلك المنظومة الدخيلة التي بيدهم زمام الأمور تنفيذياً ، خاصةً وإنٔ طال الوضع على ما هو عليه ، إضافةً لتناسبٍ طردي لمصالح ضيقة لهم مع مصالح القوى المؤثّرة في المنطقة آنياً ، وفي ظلّ غياب قدرة الرأي الآخر في لملمة إمكاناته والمضي من جديد و بأساليب تتناسب والواقع .
تماشياً مع التساؤل الذي طرحه التربوي الشهير تيودور فيلهيلم ” ماذا يمكن أن نفعل فيما يتعلّق بالتعليم لحماية أنفسنا من الإنحرافات السياسية الجديدة ؟ ” ، يتبادر للذهن وللوهلة الأولى بأن ندرك بأنّ عقبات مايجري ، ممتدّة وبالتأكيد لعشراتٍ من السنوات القادمة ، وأنها عقلية دخيلة ، ستكون مرافقة لأيّ عملية تصحيحٍ أو بناء ، وأنّ السياسة المحلية وممارسيها متأثرون لا محالة ، وخاصةً في قادم الأيام بتلك السياسة التربوية الممنهَجة ، وأنّ المهمة في تصويب المسار ستكون أصعب في ظلّ الإفراغ الحالي للسياسة التربوية القائمة من محتواها التربوي قبل العلمي .
تستوجب عليها أن تدرك كحركة سياسية كُردية ، ضرورة إبقاء السياسة التربوية للأجيال خارج أيّ صراعٍ أو أطر ايديوجية ، وأن يتمّ الإجماع على ترسيخها ، رغم تمسّك المجلس الوطني الكُردي بها كضرورةٍ لابدّ منها ، واليقين بما لها من عواقب ونتائج كارثية على محدّدات وجود قضيةٍ عادلة لابل وعلى مستقبل المنطقة ككلٍّ ، وإنٔ أمكن العمل على جعلها منطلقاً للتصويب العقلاني للحالة الخاطئة التي تُدار بها مناطقنا بالشكل القائم بلونٍ واحدٍ وفكرٍ أوحد.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 285