آراء

الشعار الجديد لسوريا: بين الرمز والشرعية التحليل الكامل

بقلم المحامي: اكرم شمو

■المقدمة: عندما تصبح الصورة إشكالية قانونية

في لحظة تاريخية احتضنت ساحة الجندي المجهول بدمشق رفع “العقاب الذهبي” شعاراً جديداً لسوريا في 3 يوليو 2025 وهذا حدث محمل بآمال مرحلة ما بعد الدكتاتورية.

لكن وراء الأضواء والخطابات الرنانة يطفو سؤال جوهري يهز أسس التأسيس الديمقراطي والشرعية الدستورية :

هل يمكن لرمز أن يكتسب شرعية دون أن يمر عبر بوابة الدستور؟

هذا التحليل – بحياد تام – لا يخوض في لون الشعار أو دقة منحنياته او دلالاته بل ينبش في التربة القانونية التي غرست فيها جذوره.

فقيمة الرمز – مهما عظمت دلالاته – تقاس بمدى احترام الإجراء الذي أوجده.

■ الإطار الدستوري: المادة 5 من الاعلان الدستوري  كمحك رئيسي

تنص المادة 5 من الإعلان الدستوري (2025) بوضوح لا يحتمل التأويل:

“يُحدد شعار الدولة ونشيدها الوطني بقانون”.

ولفهم هذا بوضوح نستعرض ثلاث حقائق قانونية:

1-الحصرية التشريعية المطلقة :

تحديد الشعار يقع حصرياً ضمن صلاحيات مجلس الشعب (المواد  24-30) كتعبير عن الإرادة الشعبية.

2-القيود المفروضة على السلطة التنفيذية :

الصلاحيات الرئاسية (المواد 31-41) تقتصر على:

-تعيين الوزراء

-التوقيع على القوانين المصادق  عليها

-القيادة العسكرية .

ولا  تشمل حق إصدار قرارات في الرموز السيادية.

3- عدم سد الفراغ التشريعي :

غياب المجلس التشريعي لا يخول الرئيس تجاوز النص الدستوري خاصة في قضايا التمثيل الشعبي.

 

⚖️ – التمييز القانوني الحاسم بين  الإعلان عن الهوية البصرية ( شعار الدولة ) وبين اعتمادها رسميا :

▪︎- الإعلان الرمزي (ما تم فعلياً) :

-ان كان مجرد عرض تصميم عبر فعالية إعلامية يعتبر ذلك مقترحاً غير ملزم ولا يشكل انتهاكاً دستورياً بذاته

اي انه جائز قانونا ولايخالف مبدأ الشرعية والدستورية .

اما الاعتماد الرسمي للشعار (المشكلة القانونية) :

-ويتم عند تحويله إلى واقع ملموس عبر:

-دمجه في جوازات السفر/العملة

-وضعه على المباني الحكومية

-يصبح هنا خرقاً صريحاً للمادة 5 من الاعلان الدستوري لأن:

-تحويل الشعار لرمز دولة ملزم يتطلب قانوناً صريحاً بذلك وهنا في هذه الحالة لايوجد اي قانون يجيز ذلك او يلزمه .

■صلاحيات الرئيس: الحدود الدستورية

▪︎ما يسمح به الدستور (الاعلان الدستوري)  للرئيس :

-قيادة القوات المسلحة (المادة32)

-تعيين الوزراء وإقالتهم (المادة 35)

-التوقيع على القوانين المُقرّة (المادة37)

▪︎ما لا يسمح به مطلقاً :

-إصدار قرارات تشريعية مستقلة

-تحديد الرموز الوطنية خارج البرلمان

-تجاوز النص الصريح للمادة( 5 ) من الاعلان الدستوري .

والمبدأ هو :

“الرئيس ينفذ القوانين.. لا يسنّها”

■مسار المعالجة الدستورية:

1︎- الإجراءات العاجلة (قبل تشكيل المجلس التشريعي )

أ-تجميد فوري : وقف استخدام الشعار في الوثائق الرسمية وعلى الدوائر الحكومية .

ب-تشكيل لجنة وطنية : من ( خبراء قانونيون + فنانون + ممثلو المجتمع )

مهمتها صياغة مشروع قانون خلال مدة لا تتجاوز 60 يوماً.

2︎-الإجراءات التشريعية (بعد تشكيل البرلمان)

-خطوات عملية :

ا). مناقشة المشروع في اللجان

المختصة.

ب). استقبال آراء المواطنين

ج). تصويت برلماني علني .

▪︎ضمانات أساسية :

– رفض “الأثر الرجعي”

– نشر التصميم قبل التصويت عليه .

■في الختام الشرعية هي التربة التي تنمو فيها الرموز

“العقاب الذهبي” قد يلمع تحت شمس دمشق لكن بريقه لن يكتمل دون نور الدستور.

التحدي الحقيقي ليس في تغيير الشعارات بل في كسر حلقة “التأسيس الخاطئ” التي طالما عانت منها سورياطويلا.

يقول (مونتسكيو )

“الفرق بين الدولة والدكتاتورية أن الأولى تخلق قوانينها، بينما الثانية تخلقها القوانين”

▪︎الخيارات الماثلة:

-الطريق الطويل : مرغوب لان فيه احترام الإجراءات الدستورية كضمانة لشرعية دائمة.

-الاختصار الاستعجالي : غير مرغوب لان فيه تكرار نموذج “الشرعية الانقلابية” بثياب جديدة.

في المرحلة الانتقالية الهشة كل خطوة خارج الدستور هي حجر يلقى في نهر الشرعية قد لا يسمع صوت سقوطه اليوم لكن أمواجه ستغرق الغد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى