
“الشعب الكردي الأصيل” أم “المجتمع الكردي الأصيل”؟ دلالات المصطلح وأبعاده السياسية
المحامي اكرم شمو
في الخطاب السياسي لا يكون اختيار المصطلحات عشوائيا بل يحمل دلالات قانونية وسياسية تهدف إلى تكريس واقع معين.
وفي هذا السياق يظهر الفرق بين “الشعب الكردي الأصيل” و”المجتمع الكردي الأصيل” كمثال واضح على كيفية توظيف اللغة لخدمة أجندات سياسية مختلفة.
يشير مصطلح “الشعب الكردي الأصيل” إلى الأكراد ككيان قومي أصيل يتمتع بسمات مشتركة مثل اللغة والثقافة والتاريخ. يرتبط هذا المصطلح بمفهوم حق تقرير المصير وفقًا للقانون الدولي.
وعند استخدام هذا المصطلح يعزز الفكرة التي تقول إن الأكراد ليسوا مجرد مجموعة سكانية ضمن دولة بل هم شعبٌ أصيل ذو هوية قومية مستقلة.
يحق لهم المطالبة بحقوق سياسية وإدارية خاصة شأنهم شأن الشعوب الأخرى التي تعترف بها القوانين الدولية. كما أن هذا المصطلح يعكس حقيقة أن الأكراد هم جزء أصيل من تاريخ وثقافة المنطقة.
على النقيض يُستخدم مصطلح “المجتمع الكردي الأصيل” لتقديم الأكراد كجزء من نسيج اجتماعي أوسع دون الاعتراف بهم كقومية متميزة. هذا المصطلح فضفاض ويهدف إلى تقليل البعد السياسي للقضية الكردية ويصورها كمسألة تنوّع ثقافي داخل الدولة بدلا من كونها قضية قومية تتطلب حقوقًا سياسية واضحة.
رغم أن المجتمع الكردي في هذه الدول هو مجتمع أصيل ومتجذر تاريخيا في المنطقة إلا أن استخدام هذا المصطلح يسعى إلى إخفاء الطابع القومي للشعب الكردي وتحويله إلى مجرد مكون اجتماعي ضمن الدولة… بهذا يتم التقليل من شرعية المطالب الكردية بحقوقهم القومية.
لا يوجد في القانون الدولي أي اعتراف رسمي بمصطلح “المجتمع الكردي الأصيل في سوريا”. المصطلحات المعترف بها دوليا هي “الشعب الكردي” أو “الأقلية الكردية” حسب السياق السياسي والقانوني.
ومع ذلك، تلجأ بعض الدول ولا سيما الأنظمة التي تحكم المناطق ذات الوجود الكردي إلى استخدام تعبيرات مثل “المجتمع الكردي الأصيل” بدلا من “الشعب الكردي الأصيل” لتجنب الاعتراف بحقوق الأكراد القومية والسياسية وفقا لمبادئ حق تقرير المصير المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
يصعب تحديد الجهة الأولى التي صاغت هذا المصطلح لكنه برز في الخطاب السياسي لأنظمة مثل سوريا وتركيا وإيران التي تجنب الاعتراف بالقومية الكردية.
سعت هذه الأنظمة إلى تقليص حقوق الأكراد إلى مجرد حقوق ثقافية أو فردية دون أي بعد سياسي…. في سوريا تم الترويج لمصطلح “المجتمع الكردي الأصيل” في بعض الخطابات الرسمية خصوصا بعد عام ٢٠١١ في محاولة للإيحاء بأن الأكراد مجرد مكون اجتماعي وليسوا شعبا يتمتع بحقوق قومية.
في تركيا استخدمت الدولة مصطلحات مثل “المواطنين الأتراك من أصل كردي” بدلا من الاعتراف بوجود “الشعب الكردي الأصيل”.
أما في إيران والعراق، فبينما لا تزال إيران تعتمد سياسات إنكار الهوية الكردية فإن العراق بعد ٢٠٠٣ اعترف رسميا بوجود “الشعب الكردي الأصيل” وحقوقه الفيدرالية.
الهدف السياسي من استخدام “المجتمع الكردي الأصيل” بدلًا من “الشعب الكردي الأصيل” يتمثل في طمس الهوية القومية الكردية والحد من شرعيتها السياسية وكذلك إلغاء فكرة تقرير المصير وحرمان الأكراد من المطالبة بحقوق قومية واضحة. بالإضافة إلى ذلك يصور الأكراد كمجرد جماعة إثنية داخل الدول التي يعيشون فيها وليس كجزء من شعب أصيل له تاريخه وهويته.
إن اختلاف المصطلحات ليس مجرد تفصيل لغوي بل يعكس رؤية سياسية تهدف إلى الاعتراف أو إنكار حقوق الأكراد. لذلك، يعتبر استخدام مصطلح “الشعب الكردي الأصيل” تعبيرا عن الحقيقة السياسية والقانونية لوجودهم بينما يمثل مصطلح “المجتمع الكردي الأصيل” محاولة للتقليل من شأن هذه الحقيقة والتلاعب بها سياسيا.
١1/ ٣ / ٢٠٢٥