العلاقات الدولية في الإسلام (العصر الراشدي، والعصر العباسي)
إعداد: جوان حمو- ماجستير في العلاقات الدولية
بدأ الإسلام دوره الحنيف في المجتمع بأن كان أساس التعاون وقاعدة للخير، فقد نادى بأنَّ جميع البشر متساوون. وكانت الدعوة سلمية هادفة بالدخول إلى الدين الإسلامي بشكل سلمي، لكن المسلمون لاقوا عداء مبكر إلى الحد الذي دفع بهم إلى الهجرة إلى المدينة المنورة نتيجة عدوان قريش التي لاحقتهم مما دفع بالمسلمين بالدفاع عن أنفسهم في العديد من الغزوات كغزوة بدر وغزوة أحد. ولم تكن قريش العدو الوحيد أنَّما واجه المسلمون اليهود بعد ذلك، واستخدامهم للسيف كان جزءاً من الدفاع عن النفس. ونتيجة للقواعد السليمة في الإسلام نشر هذا الدين بسرعة إلى إنحاء العالم عن طريق السفراء والسفارات. وساهمت المعاهدات التي أبرمها المسلمون مع الدول الأخرى في تعزيز العلاقات بينها، وقد كان معاملة الإسلام لتلك الدول أفضل معاملة حتى بالنسبة للدول التي كانت تعاديها فقد حظي أسرى تلك الدول بأفضل معاملة، وكذلك احترم الإسلام الديانات الأخرى ومناصريها وأعطتهم حق البقاء مقابل دفع ما يُعرف بالجزية.
– أولاً: التمثيل الدبلوماسي في الإسلام:
استخدم المسلمون الدبلوماسية في تسوية مشاكلهم مع الغير، وغالباً ما كانت التسوية سلمية عن طريق الدعوة والهداية، فالرسول (ص) أرسل صلوات الله تعالى إلى عدد من الملوك:
– هرقل: ملك الروم.
– المقوقس: حاكم مصر.
– كسرى: ملك فارس.
– النجاشي.
– الحارث بن أبي شجر الغساني: حاكم دمشق.
– شيخ اليمامة.
– ملوك البحرين
– الأخوين جعيفر وعبد الملكين: ملوك عمان.
ذلك عن طريق الرسل الذين يدعوهم إلى الإسلام وكانت رسائله عليه السلام لا تخلو من الألقاب وكانت تبدأ بالبسملة وتنتهي بالسلام.
أ- السفارة في عهد الراشدين:
يُعرَّف السفير في الإسلام بأنَّه الرسول والمصلح بين القوم، ويتمثل دوره بالتفاوض بالشرح والتحليل والبيان والأعلام وتبادل الرأي الأخر. أما أصول السفارة فكانت مستمدة من القرآن والتشريع والاجتهاد والقياس، بالإضافة إلى بعض المبادئ القديمة التي تتوافق معها. وفي العهد الراشدي كان هناك جملة من الشروط التي كان مطلوباً توافرها في السفير (الفصاحة في اللسان، والجرأة، وتحمل المسؤولية الاجتماعية، والصدق، وسرعة البديهة، ومعرفة لغة الطرف الأخر، والأمانة) وكان معظم السفراء من الصحابة والقضاة والعلماء، فلقد كان عمر بن الخطاب سفير قومه عندما يحدث خلاف بينهم وبين غيرهم.
وكان قتل السفير بمثابة إعلان الحرب. فمثلاً أقدم الغساسنة الذين كانوا يوالون لملك الروم بقتل سفير الرسول محمد (ص) (الحارث بن عمير الازدري) فقد كان ذلك بمثابة إعلان حرب.
كما أنَّ السفراء لم يكن لديهم سفارات دائمة في البلدان التي يذهبون إليها إلا إنَّهم كانوا يستقبلون بكامل الهيبة وكان لهم مكان مخصص للاجتماع والمأكل والمشرب والمنام. ويقال أنَّ أولى السفارات كانت سفارة (حكيم بن حزام) وسفراء الحديبة الذين بعثهم رسول الله إلى قريش من أجل أداء العمرة، كما تبادلوا قريش بالسفراء من أجل معرفة نوايا المسلمين من دخول مكة.
ب- السفارة في العهد العباسي:
وصف السفارة في عهد الخلفاء العباسيين بأنَّه شهد نوع من التطور وإضفاء لطابع الكبرياء والهيبة، فقد كان السفراء يرفقون بالهدايا بين الأطراف إلا أنَّ ذلك لم يمثل السياسة الإسلامية أنما كانت تعبر عن السياسة الداخلية.
وكان السفير يحمل تذكرة (أوراق الاعتماد) يتضمن اسم المبعوث وصفته والغرض المرسل من أجله واسم الحاكم المرسل إليه.
– السفير الخائن:
سجل التاريخ الإسلامي عدد من حالات خيانة السفراء لدولتهم أو لخليفتهم، فأبو مسلم الخراساني كان سيداً مطاعاً في خرسان إلا أنَّ الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور كان حاقداً عليه فاستطاع أن يوقع به بأن استقدمه إلى الانبار (عاصمة الخلافة العباسية آنذاك) عن طريق سفير أبو مسلم فقتل أبو مسلم بيسر، وهنا تبين خيانة السفير لمولاه أبو مسلم الخراساني.
– الرسائل:
كانت الرسائل تبعث من قبل الرسل أو السفراء وكانت باللغة العربية، وبالمقابل كانت الرسائل التي ترد باللغة التي بعث بها السفير، لذلك كان من الضروري وجود مترجمين محنكين لترجمة الرسائل، وكانت الرسائل التي تبعث للملوك والأباطرة لا تخلو من ألقابهم كما أنَّ الورق الذي كان يكتب عليه الرسائل كان من أجود أنواع الورق وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحبر المستخدم.
– ثانياً: المعاهدات:
جاز القران للمسلمين المعاهدات مع ضرورة الوفاء به، وذلك في سبيل حقن الدماء. والمعاهدة في عهد الإسلام كانت تتم عن طريق الخلفاء أو الأمراء والمستشارين الأمر الذي لقن الغرب درساً في الشورى فلم يكن لهم في الشورى دراية من قبل. وكمثال عن الشورى نذكر:
– الشورى بين رسول الله (ص) واصحابه.
– الشورى بين رسول الله(ص) ومستشاريه.
وكان توقيع المعاهدة بين ملكين كافر ومسلم أو نائبهما أو بين الملك والنائب الأخر، كما اشترط في المعاهدات التي كان المسلمون يبرمونها مع العدو ألا تحرم حلالاً أو تحلل حراماً وألا تخل بالإسلام.
كمثال عن المعاهدات نذكر:
– معاهدة المدينة عقب الهجرة بين المسلمون المهاجرين والأنصاروبين اليهود (بني قينقاع، بني قريظة، بني النضير) وبين العرب غير المسلمين والتي نصت على:
(التعاون العسكري والأدبي والمادي، وللجماعة شخصية دينية وسياسية، والرسول(ص) هو الرئيس الأعلى ومفض للنزاعات.
– معاهدة الحديبة بين المسلمين وبين قريشوالتي نصت على: (العمرة لا تتم في العام السادس الهجري أنَّما في السابع الهجري، مدة الهدنة 10 سنوات، حرية الدخول في عهد قريش أو عهد الرسول (ص).
المسلمون كانوا يطلقون على المعاهدة (عقد الصلح) إن كانت أطرافها إسلامية أما أن كان أحد أطرافها غير مسلمة فكانوا يختارون واحدة من المسميات التالية (السالمة، الموادعة، المهادنة، المواصفة). وكان من شروط المعاهدة:
1- يجب أن لا تتعارض مع نص شرعي ولا مع القواعد الأخلاقية.
2- أن تكون بين طرفين أو أكثر من ذوي السيادة (شرط أهلية العقد).
3- أن يوقع عليها حاكما الطرفين أو الحكام في الأطراف المتعددة.
4- أن تكون المعاهدة محددة بزمن.
والحالات التي تنتهي فيها المعاهدات كانت:
1- انتهاء المدة المحددة في المعاهدة.
2- اتفاق أطراف المعاهدة على إنهائها وفق متغيرات ومستجدات، وهو ما يعرف بالمفاسخة (فسخ العهد).
3- اعتداء أحد الطرفين على الأخر.
– ثالثاً: الأمان:
عُرف العهدين الراشدي والعباسي نوعين من الأمان:
– الأمان الدائم:
ويقصد به التعايش السلمي بين أهل الكتاب وغير المسلمين وهذا الأمان يعقده الإمام أو نائبه.
– الأمان المؤقت:
– عام: إذا قام جيش من المسلمين بإلقاء القبض على مجموعة كبيرة من الأعداء (جيش) أعلنوا استسلامهم في هذه الحالة تكون عليهم هذا الأمان، ولكن في حال الشعور بخطرهم فيجوز رفع هذا الأمان.
– خاص: إذا قام أحد المسلمين بإلقاء القبض على أحد الأعداء الذي أعلن استسلامه، في هذه الحالة تكون عليه الأمان.
– رابعاً: الحرب في العلاقات الدولية الإسلامية:
إنَّ الإسلام بدعوته الإنسانية دعا إلى عدم البدء بالاعتداء بل دعا إلى عدم تمني الحرب أو استعجالها والى الصبر والتريث. أذا فالإسلام حرم البدء بالاعتداء مهما كان نوعه ودرجته وبنفس الوقت حرم الاستسلام والخذلان أيضا وحث على العفو والصبر إلا:
– أذا كان الاعتداء موجه إلى العقيدة أو موجها إلى مصالح الأمة.
– في حال نقض العهد أو الميثاق قبل إكمال مدته مستغلاً الظروف لمصلحته لأنَّ المواثيق والمعاهدات لها حرمتها.
– في حالات منع نشر العقيدة الإسلامية، وضد الطغاة الظالمين دفاعاً عن المستضعفين وضد الكفرة والفجرة.
إذا: الحرب في الإسلام جاء لإعلاء كلمة الحق لا في سبيل أحد أو طائفة أو قبيلة أو زمرة.
– الحالات التي أوجبها الإسلام لوقف القتال:
1- توقف العدو عن القتال عارضاً للسلم.
2- انتهاء الحرب بهزيمة الأعداء أو استسلامهم.
3- إن أبدى العدو رغبته في دفع الجزية للمسلمين مقابل الكف عن قتالهم.
4- دخول الأعداء الإسلام.
– أشكال الحرب في الإسلام:
– في حال نشوء حرب بين (دولة إسلامية، ودولة إسلامية أخرى) لا بد من التوسط لإنهاء هذه الحرب وإزالة أسبابها، وفي حال إصرار إحداها فلابد من مناصرة الأخرى.
– في حال نشوء حرب بين(دولة غير مسلمة، ودولة غير مسلمة أخرى) يجوز فيها الحياد بعد النظر إلى مصلحة المسلمين فيها.
– في حال نشوء حرب بين(دولة غير مسلمة مرتبطة بمعاهدة مع المسلمين، ودولة غير مسلمة) على الدولة المسلمة المرتبطة بالدولة الغير مسلمة أن تقف إلى جانبها ومناصرتها إن كانت على حق.
– في حال نشوء حرب بين(دولة غير مسلمة، ودولة مسلمة) إذا كانت الدولة المسلمة على حق فلا بد من الوقوف بجانب الدولة المسلمة دون تردد، وأن كانت على الباطل فلا بد من مناصرتها
– خامساً: الأسرى:
الأسير في الإسلام هو العدو الذي يقع في قبضة المسلمين نتيجة حرب أو معركة أو هو الشخص المسلم الذي يقع في قبضة العدو. وهنا يتم التعامل مع الأسير معاملة جيدة حيث يسمح له بأن يزوره أهله، ويتوجب أن يقايض بغيره أو بمجموعة حسب أهميته، أو يدفع المال في سبيل فك أسره. مثال على ذلك تبادل الأسرى بين المسلمين والفرنجة.
– سادساً: التجسس:
نهى القرآن الكريم عن التجسس نهياً شاملاً وحازماً، فقد كان المسلمون أذ كشفوا عن أمر جاسوس عدو فإنَّهم كانوا لا يشعرونه بذلك قدر الإمكان وكانوا يقومون بإعطائه معلومات خاطئة، ولكن أذا اضطروا إلى كشف ذلك له فإنَّهم كانوا يتعاملون معه بلطف في سبيل أخذ معلومات منه أو في سبيل أن يوصلوا معلومات خاطئة إلى الجانب الذي بعث به، ولم يكن يجوز قتل الجاسوس إلا في حال خطورته الشديدة وذلك في حالة هروبه وإفصاحه عن معلومات مهمة، وفي حال قيام جاسوس مسلم بالتجسس على المسلمين فأنَّ عقوبته كانت شديدة.
– سابعاً: الخيانة:
وهي اعم واشمل من الجاسوسية وفيها إضرار للمسلمين وفائدة للأعداء.
– ثامناً: العلاقات بين الدول الإسلامية:
إنَّ العلاقات بين الدول الإسلامية هي علاقات بينية وليست خارجية لأنَّ المسلمون امة واحدة كذلك ديارهم ديار واحدة حتى لو اختلفت أصولهم ومواقعهم الجغرافية.
– تاسعاً: التعاون الدولي:
اقره الإسلام وحث عليه ووضع له قواعد ثابتة لضمان عدم الاستغلال والاتكار الضار ومنعاً للفوضى وكمثال عل ذلك الاستمرار بالتعامل بالدينار الرومي والدرهم الفارسي حتى بعد صك النقود الإسلامية أي أنَّه دليل على استمرار التعاون. والتعاون يتصف بالمحبة والإيثار ومبعثه أنَّ الخلق جميعاً تربطهم أواصر الرحم، وقد تجسد التعاون في الشورى والزكاة والصدقة، وبالنسبة للدول فهي لا تعيش منعزلة أنَّما ترتبط وتتأثر بما حولها وعليها قدر المستطاع أن تنشى علاقات وطيدة مع الدول كافة بقدر المستطاع.
– عاشراً: المفاوضات الدولية:
الدولة الإسلامية كانت تفوض مبعوثيها لإجراء المفاوضات ووضعت لها أساساً وأصولا ًواختارت لها الكفاءة البشرية علماً وسلوكاً اهتداء بنهج الشريعة، وكانت المفاوضات تلتزم بالصبر والصدق وحماية المفاوض ومع حاشيته وأمتعته ومقره وأدواته ومعداته ووسائل اتصاله.
مثال:
– المفاوضات التي تمت بين المسلمين والنجاشي ملك الحبشة.
– المفاوضات بين وفد قريش (عبد الرحمن بن أبي ربيعة) والنجاشي من أجل طرد المسلمين من الحبشة.
والمفاوض في الدولة الإسلامية كان قليل الكلام وكثير التدبر لتلافي الزلل التي تتيح الفرصة للآخرين، ويحتفظ بأسراه ولا يبوح بها، وكان عليه أن يكون مستمع جيد ولبق وذو أخلاق حميدة وكفء، وعند التفاوض كان لا بد أن يبدأ بنقاط الاتفاق ثم الانتقال رويدا رويدا إلى الموضوعات الأكثر خلافاً.
– أحد عشر: العلاقات الدولية في مجال الاقتصاد:
الرسول(ص) عندما سمع أنَّ قريش تمر بضائقة اقتصادية عقب صلح الحديبة أرسل ب 500 دينار إلى أبو سفيان من أجل أن يفرجوا بها عن ضائقتهم. كما أنَّ الرسول طلب من زعيم منطقة اليمامة أن يستأنف بيع القمح إلى قريش بعد أن ضايقته قريش بسبب دخوله إلى الإسلام.
– العملات الأجنبية في الإسلام:
تم التعامل بالعملات الأجنبية كالدراهم والدنانير قبل وبعد الإسلام، وبعد أن جاء الإسلام ظهرت النقود الإسلامية التي بدئت تستعمل إلى جانب النقود الأجنبية.
– الأسواق:
كانت الأسواق موجودة قبل الإسلام لكن في عهد الإسلام تطورت وتوسعت وأصبح يعرف فيها الناقد (هو الشخص الذي يميز بين الدراهم والدنانير ويتأكد من سلامتها). وكذلك عرف المحتسب (هو الشخص الذي يحارب الغش ويكشف عن الموازين والمكاييل ومسؤول عن الحيوانات التي تذبح).
-التجارة الخارجية:
كان هناك تعامل تجاري بين المسلمين وبين أوربا (وبخاصة الدولة البيزنطية)، وبين المسلمين والشرق الأقصى.
مثال: اتجار المسلمين بالحبوب والنسيج الى الشرق الأقصى مقابل الأخشاب، الفيلة، التوابل.
كما كان هناك تصدير للجلد اللين Moroccoوللقماش المشجرDo mask والقماش الناعم Fustat من قبل المسلمين إلى أوربة والشرق الأقصى.