القضية الكردية من التجاهل إلى التسويف في مشروع حزب ( الإرادة الشعبية )
بدران مستو
قدم الشعب الكردي خلال مسيرته النضالية الطويلة والموغلة في التاريخ التضحيات الكثيرة والكبيرة , خلال اعتناقه للدين الإسلامي وللاشتراكية العلمية الطارئتين عليه , والتي لا زالت آثاره الكارثية ظاهرة في مختلف جوانب حياة الشعب الكردي , ووطنه كردستان من تجزئة وظلم وتخلف . لقد خسر الكرد ميزة تطورهم الحضاري المستقل , وميزة عقيدتهم الإيزيدية , اللتين كانت تميزهم عن الشعوب المجاورة , عندما تخلوا كرهاً عن عقيدتهم الدينية واعتنقوا الإسلام , وفي فترات تاريخية معينة, استطاعوا فيها دحر الغزو الصليبي الأوربي من الغرب , ومن ثم دحر الغزو الروسي القيصري من الشرق, وكانت النتيجة أن كسب الكرد حقد وعداء الشرق والغرب , الذين ثأروا لاحقا منهم بتقسيم وطنهم كردستان إلى أربعة أجزاء , ألحقت كل منها إلى دولة ( إسلامية ) , مارست هذه الدول القمع والتنكيل والإبادة الجماعية بحق الشعب الكردي , جزاء المعروف والتضحيات الإسلامية الذي أسداه الكرد !؟ وفي حقبة الاتحاد السوفيتي التزمت معظم فصائل حركة التحرر الوطني الكردستانية بالفكر الماركسي اللينيني , وتحولت إلى أبواق للدعاية للنظام الاشتراكي بين أوساط المجتمع الكردي , إلا إن العلاقة التي أولاها الاتحاد السوفيتي مع الدول الغاصبة لكردستان , كانت تقوم على أساس مصالحها , وعلى حساب تجاهل القضية الكردية , والتغاضي عن المجازر والجرائم الرهيبة التي كانت ترتكبها حكومات هذه الدول بحق الشعب الكردي . وكانت النتيجة أيضاً أن خسر الكرد وحدة أداته النضالية بتشتته بين اليمين واليسار , وانقسامها على نفسها فيما بعد تكراراً ومراراً بسبب الصراعات الفكرية المستوردة وغيرها من الأسباب .
إن العقائد والثقافات الدخيلة على الشعب الكردي , أثرت سلباً على فقدانه لشخصيته المستقلة , إذ تحولوا فيها إلى جنود مخلصين أوفياء, ساهموا في بناء دول وارتقاء حضارات استثمرها غيرهم من الشعوب فيما بعد في بناء دولهم القومية . وفي ظل الظروف الراهنة والمتغيرات الدراماتيكية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط , على وقع الثورات المطالبة بالحرية والكرامة , وانعكاساتها الايجابية على تعزيز إمكانيات تشكيل دولة كردستان في الجزء الجنوبي منه , وعلى نجاح مستقبل الثورة في سوريا , بالخلاص من النظام الدكتاتوري المجرم , والقضاء على الجماعات الإرهابية المسلحة من داعش والنصرة وغيرها , والبدء ببناء نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي علماني , يحقق الفيدرالية لإقليم كردستان الغربية .. بادر حزب ( الإرادة الشعبية ) لطرح مشروعا طوباوياً بعنوان ( القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم ) للنقاش العام تمهيداً لعقد مؤتمره القادم . وتتلخص فكرة المشروع , بإقامة اتحاد بين الشعوب ــ العرب والكرد والترك والفرس والقوميات الأخرى ــ التي تقطن المساحة الممتدة من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط .
جاء هذا المشروع المتشابه مع مشروع ( الأمة الديمقراطية ) , لمحاولة إعادة الكرة التاريخية مجدداً على الشعب الكردي , وإبعاده قدر المستطاع عن تحقيق أهدافه القومية , تحقيقاً لمصالح الدول الغاصبة لكردستان , ولكننا نعتقد أنه ولى عهد خداع الشعب الكردي , وأن هذا المشروع الخيالي لم يكتب له النجاح أبداً , نظراً لبعض الملاحظات والحقائق الموضوعية التي تحول دون إمكانية نجاحها , حتى أنها متناقضة مع بعض الأسس , التي يعتمدها حزب ( الإرادة الشعبية ) في توجهاته الفكرية والسياسية ومنها :
1 ـ ليس من المنطقي أن تفضل أية قومية ما ممزقة بين عدة دول في الشرق الأوسط , الاتحاد مع قومية أخرى على حساب وحدته القومية , فالشعب العربي في كل من سوريا والعراق لا أعتقد أنها ستفضل الاتحاد مع قوميات أخرى , على الاتحاد مع أبناء جلدتهم من العرب في الدول العربية الأخرى, وكذلك الشعب الآذري و البلوشي في إيران , والمقسم بين عدة دول , لا أعتقد أيضاً أنها ستفضل الاتحاد مع غيرهم من القوميات , على الاتحاد مع بني قومهم في الدول المجاورة لهم , الخارجة عن النطاق الجغرافي للمشروع .
وهذا ما يؤكده لينين في مقدمة الطبعة البولونية لـ ( البيان الشيوعي ) عام 1892 : ( بدون إعادة الوحدة والاستقلال لكل أمة , يستحيل تحقيق اتحاد البروليتاريا من مختلف الأمم , أو تحقيق التعاون السلمي والواعي بين هذه الأمم في سبيل الأهداف المشتركة ) .
2ـ أصحاب المشروع يعتقدون إن عصر الدول القومية قد ولى زمانها , وينعتون ممثليها بالقوى الرجعية , وحتى بغير الوطنية في محاولة منهم لعرقلة أو الالتفاف على حق الشعب الكردي , في تقرير مصيره بنفسه في كل جزء من كردستان , لتتقاطع مع مصالح الدول الغاصبة لها في استمرار الهيمنة , ونهب ثرواتها الطبيعية , وما يوازيها من استدامة للحرب الغير المعلنة والمفتوحة ضد الشعب الكردي , وحركته التحررية , بكل صورها الإرهابية وأبعادها و مآسيها الإنسانية . إذا كانت الحدود السياسية القائمة هي حدود سايكس- بيكو الإمبريالية ــ كما جاءت في مسودة المشروع ــ وارتكبت فيها أخطاء مقصودة بالضد من إرادة شعوب المنطقة , فلماذا إذاً يتم المحافظة على قدسية هذه الحدود الإمبريالية والدفاع عنها ؟ ألا يعني طرح هذا المشروع مناورة متعمدة لعرقلة تحرر إرادة هذه الشعوب نحو الحرية والاستقلال والوحدة القومية ؟
3 ـ إن الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي , ولمنظومته الاشتراكية في أوربا الشرقية فيما بعد ، وبروز هيمنة القطب الواحد الأمريكي , وتحكمها في مجرى الأحداث في العالم ، جاءت بعكس ما كانت تتوقعه الأحزاب الشيوعية ، سبب هذا الانهيار انتكاسة كبيرة للتجربة الاشتراكية , و لحامله الفكري المعروف , والتي كانت له تداعيات سلبية على مجمل الأحزاب الشيوعية والحركات العمالية في العالم , إلا إن بعضها لم تأخذ منها العبر والدروس كما يجب , أمثال تيار قاسيون حزب ( الإرادة الشعبية ) حالياً , فهي لم تجري التقييم اللازم , والمراجعة النقدية الجريئة لمصادرها الفكرية ولرؤاها السياسية و الاستراتيجية , لابتغاء التصحيح والتغيير , بل استمرت في نفس العقلية الإيديولوجية المتزمتة , في تناولها لقضايا السياسة والمجتمع , وبعدائها التاريخي السافر للدول الغربية , وخاصة للولايات المتحدة الأمريكية , التي تصفها بالإمبريالية المتوحشة , وتحملها وزر كل مآسي شعوب العالم , من حروب وكوارث وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية , حتى تستطيع التشويش و التغطية على الجرائم وحرب الإبادة الجماعية , التي يرتكبها النظام الدكتاتوري البعثي في سوريا , ولإلهاء الشعب السوري عن أهداف ثورة الحرية والكرامة , وتوجيهها إلى أهداف خارجية لضمان ديمومة وسلامة النظام الدكتاتوري .
4 ـ كان من الضروري لحزب ( الإرادة الشعبية ) وغيرها من الأحزاب الشيوعية والوطنية في البلاد , من الاعتراف بحقيقة وجود الشعب الكردي , ووضع البرامج والتصورات اللازمة , لمعالجة القضية الكردية على أسس عادلة , باعتبارها قضية وطنية وديمقراطية بامتياز , والنضال الجاد والمسؤول لإحداث التغيير الوطني الديمقراطي الجذري وعلى الصعد كافة , لإنقاذ البلاد من المصير الذي آلت إليه , من الحرب والدمار على يد نظامها الدكتاتوري الجائر , ولقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية , لكنهم للأسف خانوا مبادئهم وقيمهم قبل أن يخونوا الشعب الكردي خاصة , والشعب السوري عامة , في قضايا الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان . والآن وفي خضم الحرب التي يخوضها التحالف الدولي في المنطقة , ضد التنظيمات الإسلامية الراديكالية الإرهابية من داعش والنصرة وغيرها بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , وبروز أهمية ودور القوات الكردية الريادي في محاربة الإرهاب , والدعم الأمريكي لها , يعتبرونه ( تأجيج مشاعر التعصب القومي، والقومي المضاد، وصولاً إلى تغذية بعض النزعات الانفصالية والتفتيتية، بوصفها فوالق مطلوبة من قبل الامبريالية ) حسبما ما جاء في مشروعهم . إن حزب ( الإرادة الشعبية ) يشرعن التدخل الروسي , والإيراني والمليشيات الشيعية من حزب الله وأبو فضل العباس وغيرها , لحماية نظام الطاغية في دمشق , ويجدون في دعم الحلفاء الحالي للقوات الكردية تدخلاً يؤجج مشاعر التعصب القومي فأين هي مواقفهم الوطنية المتوازنة والمستقلة ؟
5 ـ حزب ( الإرادة الشعبية ) حزب مرخص أصولاً لذى وزارة الداخلية السورية , بموجب قانون الأحزاب الصادر عن المرسوم التشريعي رقم ( 100 ) لعام 2011م , ومخصص له اعانات مالية من الدولة , بموجب الفقرة الثانية من المادة الرابعة عشر من القانون نفسه , ولا زالت تطبع جريدته المركزية قاسيون في مطابع سلطة النظام الدموي , وتحت وصايتها ورقابتها , زعيمها السيد قدري جميل شغل سابقاً منصب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية , بين ليلة وضحاها حول إلى معارض في مسرحية هزلية مكشوفة , وضم إلى ما يسمى بمعارضة موسكو المقربة من النظام , للعمل من داخل المعارضة , وفي المنابر والمؤتمرات الدولية , وفق توجيهات وتعليمات النظام , فكيف بنا أن نصدق صاحب هذا المشروع الهلامي , وهو لا يزال يركن في رحم النظام ولم ينفك عنه أصلاً , فكيف نصدقه وهو حتى بالأمس القريب كان يتجاهل وجود الشعب الكردي , ألا يؤكد هذا أن هدفهم الأساسي من هذا المشروع هو تسويف القضية الكردية , كخدمة مأجورة للأنظمة الغاصبة لكردستان .