«الكردستاني» ونظام الأسد… حب من طرف واحد وغرام من دون انتقام

هوشنك أوسي
بالعودة إلى أعداد جريدة «سرخوبون»، الجريدة المركزية لـ «حزب العمال الكردستاني» ولسان حاله، بخاصّة الأعداد التي صدرت من 2011 ولغاية 2016، يخلص المرء إلى نتيجة مفادها بأن مقولة «أهل مكّة أدرى بشعابها» لا تنطبق أبداً على هذا الحزب. لماذا؟ لأن قياداته تتحدّث وتنظّر في شؤون وشجون وقضايا ومشكلات سورية وأكرادها، والعراق وإيران، وكل بلدان الشرق الأوسط، أكثر من أصحاب تلك القضايا والبلدان أنفسهم. ويظهر كذلك أن قيادة «الكردستاني» أكثر إماماً ودرايةً وتعمّقاً في الشأن السوري ومشكلات سورية وقضاياها أكثر من كل النخب السياسيّة السوريّة الكرديّة منها والعربيّة. وأثناء تحليلات وتنظيرات «الكردستاني» يضع الأخير خططاً وبرامج ومشاريع لما يجب وينبغي أن تكون عليه سورية المستقبل، وكيف يجب على الأكراد التصّرف واتخاذ المواقف والقرارات؟ وما هي مشاريع الحلول الأنسب لكرد وعرب سورية… وهكذا دواليك. ولكن، إذا طرحتَ سؤالاً مدرسيّاً على أحد قيادات هذا الحزب: عدد لي أسماء أربعة أشخاص تعاقبوا على رئاسة سورية؟ لن يتذكّر سوى اسم حافظ الأسد ووريثه. وإذا سألته، عدد لي أسماء 4 شعراء وأدباء سوريين؟ أو ماذا تعرف عن الواقع السوري في فترة الانتداب الفرنسي؟ أو فترة بعد الاستقلال؟ أو في الحقبة الوطنيّة…الخ؟ لن يتذكّر هذا القيادي سوى مدائح السيد أوجلان بحق نظام الأسد التي سنأتي على ذكرها لاحقاً. وعليه، على رغم وجود قيادات كرديّة سوريّة بارزة ضمن «العمال الكردستاني» كـ «رستم جودي (فقد حياته عام 2011)، باهوز أردال، شاهين جيلو، آلدار خليل، فوزا اليوسف، نور الدين صوفي…» إلاّ أننا لا نجد لهم مقالاً أو تحليلاً واحداً في جريدة «سرخوبون» منذ 2003 ولغاية 2016 حول الشأن السوري في شكل عام، والكردي السوري في شكل خاص. في حين نجد أن قيادات «الكردستاني»: «جميل بايك، دوران كالكان، مصطفى قرسو، صبري أوك، مراد قره إيلان…» وكلهم من تركيا، ينوبون ليس فقط عن الكرد السوريين في الحديث عن مشكلاتهم وقضاياهم وحسب بل عن كرد العراق وإيران..، وكل شعوب الشرق الأوسط، ويضعون لتلك المشكلات الحلول المناسبة والناجعة أيضاً، وفق تحليلات أوجلان ومشاريعه الطوباوية.
اثناء مراجعتي لأعداد جريدة «سرخوبون» لفت انتباهي نصّ رسالة التعزية التي أرسلتها قيادة «الكردستاني» لنظام البعث السوري وآل الأسد بموت حافظ الأسد، كمية المدائح المكالة للأخير، بعد أن تأكد ضلوع وتورّط نظامه في جريمة اختطاف واعتقال أوجلان، إضافة إلى بنود اتفاقية أضنة الأمنية الموقّعة بين نظام الأسد والنظام التركي في 20/10/1998، بعد خروج أوجلان من سورية في 10/10/1998 والتي يعتبر فيها نظام الأسد الأب «الكردستاني» منظمة إرهابية. وتأكّد إعطاء مسؤول الاستخبارات العسكريّة السوري اللواء مصطفى التاجر صوراً عن جواز سفر أوجلان (القبرصي) المزوّر للمحلق العسكري في السفارة الأميركيّة وتمريره إلى الاتراك و (الموساد) و (CIA) والبدء بمتابعة وملاحقة أوجلان. ومع ذلك، أرسل «الكردستاني» رسالة التعزية تلك التي تفيض بالغزل والمديح لحافظ الأسد. ونشر تلك الرسالة، مرفقة بصورة للأسد الأب، في الصفحة الأولى من جريدة «سرخوبون» عدد 222 – حزيران (يونيو) 2000، وجاء فيها: «في هذه الظروف العصيبة، وببالغ الحزن تلقينا نبأ وفاة مؤسس سورية الحديثة، الزعيم الوطني العربي، الصديق القدير للشعب الكردي، الرئيس الاقليمي والعالمي الاستثنائي حافظ الأسد.
نتقدّم باسم القائد العام عبدالله أوجلان ورفاق دربه وباسم حزبنا بالتعازي للمسؤولين في الجمهورية العربية السورية. وللعائلة وللشعب العربي والكردي بسورية ولكل العالم العربي ولكل شعوب المنطقة ونشارك العائلة (آل الأسد) والشعب العربي الحزن بهذا المصاب».
ثم تتحدّث البرقية عن دور الأسد الأب في دعم حركات التحرر والفصائل الفلسطينيّة…، وأن دعمه لنضال الكرد لا يخفى على أحد وأن هذا الرجل عظيم ومميّز ولا مثيل له، وأنه مثال الشرف…الخ. لكن نظام الأسد الابن، لم ينصت لهذا الغزل المتهافت، بل تابع إيفاء التزامات الأسد الأب مع الاتراك، بموجوب اتفاقيّة أضنة.
وبعد اندلاع الثورة سارع أوجلان إلى إصدار تعليماته وأوامره بضرورة التواصل مع نظام الأسد. وسبق أن نشرت «الحياة» لي مقالاً في 7/4/2015 تحت عنوان: («الكردستاني» ونظام الأسد: حكاية خصام ووئام على وقع أحلام المؤسس)، تضمّن فقرات من رسائل أوجلان التي تحضّ على التواصل مع نظام الأسد الابن في شكل موثّق، في وقت كان هذا النظام يقتل المدنيين والمتظاهرين العزّل، ولم يكن «داعش» و «النصرة» وكل التفريخات التكفيريّة الإرهابيّة قد ظهرت بعد.
وبالعودة إلى ماضي العلاقة بين «الكردستاني» ونظام الأسد التي أسس لها أوجلان، اثناء تواجده في دمشق، سنفهم وندرك لماذا اتخذ «الكردستاني» خيار الانحياز لنظام الأسد الابن والتحالف معه. ففي عام 1996، وفي حوار مطوّل أجراه الصحافي السوري نبيل ملحم مع أوجلان، صدر في كتاب بعنوان «قائد وشعب: سبعة أيّام مع آبو (الاسم الحركي لأوجلان)»، توضّح تماماً موقف أوجلان الدوني والمسيء من كرد سورية، وكردستان سورية، والقضيّة الكرديّة في سورية في شكل عام، ومدى افتتانه بنظام الأسد الأب…الخ. حيث نفى أوجلان في ذلك الحوار «وجود كردستان في سورية»، ونفى «الوجود القومي لكُرد سورية». ذاكراً أن «غالبية الكرد السوريين عبارة عن مهاجرين، هربوا من ظلم الحكومات التركيّة وبطشها إلى سورية». وأن «الكردستاني»، يحاول «إعادتهم إلى موطنهم الأصلي. والحكومة السورية راضية عن ذلك». وذكر أوجلان حرفيّاً في الصفحتين (167-168) من كتاب «قائد وشعب… سبعة أيّام مع آبو»، رَدّاً على سؤال: «بالنسبة الى سورية، فإن غالبيّة الشعب الكردي في سورية، قد نزحت من كردستان الشماليّة (كردستان تركيا). البعض يروّج لمقولة كردستان سورية، إلاّ أننا لا نعتقد أن هنالك معضلة حقيقيّة في هذا الموضوع. إن هذا الطرح ليس موضوعيّاً، وهو ليس مفهوماً دقيقاً، التسمية الأصح هي أن نسمّيهم الأكراد السوريين. فهؤلاء فرّوا من ظلم واستبداد العثمانيين، والجمهوريات التركية، نتيجة مشاركتهم الانتفاضات التي اندلعت في كردستان. وبعد سحق الثورات فيها. فإذا نظرت إلى تاريخهم الممتدّ إلى 150 عاماً خلت، سترى أنهم انتفضوا ضد العثمانيين والجمهورية التركية، وأتوا إلى هذه الساحة بعد فشل انتفاضاتهم، وهنالك قسم منهم هرب نتيجة ظروفهم الاجتماعية ومسائل الثأر… لقد لجأ قسم منهم إلى المناطق الجبلية في عفرين والتي سمّيت بجبل الأكراد. لقد قمت ببعض الأبحاث واكتشفت بأن غالبيتهم يتحدرون من كردستان الشمالية، منهم من جاء منذ مئة عام، ومنهم من جاء منذ مئتي عام، والمهم أنهم أقليّة… لقد أتى الأرمن والشركس أيضاً، وحتى عرب اللاذقية أيضاً أتوا من انطاكيا، فجميع هؤلاء فروا من ظلم العثمانيين والكماليين (نسبة إلى كمال أتاتورك) الأتراك، هؤلاء جميعاً يعتبرون أقليّات ضمن سورية، ولا نستطيع القول إن تنظيمات هؤلاء (الأكراد) وحركاتهم السياسية تعمل للانفصال عن سورية او تقسيمها، على العكس من ذلك، لقد استقرّ هؤلاء في سورية، وبقاؤهم فيها له معانٍ كبيرة. ولا أريد التطرّق هنا لبعض الأحزاب والقوى الأخرى. أما بالنسبة الى الأكراد، فإنني استطيع التأكيد أنهم أتوا من شمال كردستان، وفي بداية مجيئي إلى ساحات الشرق الأوسط (سورية، لبنان) قلت يجب وقف الحملة باتجاه الجنوب، والتحضير لحملة الشمال».
يسأل ملحم: «ماذا تعني بحملة الجنوب؟»، يجيب أوجلان: «لقد قلت لتتوقف الهجرة نحو الجنوب، وتبدأ الهجرة نحو الشمال… لقد بدأنا بحملة ونضال شاق وطويل في هذا الاتجاه ووجهنا الأكراد السوريين إلى الجبال باتجاه الشمال من حيث أتوا، وأعتقد أن سورية راضية عن هذا، وإن الأكراد راضون أيضاً. ولكن، هنالك بعض أصحاب النظرات الضيقة في سورية يقولون ويروجون ويتساءلون: هل سيقوم الأكراد بتقسيم وطننا؟». فيرد عليه ملحم في الصفحتين (169) متسائلاً: «وقد يكون هؤلاء محقين في مخاوفهم؟ فمن يقرأ تاريخ المسألة الكردية وكيفيات استثمارها قد يخاف فعلاً؟». فيجيبه أوجلان محاولاً الطمأنة وتبديد المخاوف المشار إليها بالقول: «إن نظرة هؤلاء ليست علمية ولا دقيقة، فليس هنالك مجال لتأسيس دولة كردية في سورية، لا يمكن إقامة دولة في منطقة عفرين مثلاً، واذا قلت: سأبني دولة في عفرين، فهذه ليست دولة او إمارة، إنها عبارة عن منطقة ترتبط بها نواحٍ عدة لا أكثر، تتطلب إعطاء بعض الحقوق على مستوى البلديات، وهذا ما يحدث في سورية، وإعطاءهم بعض الحقوق الثقافية، وهذا أيضاً ينطبق على عين العرب والقامشلي، وهو إيجابي بالنسبة الى الطرفين، للدولة وللأكراد أيضاً، ولا يمكن اعتبار هذا تقسيماً لسورية، وفي الأساس، فإن مشكلات سورية ليست مع الأكراد وأنما هي مع الأتراك. إن مسألة انطاكيا هي مسألة سوريّة- تركيّة، ومسألة كيليكيا كذلك، إضافة الى عرب تركيا وكردستان وهو مشكلة سوريّة، فضلاً عن مسائل المياه والمسائل السياسيّة والاقتصاديّة العالقة، (…) وهنا اعتقد انه علينا التحلّي بالموضوعيّة، وإعطاء آراء سديدة في ما يخصّ المسألة الكرديّة، ووفق رأيي فإن كثيراً من جوانب المسألة الكرديّة ستحلّ من خلال سورية، فإذا قامت أية دولة كردية، فالفيديرالية الأكبر ستبنى قبل كل شيء في الجزء الأكبر من تركيا. بينما الفيديرالية في العراق ستكون أصغر. فإذا تأسست هذه الفيديرالية من خلال موقف صديق لسورية، فإن الاخطار المقبلة من تركيا باتجاه سورية ستتوقّف، لأن حجم الأخطار المقبلة من تركيا هي بالفعل أخطار تاريخية منذ عهد الرومان وحتى الآن. ولكن ما هي الأخطار الكردية؟».
وفي الصفحة (172) يصف أوجلان الكرد في سورية، والكرد عموماً بأنهم «الترس» الذي يحمي ويصون حامله ويسقط خصمه، ويودّ أوجلان لفت انتباه نظام الأسد الأب إلى ذلك قائلاً: «مَن وضع الأكراد في يديه تسبب دائماً في إسقاط سورية. منذ اربعمئة عام كان الأكراد في يد العثمانيين وتسببوا في سقوط سورية، واذا وقعوا الآن في يد تركيا، قد يتسببون ثانية في هذا، وهذه نقطة واضحة ولا تستدعي الإسهاب». من ثم يبدأ أوجلان بمدح نظام الأسد الأب وسياساته بالقول: «في هذه النقطة فإن السياسة الوطنية لسورية تفرض عليها سحب الترس من يد الأناضول، وتجريدها إياه. إذا لم تسحب هذا الترس من يدهم فلا يمكن ضمان الأمن الاستراتيجي لسورية. لذلك أقول إن هؤلاء الأكراد الذين قدموا إلى سورية يستطيعون لعب دور في هذا المجال، والسياسة الكردستانية لسورية أيضاً تستطيع أن تلعب دوراً كهذا. إن كان ذلك في العراق أو تركيا، فلا فرق. والأهم كردستان الكبرى، أي في تركيا، لأنها تشكّل تماماً شمال سورية، فالأكراد موزّعون ابتداء من جبال الجودي وحتى جبال أمانوس وصولاً إلى عرب انطاكيا، حيث لا وجود للأتراك في المنطقة التي توصل الأكراد بالعرب، باستثناء أقلية صغيرة جداً من التركمان. والتركمان ليسوا اتراكاً من الأناضول. لو نظرت إلى هذه اللوحة فيتعيّن عليك أن تخلق حركة كردية، إن لم تكن موجودة، هذا إذا أردت حماية سورية. هذا ليس رأيي الشخصي. هذه رؤية موضوعية والتاريخ يثبت ذلك جيداً. وأنا أيضاً قد أدركت ذلك من خلال فهمي معطيات الشرق الأوسط ونضالي فوق جغرافيته. قيادة الرئيس حافظ الأسد تتمتع بهذا المفهوم بالنسبة الى المسألة الكردية، وهو صاحب نظرة شمولية أكثر منا. نحن أيضاً وصلنا لهذه القناعة».
وفي الصفحة (173)، يستدرك ملحم متسائلاً: من المنظور السياسي المباشر، حزبكم يسبب إحراجات شديدة الوطأة على سورية… دائماً تربط خلافاتكم مع تركيا وصراعكم معها بسورية، ودمشق ليست في حاجة إلى المزيد من المشكلات مع تركيا؟
فيرد أوجلان: «عندما قالوا مؤخراً أن هناك تواجداً لـPKK في سورية، أخذ كلينتون (بيل كلينتون كان رئيس أميركا وقتذاك 1996) يتابع كل يوم هذا ويضغط على وزير الخارجية كريستوفر كلما زار دمشق يفتح موضوع الحزب معها، ويسألون عن علاقة الحزب مع سورية، أنهم لا يريدون توجيه الضربة لنا فقط، بل أنهم يعملون لتوجيه ضربة لمواقف واستراتيجيات الأسد».
يطرح ملحم تساؤلاً استنتاجيّاً، اعتراضيّاً في غاية الأهميّة بالقول: أنتم تربطون تطلعاتكم الاستراتيجية، وتنظرون إلى مستقبل الصراع في الشرق الأوسط اعتماداً على حقائق الموقف السوري المرتبط بقيادة الرئيس الأسد، ولكن ماذا لو تغيّرت الحقائق السوريّة؟! ها هو العالم يفور بالمؤامرات والمتغيّرات.
يجيب أوجلان: «عندها ستعود سورية إلى ما كانت عليه في السابق، إن قيادة الأسد تعني عظمة سورية، فالوطنية الكبيرة ظهرت في عهد الأسد، وسورية صمدت كثيراً، فإذا تبدّلت القيادة في سورية، فقد تنقسم سورية بقوّة… طائفيّاً وقوميّاً، ومن خلال الرأسمال والطبقات الكومبرادورية وحتى عشائريّاً، قد تنهض المشاعر العشائريّة. وهذا بمثابة انتهاء سورية. يمكن أن يأتي بعض الملوك او بعض الطبقات الكومبرادوريّة المرتبطة بالخارج (ص 173-174) كالسابق. أساساً عظمة الأسد (الأب) تكمن في مواجهة هذه الاحتمالات، ولا خيار آخر أمام سورية. أما إذا انهارت سورية، فهذا وضع آخر، وعندها لن استطيع أن اتكلّم كما أتكلّم الآن. ستكون أسئلة جديدة واحتمالات جديدة».
لكن ملحم يبقي قوس الاحتمالات مفتوحاً، حتى مع بقاء واستمرار حكم الأسد، ويطرح تساؤله في هذا السياق، (وتساؤله – فرضيته تحققت، بينما إجابة أوجلان، تأكّد بطلانها، بعد أن رضخ نظام الأسد الأب للضغوط التركيّة وطرد أوجلان، وتنازل لأنقرة عن لواء اسكندرون، عبر التوقيع على اتفاقية أضنة، التي تكللت بملاحقة أوجلان والقبض عليه واختطافه من نيروبي).
وبالعودة إلى تساؤل ملحم نجده يقول: لا ثوابت في السياسة. فما يبدو استراتيجيّاً قد يغدو تكتيكيّاً، الاتراك يمارسون ضغوطاً شديدة على سورية لمطاردتكم ومطاردة حزبكم، وقد تتغيّر الرؤية السوريّة إلى اتجاه آخر؟ يجيب أوجلان بثقة مطلقة: «إن مثل هذه الأمور لن تحدث قطعيّاً (لكنها حدثت: هـ.أ.). أن دور كردستان في الاستراتيجيّة السورية مهم، وقد أثبت نفسه الآن. وبالتحديد بعد ظهور PKK، وهنالك إثبات آخر: لماذا التوقّف على ما يسمّى بعلاقات PKK وسورية إلى هذا الحد من قبل الدوائر الإسرائيليّة والأميركيّة والتركيّة. لماذا تم هذا التوقّف في شرم الشيخ، على هذا الموضوع. لقد أراد الاتراك وضع أسفين بيننا وبين سورية. إن هؤلاء لا يريدون الخير لسورية. يحاولون وضعنا في حالة اشتباك مع سورية».
يقاطعه ملحم متسائلاً: «ولو حصل هذا الاشتباك. ما الذي سيتلوه بينكم وبين الاتراك؟! وماذا لو جاء أكراد سورية وطالبوا بدولة؟!».
يرد أوجلان «سيقولون: تعالوا إلينا في اليوم التالي، ويقولون: تعالوا وكونوا أكرادنا. (يكرر أوجلان كلامه السابق حول الأخطار الآتية من تركيا نحو سورية. وضرورة ان يدعم نظام الأسد الأكراد في تركيا. ولكن اللافت والجديد في الإجابة أنه يقول: «… أكراد سورية من الناحية البشرية يشكلون أقل من 5 في المئة من الاكراد في شكل عام. وقد جاؤوا من الشمال، كما ذكرنا (…) وإذا كانوا يريدون دولة لهم، فليتجهوا نحو الشمال،…» إلى آخر كلامه.
هذا الكتاب صدر للمرّة الأولى عام 1996 في دمشق، باسم دار نشر وهمية «أخيل» ومقرّها أثينا. لكن بعد البلبلة التي أحدثها بين القواعد الجماهيريّة الموالية لـ «الكردستاني»، والسخط والامتعاض الذي خلقته تصريحات أوجلان، قام الحزب بجمع الكتاب. وأصدر أوجلان تصريحاً مسجّلاً على شريط كاسيت، ينتقد فيه من انتقدوه، وبل يشتمهم ويصفهم بأنهم أصحاب عقول صغيرة وأصحاب عقول الفئران، ولا يدركون الفروق بين الاستراتيجيّة والتكتيك. خفف التسجيل الصوتي من حالة التذمّر التي كانت موجودة بين جماهير «الكردستاني» في سورية.
خلاصة القول: استخدم نظام الأسد الأب «الكردستاني» وزعيمه كمخلب قط او رأس حربة، ضدّ تركيا طيلة عقدين. وحين شعر بالخطر التركي الأكيد يتهدد نظامه، بخاصة أن حافظ الأسد كان مريضاً، ولم ينتهِ بعد من إعداد ابنه بشّار، بعد مقتل نجله الأكبر باسل، سارع حافظ الأسد إلى التضحية بأوجلان على مذبح العلاقة مع تركيا وردّ أخطار الحرب المحتملة على نظامه. ومع ذلك، بقي أوجلان وحزبه، يشيدان بمناقب وعبقرية الأسد الأب وأنه صديق الشعب الكردي. واعتقد لن يختلف الحال كثيراً مع نظام الأسد الابن الذي استخدم «الكردستاني» في تحييد كرد سورية عن الثورة، وفي تفتيت وتصفية الحراك الكردي المعارض. فما أن يشعر الأسد الابن أن وظيفة «الكردستاني» انتهت، واحترقت هذه الورقة، وبات يشكّل «الكردستاني» وبالاً على النظام، سيلقي الأسد الابن بهذه الورقة على بازار المصالح مع تركيا ودول أخرى. وفي كل الأحوال، كرد سورية هم حطب هذا الحب الذي يكنّه «الكردستاني» وزعيمه لنظام الأسد، من طرف واحد. ولن نجد أي انتقام لهذا الغرام، حتى بعد اكتشاف خيانة الأسد الابن لكل جهود «الكردستاني» طوال السنوات الأخيرة الرامية إلى حماية نظام الأسد، وترجيح كفّته على كفّة الثورة السوريّة.
الحياة

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى