الكورد في ظل بوتين
جان كورد
09. Oktober 2015
كان أمل السوريين عامة ومنهم الكورد السوريون، على أثر انطلاقة الثورة المجيدة في بلادهم، أن يتحرك العالم الحر الديموقراطي لنجدتهم فوراً، مثلما حدث في ليبيا، عندما هدد العقيد معمر القذافي بسحق الثورة قرية قرية وزنكه زنكه…
وأخيراً لبى “القيصر” الروسي نداء الواجب الأممي فأرسل طائراته الحديثة المحملة بشتى أنواع الصواريخ، بل أطلقها من بحر قزوين أيضاً، لا لتدك صروح وقصور الحاكم المستبد برقاب السوريين، بل لتقصف وتنسف معاقل الثائرين عليه ولتهدم ما تبقى من عمران وبناء في سوريا على رؤوس من تبقى من شعبها الذي التجأ نصفه أو أكثره إلى دول الجوار وإلى شتى أنحاء المعمورة. والذريعة الروسية هي “خطر الإرهاب الداعشي” الذي “قد يمتد إلى دول البلقان وإلى روسيا ذاتها…” إلا أن 90% من الصواريخ التي أطلقتها الطائرات والسفن الروسية حتى الآن قد سقطت على مقرات تابعة للجيش السوري الحر وليس على مقرات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حسبما قاله المراقبون العسكريون وقادة الثورة السورية والمعارضة في سوريا.
ومن قبل حلقت طائرات التحالف الدولي، ولكنها أيضاً لم توجه صواريخها صوب مصدر الطغيان في سوريا والمنتج الأول للإرهاب فيها، إذ أن مراجعة مسلسل التقتيل والتدمير في سوريا تثبت لنا بأن نظام الأسد هو الذي أطلق موجاتٍ من المعتقلين الإسلاميين من سجونه العديدة والرهيبة حال اندلاع الثورة المسلحة وأمدهم بالسلاح وغض الأنظار عن جرائمهم الوحشية، فلم يقصف مقراتهم، ولم يلاحقهم بشبيحته ودباباته وكلابه المرتزقة، وبذلك مهد الطريق لنشوء وانتعاش الحراك الإرهابي الذي تفاقم واجتذب الآلاف من الشباب المغرر بهم عقيدياً من شتى أنحاء العالم، ليتهم بذلك كل الحراك الوطني الديموقراطي السوري بالإرهاب، حتى يقول للعالم:” إما أنا أو الإرهاب!”
اليوم، بعد أن تحولت سوريا إلى مجزرةٍ كبرى، وقد تصبح بؤرة ساخنة لحربٍ شاملةٍ في المنطقة، يتساءل السياسيون الكورد عما يجب أن يفعلوه وما الموقف الأصح الذي عليهم اتخاذه، وكيف يجب أن يكون خطابهم الجديد في هذه المعمعة الخطيرة، حيث تتلاقى الخطوط الحمر للدول العظمى وللدول الإقليمية وتتشابك المصالح والاستراتيجيات التي كلها أكبر وأخطر وأهم مما يظن بعض الحزبيين الكورد.
وزيرا الدفاع الأمريكي والبريطاني يعتبران في مؤتمر صحافي مشترك مؤخراً أن ما تقوم به روسيا من دون تنسيقٍ جيد ومستمر مع بلديهما خطأ كبير، ويقول بعض الخبراء العسكريين الأمريكان بأن روسيا ستخسر خسائر فادحة بسبب تدخلها في سوريا من خارج إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، على الرغم من تأكيدات روسيا بأنها دخلت إلى سوريا بطائراتها وصواريخها لتحارب “الإرهابيين!” فقط. مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل من يقف في وجه النظام هو “إرهابي!” حسب التفسير البوتيني.
إسرائيل التي تم طمأنتها من قبل روسيا لاتزال في حالة تأهب ل”حماية مصالحها” التي “قد تتعرض للخطر” من جراء ما يجري على الساحة السورية بعد التدخل الروسي الجوي والبحري، ولربما البري قريباً.
المجموعة العربية العاملة على الإطاحة بنظام الأسد، وفي مقدمتها السعودية، تعلن أنها تمد وستمد الجيش السوري الحر والمنظمات الإسلامية “المعتدلة” (أي ما عدا داعش والنصرة) بشتى الصواريخ المضادة للدبابات… وتستغرب كيف تقصف روسيا مواقع الجيش السوري الحر الذي يحارب (داعش) مثلما يحارب النظام.
أما تركيا فإنها لاتزال تحلم بأن يسمح لها الأمريكان باحتلال شمال سوريا بذريعة “إقامة منطقة آمنة للسوريين”، على الرغم من أن شمال سوريا يكاد يخلو من السكان نتيجة الحرب الكارثية وقصف النظام للمدن والقرى بالبراميل المتفجرة. وهدف تركيا الأول والثاني والثالث هو ألا يكون للكورد موقع سياسي في شمال سوريا، ويتهمها الكورد بأنها دعمت (داعش) في عدوانه عليهم في كل معركة سابقة.
ومن البدهي أن تسعى روسيا لاكتساب أطراف معينة من المعارضة السورية ومن الكورد أيضاً لتحقيق هدفها الذي يتمثل في الإبقاء على رأس النظام في موضعه إلى أن تسيطر على الأوضاع تماماً وتحقق الانتقال السياسي الذي تريده هي، وفق مصالحها واستراتيجيتها في المنطقة، وليس ما يريده الشعب السوري والمعارضة الحقيقية لنظام الأسد، وبذلك تدخل في مساومة كبيرة مع الدول الغربية على حساب الدم السوري. فيتم فهم ذلك بشكلٍ خاطئ من بعض سياسيي الكورد، ويتم تفسيره على أنه محاولة لحل القضية الكوردية في سوريا من قبل الروس.
فما العمل؟ وجزء كبير من شباب شعبنا الكوردي قد اجتاز نهر الدانوب ومنهم من استقر مع عائلته وأقربائه في شمال نهر الراين بألمانيا، وفي كل يومٍ يزداد عدد اللاجئين الكورد في معظم دول غرب أوروبا؟
برأيي:
1- مهما كانت المصاعب والمتاعب، على ساسة الكورد السوريين ألا ينسوا أنهم رغم كل معاناتنا التاريخية على ايدي النظم العنصرية العربية التي استبدت بشعبنا في سوريا، هم جزء من الشعب السوري، ومأساتهم جزء من مأساته، وقضيتهم القومية -في هذه المرحلة التاريخية- لا تزال جزءاً من مجمل القضايا السورية، وموقعهم في خندق الثورة السورية المجيدة من أجل الحرية والكرامة في بلادهم، مهما صاروا بعيدين عن سوريا ومنفصلين عن الشؤون السورية اليومية، وأينما كانوا.
2- الحراك السياسي – الثقافي الكوردي في سوريا جزء لا يتجزأ من قوى المعارضة والثورة السورية، إذ لا يعقل أن نكون مع مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، ونساند في الوقت ذاته نظاماً سياسياً مستبداً كان قائماً على فكرة الحزب القائد والقائد الضرورة، وتم تطبيق سائر المشاريع العنصرية في ظله ضد شعبنا، وقمع الحريات السياسية وسعى إلى القضاء على المعارضة، وقابل التظاهرات السلمية بالحديد والنار، بالتعذيب والغازات السامة وبإلقاء البراميل المتفجرة على المدن، وشعاره الكبير هو : إما الأسد أو نحرق البلد. ثم نزعم أن هناك “خطاً ثالثاً” بين ثورة الشعب السوري والنظام الذي تسبب بقتل ما يزيد عن النصف مليون إنسان سوري ودمر معظم المدن والمصانع والمستشفيات والمخابز والطرقات. والزعم بأن الثورة السورية كلها “إرهاب في إرهاب، ليس فيها من يحارب من أجل حرية الشعب السوري”، ما هي إلا خدمة إعلامية رخيصة في مصلحة بقاء واستمرار النظام. وعلى هذا يجب تمتين الجسربين الحركة الوطنية الكوردية وقوى المعارضة السورية مهما كانت العقبات والعراقيل كثيرة ومهما تواجد بين المعارضين من عنصريين لا يقلون عن البعثيين حقداً على الشعب الكوردي، فإنهم زائلون كأنظمتهم الفاشلة والبائدة.
3- العالم الذي نعيش فيه منشطر إلى شطرين: عالم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وعالم القياصرة والمستبدين والدكتاتوريين الحمقى، الذين لا قيمة للإنسان وكرامته وحياته لديهم، والحرية السياسية شبه معدومة في نظمهم. ولابد للكورد المتطلعين أبداً للحرية والكرامة وحقوق الإنسان أن يختاروا العالم الذي يحمل أفكارهم ومبادئهم وليس عالم الذين يدوسون هذه المبادئ. فمتى كان قياصرة روسيا أصدقاءً وحلفاءً لشعبنا الكوردي؟ وهل نسينا خيانتهم لنا في مهاباد، ودعمهم الكبير لمجرم العراق صدام حسين في محاولته الطائشة لإبادة شعبنا في جنوب كوردستان؟ أم أن بوتين الذي دمر الشيشان وأذاق شعبها الهوان واغتصب جزيرة القرم وحاول اغتصاب أوكرانيا ووقف إلى جانب نظام الأسد رغم كل جرائمه التي يندى لها جبين البشرية ضد الشعب السوري الطامح للحرية هو الحليف المنشود لشعبنا الكوردي؟
قد يقول قائل بأن الأمر كله متعلق بإرهاب داعش والنصرة! فلماذا نكبر العدسة؟
فنجيب بأن الموضوع أكبر فعلاً من (داعش والنصرة). فهل صحيح أن حلف الناتو ومعه جيوش الروس والصين وكوريا الشمالية كلها عاجزة عن القضاء على هذين التنظيمين، أم أن المسألة أكبر بكثير مما يجري في سوريا والعراق، وأنها مسألة النفوذ والاستراتيجيات المتناقضة في المنطقة؟
إن على قيادات الحركة الكوردية إيجاد أرضية مشتركة وثابتة على أساس هذه القناعات لتتمكن بذلك من وضع استراتيجية صحيحة لها في خضم الصراع العالمي هذا بين أطراف النزاع الدولي على الشرق الأوسط، ومن دون استراتيجية صحيحة لا يمكن انتاج خطاب سياسي مشترك وبناء كيان سياسي كما نعلم. وعلى هذه القيادات ألا تنخدع بابتسامات آنية يطلقها البوتينيون وعملاؤهم في المنطقة، فالمؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين، ويجب ألا ننسى درس (مهاباد) الأليم، فنرتمي في أحضان الروس الذين سيبيعوننا في نهاية يوم البازار.
قد يظن أحدنا بأن هذه دعوة صريحة للارتماء في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية، فأقول: “هنا أيضاً يجب ألا ننسى درس ثورة أيلول المجيدة التي انتهت بسبب خيانة هنري كيسنجر لقائدنا الخالد مصطفى البارزاني الذي قال بعد انهيار الثورة بأن خطأه الكبير كان في وضع ثقته في دولةٍ عظمى.”
إن مصير شعبنا الآن كمصير جماعةٍ من المسافرين اليتامى والفقراء عبر غابة كثيفة ومليئة بالوحوش الضارية ليلاً، لا سند لهم سوى اتحادهم وتناصحهم وتقوية أنفسهم ببعضهم بعضاً. فلنكن حذرين قبل أن نخطو أي خطوة وألا نتفرق أكثر مما نحن عليه الآن، في هذا الليل الداكن، فأي مغامرةٍ فردية أو حزبية قد تؤدي بنا جميعاً إلى الهلاك.