آراء

الكُرد اتّهام بعطب في الذات الوطنية

 محمد علي ابراهيم باشا
أنهيت منذ أيامٍ قراءة كتاب “عطب الذات” للدكتور برهان غليون، والذي حاول فيه جاهداً سرد وقائع الحراك الثوري السوري منذ لحظاته الأولى، وحتى تاريخ نشره للكتاب، واضعاً يده على الجراح، كاشفاً لمحطّات النجاح والفشل، معرّياً للأدوات التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر، في انحراف ذلك الحراك السياسي السلمي عن سكّته المباشرة، والوصول إلى طرق أخرى وعرة ملبّّدة بغيوم الطائفية والصراعات الأهلية والدينية والأيديولوجية والأجندات الإقليمية والدولية، وقد كان، من وجهة نظري الشخصيّة، موفّقاً وصادقاً وشفافاً، في الإشارة إلى أغلب تلك الوقائع والأحداث، التي عاصرها كرئيسٍ للمجلس الوطني السوري، وإلى السلبيات التي رافقت عمل كافة الفعاليات والمؤسسات السياسية السورية المعارضة، مشيراً بواقعيةٍ وصدق إلى مكامن الخلل التي أفشلت ذلك الحراك السياسي، الذي علّق عليه الكثير من السوريين كثيراً من الأمل. استطاع الدكتور غليون في عطب الذات أن يكشف لنا الكثير من الأسرار التي كنا نجهلها، ويوضّح لنا بمنطقيّةٍ ، سلسة الأخطاء المقترفة طيلة تلك السنين، ويعرّي بشجاعة الجهات التي تطفّلت على الحراك السياسي الثوري، فيما بعد، والطعنات التي غرستها في جسمه.
رغم صحة أغلب المعلومات التي تضمّنها عطب الذات، إلّا أنّه تضمّن كذلك بعض الأخطاء والمعلومات المجانبة للحقيقة والواقع، والتي سأكتفي بذكر المتعلّق منها بموقف أبناء جلدتي، الكُرد، بالحراك السياسي الثوري السوري، تاركاً البقية لمقالاتٍ أخرى سأعمل عليها تباعاً، فقراءة ونقد عطب الذات تحتاج الى أكثر من دراسةٍ أو بحث أو مقال.
بحث الدكتور غليون، في الفصل الثالث، من عطب الذات المعنون “من الانقسام إلى الفوضى”، دور الكُرد في الثورة السورية ضمن فقرة الانشقاق الكُردي، بالصفحة (168)، موجزاً دورهم الثوري ببعض الجمل والعبارات القليلة التي أشارت إلى فعاليات خجولة وقليلة لا تتجاوز الخروج ببعض التظاهرات في بعض المدن ذات الغالبية الكُردية، ودور تيار المستقبل الكُردي، وزعيمه مشعل التمو، موجّهاً لهم مجموعة من الاتّهامات المبطّنة، منها على سبيل المثال: جزمه بأنّ انقسام القوى الرئيسة في المعارضة، وعجزها عن العمل على أجندة واحدة قد شجّع بعض الأحزاب والقوى السياسية الكُردية على الاستثمار في الأزمة التي فجّرتها الانتفاضة من أجل تطبيق أجندتها الخاصة… إلخ، دون ذكره المعطيات والقرائن التي تجيز وتبرّر ذلك اليقين، ونفي صفة الوطنية والثورية عن بعض الأحزاب الكُردية، واتّهامها بالانتهازية، والاتجار بالثورة السورية لصالح أجندات انفصالية، بكلامٍ مرسل غير مؤيّد بأدلة ووقائع، من شأنها أن تؤكّّد صحة ما انتهى إليه يقينه، رغم مشاركة الحركة الكُردية بكافة ألوانها وتياراتها بالحراك الثوري، منذ اللحظة الأولى، ورغم تمسّكها المطلق بثوابت، أصرّت أنّها لن تحيد عنها تحت أيّ ذرائع، ومنها على سبيل المثال، المحافظة على وحدة الأراضي السورية. اتّهامه الأحزاب الكُردية بالتزمّت، منذ بدء المحادثات، واتّخاذها لمواقف جامدة لا تقبل النقاش، وبأقصى مطالب ممكنة، كما لو أنّها أرادت أن تحلّ القضية برمتها بخطوة واحدة، أو أنّ حاجة المجلس الوطني إلى مشاركتها ستفرض عليه القبول بكل ماتريده، وهذا اتّهام مبطن، غير مبرّر، لها بالانتهازية السياسية، وما مشاركتها لاحقاً في الائتلاف السوري لقوى المعارضة، ودعمه له ورفضها الانسحاب منه، رغم كل الضغوط التي تعرّضت لها من الشارع الكُردي، نتيجة للأجندات التي فُرضت عليه من بعض القوى الإقليمية والدولية، إلا تأكيداً على بطلان ذلك الاتهام ومجانبته للحقيقة والواقع، فإصرارها المحافظة على حقوقٍ تراها أساسية، ولايمكن الانتقاص منها، ضمن إطار الحلّ السوري العام شيء، وابتزاز شركائهم لفرض أجندات خاصة تضرّ بالصالح السوري العام أو بمسار الثورة شيء آخر تماماً. نفيه تطرّق المناقشات مع المجلس الوطني الكُردي الذي ضمّ الأحزاب المؤيدة للثورة، بعكس الاتّحاد الديمقراطي ، إلى أيّ موضوع يتعلّق بالثورة وخطّتها ومصيرها ودور الكُرد فيها، ولا إثارة أيّ مسألة لها علاقة بالقضية العامة السورية، وكان النقاش يدور بأكمله حول مطالب كُردية… إلخ، بالقدر الذي أصابنا بالذهول وخيبة الأمل من هذا الاتهام بالسطحية والأنانية وانتفاء الحسّ الوطني الذي ترفضه الحركة الكُردية، بشكلٍ خاص، والشارع الكُردي، بشكلٍ عام، لمجانبته حقيقة تمسّك المجلس الوطني الكُردي بأهداف الثورة السورية، والنضال من أجل تحقيقها منذ اللحظات الأولى وإصراره على توازيها مع الأهداف الخاصة التي سعى إليها، باعتباره ممثلاً لشريحة واسعة من الكُرد، وهو ما أكّد عليه في كلّ المؤتمرات والاجتماعات السياسية الدولية، التي رافقت العملية السياسية، وكان من الأجدر على الدكتور غليون، إبراز محاضر جلسات الاجتماعات التي تؤيد اتهاماته، على أقلّ تقدير، كي يقنع القارئ بها. شكك في أن يكون رئيس إقليم كُردستان بعيداً عن الاستراتيجية الكُردية القومية التي تحدّثنا عنها في الفقرات السابقة، كونه من تولّى بعد أقل من شهر من تشكيل المجلس الوطني السوري مهمة توحيد الاحزاب الكُردية القريبة منه، وانبثق عنه ائتلاف كُردي باسم المجلس الوطني الكُردي، ندّاً للمجلس الوطني السوري، وكان برزاني، من دون شك، المهندس الرئيسي لسياسة هذا الائتلاف الكُردي، واتّهمه بتشجيعها المبالغة في مطالبها، والاقتداء بالنموذج العراقي، على أمل أن يحوز الكُرد السوريون المرتبطون به على إقليم مستقلّ، أو شبه مستقل، في شمال سورية، ربما يسمح بالمستقبل في الحصول على منفذ على البحر المتوسط، يمكّن الإقليم الكُردستاني من الاستقلال الكامل عن العراق، وفي إطار هذا المشروع عمل على تدريب قوة بيشمركة من الضباط والمتطوعين الكُرد السوريين لاستخدامهم في القتال، قبل أن يقطع عليه حزب الاتحاد الديمقراطي، بمساعدة النظام السوري، ثم الأمريكيين، الطريق، وهي اتهامات متعدّدة وخطيرة وتفتقر للسند القانوني أو الدليل المنطقي، كونها تفيد ضمناً بتآمر السيد مسعود البرازني على وحدة سورية والعراق، بالاتّفاق مع الحركة السياسية الكُردية من جهة، وتحمل تناقضاً كبيراً من خلال اعتبار غير مباشر لحزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري بمقاومة هذه النزعة الانفصالية، والحفاظ على وحدة سوريا، من جهة أخرى، وهذا ما لا يقبله منطق أو يستسيغه عقل.
يعود الدكتور غليون ليؤكّد أنّ المشكلة لم تكن في وجود الأجندة القومية الكُردية، بشكل متميّز ومستقلّ عن الأجندة الديمقراطية السورية التي كانت تشغل الانتفاضة الشعبية، فقد كان أمراً واقعاً ومعروفاً من قبل المعارضة، وهذا ما كنّا نردّده دائماً لمحاورينا، بل جاءت المشكلة من اختراق الحركة الكُردية من قبل قوى خارجية وسعيها إلى استخدامها، لتحقيق أجندة خاصة بها لا علاقة لها بسوريا، ومشكلتها وثورتها ومصيرها، هي أجندة حزب العمال الكُردستاني، أي أنّه يصرّّ على عدم وطنية الأجندة الكُردية، وابتعادها عن الأجندة الوطنية الخاصة بالمعارضة السياسية الأخرى لغايات في نفس يعقوب، وارتهانها لأجندات أخرى تضمر الشر للسوريين وللكيان السوري، على نحو أشعرنا بخيبة أمل كبيرة، فواقع حال العلاقة بين المجلس الوطني الكُردي وحزب الاتحاد الديمقراطي طيلة السنين الماضية، ونضال المجلس ضمن مؤسسة الائتلاف، مع بقية الأحزاب الأخرى، يشيان بمجانبة وجهة نظره للحقيقة، واسترسالها في اتهامات لا تمتّ للواقع بصلة.
ختاماً، نودّ أن نؤكّد أنّ غايتنا من هذا النقد الذي نستوسم فيه الإيجابيّة، هو الإضاءة على بعض الأمور التي قد تكون مغيبة عن فكر الدكتور غليون، الذي نجلّه ونحترمه و نثق بنواياه، والتأكيد على ثورية وإخلاص السوريين الكُرد، الذين فرض عليهم القدر ومكان تواجدهم الجغرافي، ضرورة الإثبات المتكرّر لوطنيتهم وإخلاصهم واحترامهم للجغرافية السورية لكلّ شركائهم في الوطن، وأنّ ذاتهم الوطنية لا عطب فيها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى