
الكُرد.. شراكة وطنيّة من أجل الاستقرار
المحامي أكرم شمو
في ظلّ التحولات السياسية الكبرى التي تشهدها المنطقة، وتحديداً في سوريا، تثار تساؤلات حول المسار المستقبلي للتواجد العسكري الأجنبي في البلاد.
على وجه الخصوص، كان الحديث مؤخراً عن محادثات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري أحمد الشرع حول إقامة قواعد تركية في البادية السورية، والتي قد تتيح لتحلّ محلّ الوجود الأمريكي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
هذا التوجه قد يعكس رغبة في إعادة صياغة التوازنات العسكرية في المنطقة، لاسيما في إطار مكافحة الإرهاب وقطع خطوط التواصل الإيرانية.
في المقابل، تزداد التكهنات حول انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وهو موضوع أصبح يشغل الساحة السياسية في الآونة الأخيرة.
البعض يرى في هذا الانسحاب خطوة ضرورية من أجل تعزيز السيادة الوطنية السورية، بينما يعتبرها آخرون خطوة قد تفتح المجال لمزيدٍ من الانفلات الأمني، وتترك فراغاً قد تستغلّه أطراف أخرى.
هذا الجدل المستمر يعكس التحديات التي تواجهها سوريا في ظل الوضع الراهن، حيث تتشابك المصالح الدولية والإقليمية مع الحاجة إلى استقرار داخلي بعيداً عن التدخلات الأجنبية.
لكن في سياق هذه التحولات السياسية، تبقى حقيقة أنّ سوريا، وبسبب الحرب الداخلية الطويلة والمنهكة، قد تكون بحاجةٍ. في المرحلة الأولى، إلى دعمٍ خارجي لضبط الأمن، والمساعدة في إعادة بناء مؤسسات الدولة.
قد يشمل ذلك وجود قوات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة أو تنسيق مع القوى الدولية المعنية، وذلك لضمان استقرار البلاد وتوفير بيئة آمنة تساعد في النهوض بالبنية التحتية.
هذه القوات يمكن أن تلعب دوراً مؤقتاً في تسهيل استقرار الأوضاع وتهيئة الظروف المناسبة لبناء الدولة السورية بعيداً عن التوترات العسكرية والسياسية.
إلا أنّ هذا التصور يبقى غير كافٍ لفهم حقيقة المشهد السوري، الذي لا يمكن اختزاله ببساطة في خيارات عسكرية قصيرة المدى . فعلى الرغم من أنّ التحديات العسكرية واضحة، فإنّ الحلول السياسية الشاملة تبقى أكثر ضرورة لتحقيق الاستقرار.
إنّ الجهود لتحقيق هذا الاستقرار يجب أن تشمل كافة مكونات المجتمع السوري من عرب وكُرد وتركمان وسريان آشوريين من جميع الطوائف، من دروز وعلويين، وغيرها من المكونات التي شكّلت التاريخ الطويل والمعقد لهذا البلد.
هذه المكونات لا تشكّل مجرد مجموعات متفرّقة، بل هي جزء لا يتجزّأ من النسيج السوري المتنوع.
لكن ما يعكّر صفو هذا التعايش هو وجود بعض الأصوات العنصرية والشوفينية التي تسعى إلى إقصاء الكُرد والنيل من حقوقهم.
هذه الأصوات لا تمثّل القوى الرئيسية في المجتمع السوري، لكنها للأسف تجد دعماً من بعض بقايا النظام البعثي الشوفيني الذي حاول على مدى عقود إلغاء هوية الكُرد الثقافية والاجتماعية، مما عزّز الهويات الفرعية بدلاً من الهوية الوطنية المشتركة. لكن في المقابل، نرى أنّ هذه الأصوات، على الرغم من محاولاتها المستمرة، تمثّل أقلية محدودة في المجتمع السوري.
والواقع يشير إلى أنّ الغالبية العظمى من السوريين يدركون تماماً أنّ بناء المستقبل يتطلّب تعزيز الوحدة الوطنية، بدلاً من الانقسام أو التشظي.
ومن الجدير بالذكر أنّ الشعب الكُردي في سوريا هو جزء أصيل من هذه الأرض، حيث يقيم الكُرد في هذه المنطقة قبل تأسيس الدولة السورية الحديثة بقرون ، وتعايش مع بقية المكونات السورية ، وله تاريخ طويل من الاندماج الاجتماعي والثقافي الذي يُحترم من قبل كل المكونات.
المشكلة الكبرى هي أنّ هذه الحقائق التاريخية والإنسانية غالباً ما يتمّ تجاهلها في بعض الخطابات السياسية التي تروّج للعنصرية والشوفينية. تتبنّى هذه الخطابات أفكاراً تدعو إلى إقصاء الكُرد من معادلة التعايش السوري، وتستند إلى مفاهيم أيديولوجية قديمة تعود إلى فترة النظام البعثي.
هذا الواقع يستدعي منا أن نكون أكثر يقظةً في مواجهة هذا الفكر الضار، والعمل معاً من أجل تعزيز ثقافة التعايش والتفاهم.
مع ذلك، وفي ظلّ كلّ التحديات، فإنّ الجواب الحقيقي يكمن في تعزيز التحالفات الداخلية بين جميع المكونات السورية.
هذا المسار يتطلّب التوصل إلى عقدٍ اجتماعي جديد أو دستورٍ توافقي يعكس التنوع الوطني، ويضمن حقوق جميع المكونات بشكلٍ عادل، ويحفظ كراماتهم ويعزّز وحدتهم الوطنية.
إنّ وجود دستورٍ يعكس التنوع الاجتماعي والثقافي السوري ويؤسّس لدولة حديثة قائمة على المواطنة والمساواة بين جميع السوريين هو أساس استقرار البلاد.
من خلال هذا العقد الاجتماعي، يمكن للسوريين أن يتجاوزوا سنواتٍ من الانقسامات والصراعات، وأن يعملوا معاً لبناء دولةٍ تحفظ حقوق الجميع، وتضمن مشاركةً عادلة في صنع القرار الوطني.
إنّ الحلول التي يمكن أن توفّر استقراراً دائماً لسوريا يجب أن تكون محلية بالكامل.
يجب أن نبحث عن استراتيجيات لا تعتمد على القوى الأجنبية التي قد تحمل مصالح متناقضة مع مصالح الشعب السوري.
فالتوجه نحو بناء تحالفات وطنية بين الكٌرد والعرب وبقية المكونات هو الطريق الأجدر لتحقيق سوريا مستقلة وموحدة.
التحالفات التي يمكن أن تتجاوز الخلافات التاريخية وتسهم في إيجاد حلول مستدامة لصالح الجميع.
في هذا السياق، لا بدّ من التنويه إلى أنّ الحلول الخارجية ليست الخيار الوحيد. والتوجه يبقى غير قابل للاستدامة على المدى البعيد.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “329”