آراء

الكُرد في ظلّ حكم البعث وآل الأسد

محمد زكي أوسي

تشكّل القضية الكُردية في سوريا واحدة من أبرز القضايا والملفات المزمنة الساخنة كما هي الحالة في الدول الغاصبة الأخرى, فهذه القضية تواجه البلاد منذ ظهور سوريا الحديثة في أعقاب الفترة بين الحربين العالميتين وخروج الفرنسيين, فجميع الأنظمة المتعاقبة توارثت هذا الملف, بدلاً من أن تلجأ إلى حلّ المسألة القومية الكُردية تعزيزاً للوحدة الوطنية وسدّ الأبواب أمام التدخلات, شهد الملف تعقيداً على يد الطغم الشوفينية العربية من العسكرتارية إلى القطاعات الأخرى التي جعلت العروبة قميص عثمان حفاظاً على كراسي السلطة التي بلغتها عن طريق الانقلابات العسكرية, وتجلّى ذلك بوضوحٍ بعد تغيير اسم البلاد من الجمهورية السورية إلى الجمهورية العربية السورية في الدستور المؤقت الذي صيغ عام 1961م. إثر انهيار الوحدة السورية المصرية.

ولن نبالغ إذا قلنا إنّ أكثر مَن حمل راية الشوفينية هذه هو حزب البعث الذي تأسّس في عام 1943م. باسم حركة البعث العربي, وفي مؤتمره التأسيسي الأول نيسان 1947م. حدّد اتجاه الحزب على أنه حزب عربي قومي وفي عام 1953م. توحّد البعث مع الحزب الاشتراكي العربي (أكرم الحوراني) ليحمل اسم حزب البعث العربي الاشتراكي وفي الفقرة الثالثة من برنامج الحزب جاء: (الوطن العربي للعرب وحدهم, ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته) وفي المادة (15) من المنهاج جاء: (الرابطة القومية هي الوحيدة القائمة التي تكفل الانسجام بين المواطنين وأنصارهم في بوتقةٍ واحدة, وتكافح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية). وهكذا تتمحور سياسة البعث في صهر جميع الأثنيات القومية في العالم العربي ضمن القومية العربية, ولتحقيق هذا الهدف جاءت المخططات الشوفينية لحزب البعث ضدّ الشعب الكُردي منذ توليه السلطة (8/3/1963م.)

ويُعدُّ مشروع الملازم أول محمد طلب هلال رئيس شعبة الأمن السياسي في الحسكة المعنون (دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي السياسة – الاجتماعية – القومية) من أخطر المشاريع العنصرية التي لا نظير لها في العالم كله, واعتُمِد من قِبل سلطة البعث وثيقة رسمية منذ تقديمه إلى الجهات الرسمية العليا في دمشق بتاريخ (12/11/1963م.) ويُطبّق خطوةً خطوة عملياً ليومنا هذا كشكلٍ من أشكال التطهير العرقي (الجينوسايد) ضدّ الشعب الكُردي الأصيل وفقاً لسياسة الموت البطيء.

لم يشهد التاريخ الكُردي في كُردستان سوريا منذ إلحاقها بالدولة السورية الحديثة, أسوأ من عهد البعث وخصوصاً ما بعد عام 1970م, ففي هذا العهد تعرّضت الحركة السياسية الكُردية إلى التفتيت والانحراف والميوعة السياسية المنظّمة على أيدي ضبّاط أمن مختصّين بالملفّ الكُردي, ففي هذا العهد فقدت أكثرية الأحزاب الكُردية مصداقيتها لدى الجماهير الكُردية, وتحوّلت إلى مجموعات مخترَقة وهزيلة فاقدة الذاتية, وأكثر ما تميّز به هذا العهد, إفراغ الحركة السياسية الكُردية من محتواها, ففيه بلغت وتائد الاضطهاد القومي ذروتها, إلى جانب قمع الحركة السياسية الوطنية السورية عموماً وتفتيتها لدرجة أنها بدت وكأنها بلغت منطقة انعدام الجاذبية, فالعهد المقصود جاء أساساً عبر انقلابٍ عسكري، وأذاق الجميع مُرَّ العذاب, ففي دراسةٍ احصائية أواخر عهد الأسد الأب تبيّن أنّ عدد المعتقَلين الكُرد بلغ (17000) وعدد المستجوَبين (21000) والمجرّدين من الحقوق المدنية (51000) والأجانب والمكتومين مئات الآلاف, وهجرت آلاف العوائل الكُردية إلى المحافظات الأخرى نتيجةً للحرب الاقتصادية المعلَنة على الكُرد, وفي هذا العهد أُنشِِأَ مكتب أمني خاص بالشؤون الكُردية تحت إشراف القصر الجمهوري ويديره ضبّاط أمنٍ مختصّون لتنظيم سُبُل الاضطهاد والتهجير والإرهاب, والأخطر من كلّ ذلك تخصيص ميزانية وتفريغ خبراء لتفتيت الحركة الكُردية وتقطيع أوصالها بالقوة الناعمة دون أن يشعر بها أحد إلا ذوو البصيرة النافذة, ونظراً لمنح صلاحياتٍ إدارية ومالية واسعة جداً لمثل هؤلاء الضبّاط فقد تمكّنوا في فترةٍ وجيزة من جمع وتوثيق أرشيف القضية الكُردية, وكذلك ترويض وتدجين ضِعاف النفوس ظناً منهم أنّ كلّ شيءٍٍ يُحلُّ أمنياً متناسين طبيعة العلاقة بين الاستبداد وأدواته ،وأنّ القضية الكُردية ليست قضيةً أمنية ولا جنائية؛ إنما هي قضية أرضٍ وشعبٍ ،كلّ هذا مكّن هؤلاء الضبّاط من النجاح في بناء علاقاتٍ وتكوين صداقاتٍ حميمة على طريقة أتاتورك, تخطَّت الحدود المعقولة, فكثر الأعوان والمخبرون ومصادر المعلومات والمفاتيح الاجتماعية والعشائرية والدينية, هذا إلى جانب تنشيط حركة التعريب والاستيطان في المناطق الكُردية تنفيذاً لمشوع الحزام العربي الذي وضع أسسه محمد كٌرد علي، وتبنّاه وشدّّد على تطبيقه ضابط الأمن محمد طلب هلال, وخرج من الإطار النظري إلى حيّز التطبيق العملي أواسط السبعينات, حيث أقدمت سلطة البعث على مصادرة (1,374000) هكتاراً من الأراضي الزراعية في سوريا وكان لمحافظة الحسكة نصيب الأسد, حيث بلغت مساحة ما صودر من خيرة أراضيها الزراعية (462,200) هكتاراً، وهي أرض الكُرد أباً عن جدٍّ بينما في:

1- محافظة حلب (289,900) هكتاراً

2- محافظة الرقة (164000) هكتاراً

3- محافظة حمص (147,700) هكتاراً

4- محافظة حماه ( 110,000) هكتاراً

5- محافظة ادلب

(83000) هكتاراً

6- محافظة دمشق (62000) هكتاراً

7- محافظة دير الزور (7500) هكتاراً

وأقل من (10,500) هكتاراً في المحافظات الأخرى.

هذا إلى جانب الإجراءات التعسّفية والعنصرية الأخرى بحقّ الكُرد مثل: منع العمل والتوظيف وخاصةً الأجانب والمكتومين. وطرد كثير من العاملين لدى الدولة فقط لأنهم كُرد, والنقل التعسّفي لآخرين إما بين المدن والمحافظات أو مواقع العمل, هذا ناهيك عن المنع المطلق لتطويع الكُرد في سلك الجيش والشرطة وتجريدهم من الجنسية السورية ومنعهم حتى من استلام إدارة أصغر مدرسة مالم يكونوا مخبرين ودواسيس وغير ذلك كثيرٌ، ممّا أوصلنا نحن الكُرد وبلدنا سوريا عامةً إلى ما نحن فيه من الدرك الأسفل.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 286

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى