آراء

– المرأة والحِرف من جديد –

ليلى قمر

في عدة مقالات سابقة وفي هذه الزاوية ، تطرّقت إلى جوانب رأيت فيها ركائز هامة كان للمرأة دور أساسي ، ووفق ضرورات الحاجة العملية لطبيعة الحياة والمعيشة ، وكشكلٍ من أشكال الصراع خاصةً في بيئة كتلك البيئة كان مهماً جداً العمل في البقاء على الحياة والإستمرار في الوجود ، وقد كان لها دورها المحوري – المرأة – في ابتكار وإنتاج أدوات ، أصبحت كوسائل ساهمت وعدّت مقدمات مهمة في تطور أشكال الحياة البشرية وتحسين ظروف المعيشة.

وبحسب الغالبية العظمى من المؤرخين والمختصين، وفي غالبية الدراسات التي تابعت نماذج وخصوصيات تطور المجتمعات البشرية ، وسبل التحولات الكبرى التي تراكمت منذ بدايات التاريخ، فقد توافقت كلّ النظريات على مركزية دور المرأة في غالبية الإنجازات والمبتكرات العظيمة ، وكما المشيمة كانت مركز الاستقطاب بين أفراد الأسرة ومن ثم المجموعات المتنامية ، وذلك منذ عصر المشاع مروراً إلى مرحلة أو عصر الأمومة وتطور البنى المجتمعية بالترافق مع متغيرات ومكتشفات حياتية جديدة ، وهنا وفي تبسيطٍ مكثف : سنلحظ من خلال بعض من القيم والأعمال المتوارثة، وحتى في نماذج من الطقوس والنقوش – نقش وتنتنا – ومروراً إلى أهازيج ورقصات وأغاني ملحمية وتراتيل الفرح والحزن، إضافةً إلى مهن ولوحات مفعمة وغنية بمضامينها خزنتها ذاكرتنا الشعبية على شكل مونولوجات ولوحات تعبيرية، والتي تظهِر بجلاءٍ مدى أهمية دور المرأة في تطور التاريخ البشري.

هذه الأمور وخاصةً في بيئتنا الكُردية وتراثنا المتناقل ، ظلّت كالينابيع تتدفّق بمكنوناتها التي لم تستطع كلّ تحولات الوعي الكبرى من أديان ومعتقدات والصراع بين الرجل والمرأة حول التسيّد ، خاصةً بعد بروز دور القوة العضلية، والصراع بين الوعيين وتداخل كما وتنوّع أشكال الصراع ، وامتزج هنا عصارة الفكر البشري وتشابكت خطوطها الرئيسية في المواقف ، لابل طرق وآليات الصراع الوجودي بين النمطين وإن غاب عنها فكرة إنهاء أي منهما للآخر ، وأمر طبيعي هنا أنني أقصد مراحل زمنية سحيقة جداً في التاريخ ، وقد مرّت مرحلة التحول بخطوات حبو بدئية أشبه بالتراشق والتداخل وكصراع باطني – داخلي مهّدت وبحكم القوة في المدينة إلى إزاحة المرأة من واجهة الإنتاج تطبيقاً لارتقاء تصوراتها وتحولاتها التي هي أوجدتها مثل التدجين والبدء بزراعات أولية والتحول إلى الاستقرار الموسمي مثلاً.

وباختصار هنا فإنّ المرأة هي مَن ابتكرت وطوّرت أشكال السكن والبناء وتعزيز أو تحسين الكهوف وكذلك ابتكرت بحكم الحاجة الإضافات اللازمة من أبواب ومنافذ تهوية , ونظراً لمتغيرات الحياة ووفرة المواد كما وضرورات الخزن ، كان لابدّ من تحسين القديم وتوسعته بإضافة الملحقات ، تلك التجمعات التي بنتها المرأة في البداية بصف الحجارة ومن ثم تشذيبها ، وإن كانت قد استخدمت سعف الأشجار وأغصانها في البداية وعملت منها كمظلات أو واقيات من الأمطار ومن ثم تطوّرت إلى ما يشبه الموانع، توضع على أبواب الكهوف والمغارات حمايةً من الوحوش ، ولتتطور إلى ما يشبه الأبواب والشبابيك ومنها اكتشفت الفخاخ لصيد الحيوانات ، ومع تطور الحياة والتوسع في الأرزاق كان لابدّ من توفير وسائل تجمع فيها الملتقط أو المنتج ، فبرزت صناعة السلال كأول حرفة بشرية ، هذه الحرفة التي خلّدها التراث والوعي الميثولوجي الكُردي برائعتها المغناة ملحمياً وبثنائية بمدلولها كصراع تناحري – زمبيل فروش – ورغم قدمها إلا أنها لاتزال تحمل بين جنباتها ذلك الشكل من الصراع الوجودي والذي تحوّل – ربما – منذ قرون طويلة إلى تناحر ، وتنوع مغازيها وكذلك المواقف المتداخلة التي توضّح مدى لابل واختلاف مضامينها وأشكال التعاطف وكلها ترتكز في المحصلة على ذات الصراع ولكن بأسلوب آخر وجديد ، وكسلاح رهبة أسّست لشكلٍ بدئي من تطويع المرأة في الوعي والواقع المعيشي أيضاً ، وهنا لاحظ المهتمّون بهذه الجوانب نواة قوننة أشكال ذلك التطويع ، من خلال توجه الأسرة الى الخصوصية ، وبالتالي حتى في العلاقات الزوجية وتحصينها.

وبدء ظهور وتنامي مفهوم الشرف وحصره بالمرأة ومن خلالها بالضبط ظهرت أشكال وعي ميثولوجي جديد تكاد أن تكون شبه جمعية في ثقافات الغالبية العظمى للبشرية ، هذا التشارك الذي بُني على قوننة وضبط العلاقات الزوجية من جهة ، وإضفاء الشرعية المجتمعية عليها ولتتحول لاحقاً إلى ركيزة تطويعية من جهة ، وأساس لقوة عضلية استندت عليها آليات الصراع بين الجنسين وكتراشق اولي نلحظها منذ بدايات سيرة اينانا ودوموزي بشخصيتيهما الفلاح – الراعي، وكيف أنها – اينانا – اختارت في كلّ بيئة ما يلائمها ، وهنا ، وفي ميراثنا الكَردي حالات كثيرة مشابهة لقصص وملامح ، وكما أسلفت فإنّ ملحمة زمبيل فروش تعدّ نموذجاً مميزاً عليها ، وكذلك أغنية سينم وما مرّت بها من ظواهر ملحمية وكنوعٍ من الصراع الوجودي ، هذه الملحمة بذاتها ومن خلال قتل حرّاسها لولديها واستماتتها في الدفاع عن ذاتها وكرامتها ومن ثم تنكّرها على شكل – كجل – ولكن ومن جديد إعادتها إلى البيت لتنظيم أمورها الحياتية . إنّ التطرق إلى ما أضافته المرأة الكُردية إلى مخزونها من تراكم المكتشفات هي وسائل وأدوات كثيرة طوّعت بها البيئة وسخرتها بالتدريج ، وعلينا أن لا ننسى ما كان لاكتشاف النار واستخدامه من دورٍ حيوي هام ساهم في تغيير كثير من الأمور وإضافتها إلى الخزّان المعرفي البشري المتراكم ، هذا الأمر الذي لابدّ بل ويجب أن يدفعنا ، ومهما كانت سوياتنا المعرفية أن نركّز عليها جميعاً في كتابتها على أقل تقدير ، وأن نتذكّر وبكلّ بساطة وعفوية دور المرأة سواءً كانت زوجة أو أخت وتلك العادة المتأصّلة في عادات زواجنا ، حيث يتمّ عرض فولكلوري كنموذج صارخ لما ذكرته : قيام إمراة بترتيب الفراش – دوشك ولحيف ( لڤين ) العروس وطريقة البدء كما فلاحة الأرض، واللحاف أشبه بالنقش على الأرض المزروعة وما يليها في ليلة الحناء أيضاً .

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 293

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى