آراء

المسؤولية والمحاسبة ..

د. محمد جمعان

في الدول التي يسودها القانون والعدل، فإنّ الشخص الذي يتحمّل مسؤولية ما، يكون تحت مراقبة و محاسبة القانون، وكذلك الإعلام الحرّ يتابعه باستمرار وقد يتعرّض للمساءلة في حال عدم القيام بمسؤولياته أو القيام بخطأ ما فإنه يحاسب وقد يُطرَد من موقع المسؤولية ويعاقَب، والأمثلة كثيرة في الدول المتحضّرة: وهنا سأذكر مثالاً قد حصل قبل عدة سنوات- ليس في سبيل الحصر:

في النرويج وزيرة الإدارة المحلية السابقة كانت بنفس الوقت رئيسة حزب الفلاحين فقد كانت أجّرت الطابق الأول من بيتها الصيفي دون أن تعطي الضرائب – قسم من الأجار للدولة، و قالت إنها لم تكن ملمّة بهذا القانون، و لكن بمجرد كشف الإعلام بهذه الخطيئة – الفضيحة فبدأ الضغط عليها من كلّ حدب وصوب؛ من الإعلام ، أعضاء حزبها و رئيسة الوزراء و الناس العاديين …حتى أنها لم ترَ أيّ حلٍ إلا الاستقالة من الوزارة و من رئاسة الحزب و من البرلمان… و اعتذرت من الشعب النرويجي بشكلٌ رسمي و علني، و بقيت ثلاثة أشهر في إجازة مرضية ، لأنّ ابنتها انتقدتها وقالت: كيف ستكونين قدوة لي و أنت لا تدفعين الضرائب للدولة…بالرغم أنّ الكثيرين كانوا يصدّقونها لأنّ المسألة متعلّقة بأجار قسم من البيت، يمكنك تأجيره دون دفع ضرائب للدولة، و لكنّ الخطأ متعلّق بمساحة الجزء المؤجّر مقارنةً بمساحة البيت عموماً. أي المساحة المؤجّرة يجب ان تكون أقل من مساحة القسم الذي يسكنه مالك البيت

أما في عالمنا الشرق أوسطي و العالم المشابه له فإنّ الذي يستلم مسؤولية ما فهو يشتهر و لا يحاسب و هو الذي يحاسب الآخرين و هو الذي يقرّر.. و يصبح فوق القانون …لنقارن أشخاص أين كانوا قبل تسلم المسؤوليات؟ و كيف أصبحوا الآن ؟هذا ليس في سبيل الحصر :

من كان يعرف المالكي قبل أن يصبح رئيساً للوزراء ؟، و كيف أصبح أثناء رئاسة الوزراء و المآسي التي تسبّبها من الفساد والرشوة والتي استشرت في مؤسسات الدولة ولا زالت؟ و إنه هو المسبّب الأول في انطلاقة داعش من الموصل بسبب استهتاره وذلك بجرالشيعة الى حربٍ ضد السنة عبر النظام الإيراني وكذلك هجومها على الكُرد ومـن ثم توسعها والدمار الذي سبّبه والمجازر التي قام بها ذلك التنظيم المتأسلم.

والسؤال هل حوسب المالكي على ما فعله ؟ لا بل أعيد انتخابه مرةً أخرى كرئيس للوزراء، و لا زال يُعتبر من الأرقام الصعبة في العراق، وله كتلة پرلمانية يحسب لها حساب .

ومثال آخر ؛

هو العبادي، الرجل لم يكن هو الآخر معروفاً، و بعد أن أصبح رئيساً للوزراء العراقي غزا جيشه كركوك والتي كانت ضمن محافظات إقليم كَردستان وباعتبار المدينة منبع للبترول فاحتلّها و طرد المحافظ المنتخب ديموقراطياً و هجّر الكثير من موظفيها و أهلها و بدأت من جديد حملة التعريب و كأننا في أيام النظام العراقي قبل 2003. وصرّح بأنه انتصر على داعش و الحقيقة بعيدة عن الواقع .

فهل تعرّض العبادي إلى أية محاسبة ؟ لا بل هو الآن من أبرز الشخصيات العراقية وقسم من الشعب العراقي يطالبون به كرئيس وزراء من جديد.

و على نفس المنوال يمكننا أن نذكر الكثير من المسؤولين الكُرد والذين كان لهم دور مؤثّر بعملية تسليم كركوك، ولا زالوا على قمة هرم المسؤوليات لحزبهم و الكارثة الكبرى أنّ لهم جمهور وأناس كثيرون يدّعون لهم بالوطنية والتاريخ المجيد ويخلقون لهم التبريرات والأعذار لما اقترفت أياديهم من الخيانة والغدر ضد شعب كُردستان و مصيره ومستقبله.

وعلى الساحة الكُردية السورية فإننا نتفوّق على العالم بهذه الصفة، بهذا التوصيف، والفشل في تنفيذ المسؤوليات، فالنظام معروف بالفساد و الإجرام و لا أحد يحاسب المسؤولين بما حدث في سوريا، من دمار و إبادة وهجرة الملايين، وبالرغم من كلّ هذا فهم يواصلون العمل في مناصبهم دون خجل أو شعور بالمسؤولية، و لا نذكر المحاسبة لأنها بعيدة من واقعنا، و إذا تكلّمنا عن هذا وكأننا في عالم آخر و نتكلّم في الخيال، و المعارضة السورية بشكلٍ عام ليست أفضل حالاً من النظام ،و ممارساتها تثبت فشلها في تقديم نفسها كبديلٍ ديمقراطي .

أما على الصعيد الكُردي فإنّ الصورة أيضاً قاتمة، حيث عندما يستلم أحدهم منصباً في حزب ما أو هو يشكّله فإنه يبقى هناك إلى نهاية العمر الطويل، بالرغم من نجاحه أو فشله في مهامه و ما آلت إليه قضية شعبه بالرغم من الضحايا والمأساة التي وصل إليها شعبنا، فهو يبقى في منصبه بدون أي محاسبة أو مساءلة، بسبب غياب القانون الحزبي أو عدم تطبيقه .
فأين المسؤولية و المحاسبة في منطقتنا، و نحن أكثر الشعوب التي تتكلّم عن الأخلاق و الدين و المساواة ؟؟؟؟.

 

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 295

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى