آراء

المسلمون في أوروبا

د. محمد جمعان/دكتوارة في القانون الدولي

هذا الموضوع شائك و معقد، نظراً لجوانب عدة ، منها: ـ التاريخية: حيث يصعب الجزم بتاريخ دخول المسلمين إلى أوروبا و مراحل دخولهم و أعدادهم . ـ هناك فروق بين وضع المسلمين في أوروبا الغربية و الشرقية، من حيث تاريخ مجيئهم الى تلك الدول و كيفية تأقلمهم في المجتمات الأصلية أو مع الناس الأصليين. ـ توزيع هذه المجموعات الى أقليات عدة حسب الخلفيات الثقافية ـ ظاهرة التطرّف البارزة و المتفاقمة ضمن البعض من هذه المجموعات.

الجانب التاريخي للموضوع: بداية دخول المسلمين إلى أوروبا الغربية تعود إلى التوسعات أو الغزوات الإسلامية ـ العربية 670 ميلادي بدأت بعد احتلال جزيرة الايبيرية ( الأندلس) في اسبانيا إلى سنة 1492 حينما استُردّت الأندلس و طُرِد المسلمون ، بعدها طلب المسلمون العرب المساعدة من الدولة العثمانية في استعادة الأندلس. فعاد المسلمون إلى احتلال مناطق كبيرة من أوروبا من خلال حروب الدولة العثمانية.

خلال التوسعات العثمانيةـ انتشر الإسلام في دول البلقان ودول أوروبا الشرقية فأخذ الإسلام في هذه الدول صبغةً تركية كما هو في ألبانيا ، بوسنيا و بلغاريا، القوقاز ، روسيا و الشيشان و الخ . حسب الإحصائيات الألمانية منذ عام 2010، نسبة المسلمين في أوروبا بلغت حوالي 3.2% و هناك مَن يقول :إنّ نسبة المسلمين هي 6%من مجموع عدد سكان أوروبا الغربية. وضع المسلمين في أوروبا الغربية: بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من المسلمين الذين قدموا إلى أوروبا الغربية سابقاً كما ذكرنا ففي االستينات والسبعينيات من القرن الماضي هاجر عدد ليس بالقليل من دول المغرب العربي وشمال أفريقيا و تركيا و باكستان و هم بالأساس من المهاجرين و العمال.

وفي السنوات الأخيرة أضيف اليهم أعداد كبيرة من اللاجئين من دولٍ إسلامية مختلفة ، مثل: العراق ، افغانستان ، سوريا ، الصومال و الخ، و لازال هذا العدد من اللاجئين يتزليد باستمرار. موضوع التطرف الإسلاموي و العمليات الإرهابية التي قام بها البعض من المتطرّفين وقبل الكورونا كان الشغل الشاغل للأوروبيين ، ولذلك وجب التركيز عليه:

ـ أنا شخصياً مسلم و خلفيتي الثقافية مسلمة، وأسكن في أوروبا منذ عقود و كذلك خبرتي في هذا الموضوع كبيرة حيث عملت مع و ضمن هذه المجموعات ما لا يقلّ عن 25 سنة.

ـ الازدياد المضطرد لعدد المسلمين في أوروبا.

ـ انعزال قسم كبير من هذه المجموعات و تشكيل ما تسمّى غيتوهات أي مجموعات معزولة و منغلقة على نفسها.

ـ التطرف الحاصل بين الكثير من تلك المجموعات و لأسباب كثيرة سنبحث فيها.

ـ ازدياد نسبة البطالة بين الأجانب.

ـ قيام مجموعات منهم بعملياتٍ إرهابية وإجرامية في اوروبا وخلق جو من الرعب و الفلتان و بالتالي إعطاء صورة مشوّهة عن الإسلام.

و لهذا و لأسباب أخرى رأيت من الواجب البحث في هذا الموضوع ولتسليط الضوء على بعض جوانب الحياة لهذه المجموعات المسلمة في أوروبا و التي نحن جميعاً و في كلّ أنحاء العالم نتأثّر بقيام البعض منهم بجرائم غير مبرّرة ضدّ أناسٍ تعوّدوا على حرية الرأي. بالإضافة إلى أنّ قسماً ليس بالقليل منهم يجدون صعوبة في تأقلمهم في المجتمعات الأوروبية وهذا له عواقب كثيرة.

ولهذا فإنّ الحالة الغير طبيعية التي تعانيها البعض من تلك المجموعات والتي تنعزل من المجتمع بسبب النظرة التي ينظر إليهم البعض من الاوروبيين وتارةً لصعوبة حصولهم على أعمال تناسب مؤهلاتهم فإنها تخلق نوعاً من التطرّف و التطرّف المضاد.

هذا يعني انعزال قسمٍ من العوائل و بالأخصّ النساء و الشباب من المجتمع و بالتالي هناك مَن ينفخ روحاً من العداء اتجاه كلّ العادات و التقاليد و المبادئ و القيم الأساسية التي بُنيت عليها تلك المجمعات ، والتي تكسبهم في النهاية روح التطرف و التعصب الديني و العمل خارج إطار القوانين المرعيّة في كثيرٍ من الأحيان في تلك الدول.

هذه الحالة من الانعزال و التطرّف من قبل البعض من الأجانب ـ المسلمين المتطرفين ولأسباب أخرى كثيرة تشكّلت تيارات مضادة من تلك المجتمعات أو من الناس الأصليين و التي تتميّز بروح العداء ضدّ الأجانب عامةً و المسلمين خاصةً. هؤلاء يبنون مبادءهم على التعالي العنصري و هذا بحدّ ذاته غير قانوني.

إنّ زيادة التعصب والعنصرية ضدّ الأجانب بشكلٍ عام أو ردّة الفعل المضادة تبرز بشكلٍ كبير و على كافة المستويات في السنوات الأخيرة ، كأفراد و مجموعات و حتى أحزاب لا يُستهان بها و بالتالي الكثير من تلك الأحزاب أصبح لها دور كبير في التأثير في المجتمعات و تغيير القرار السياسي. فمثلاً برزت أحزاب في دول معروفة بديموقراطيتها فأصبح لتلك الأحزاب دور بارز في اتخاذ القرارات في بلدانها مثل: هولاندا ، النرويج ، الدانمارك و الخ و الفضل الأكبر في بروز شأن تلك الأحزاب و الشخصيات العنصرية في أوروبا يعود إلى بعض الأقليات المسلمة المتطرّفة وكذلك فإنها تقف ضدّ استقبال العدد الكبير من اللاجئين ، كما يقولون.

الحالة تدعو إلى القلق حينما ترى مجموعات من المسلمين أنّ الدفاع عن النبي يكون بالقتل أو الذبح ، هم يبرّرون عملهم هذا بأنهم يستفزّون من تلك الصور المسيئة للرسول، و لكنْ الأوروبي لا يقبل هكذا تبريرات و لا يقبل أن يفرض عليه أحدهم طريقة حياته أو دينه.

لماذا نسبة المسلمين في ازديادٍ مستمر؟ هذا يعود إلى أسباب رئيسية منها انخفاض معدّل مواليد الأوروبيين مقابل ارتفاع معدّلات الولادة لدى المسلمين. و السبب الرئيسي الأخر لازدياد أعداد المسلمين في أوروبا الغربية هو الهجرة المستمرّة من المسلمين من دول المغرب العربي ، و تركيا و الشرق الأوسط و إيران و افغانستان و الخ و حسب الاحصائيات التي قام بها معهد بيو الالماني لفرانس برس : اعتناق الإسلام لا يلعب دوراً كبيرا في تزايد عدد المسلمين في العالم.

وحسب إحصاءات نفس المعهد أنّ بين أعوام : 2010 إلى 2016 أنّ أعداد تاركِيّ الإسلام يزيد على أعداد معتنقي الإسلام . وهناك بعض الدراسات تقول إنّ نسبةً كبيرة من ابناء المسلمين في أوروبا ( حوالي 18% ) لن يُعتبروا مسلمون في المستقبل ، أي لا يعتنقون أي دينٍ . و أما في أمريكا فالعدد يزيد إلى 32% .

أرى أنْ المسلمين في أوروبا الغربية ينقسمون إلى مجموعات وذلك حسب توزّعهم و دورهم في المجتمعات الأوروبية:

1ـ الغلبة الكبرى من الناس ، الذين قدموا إلى أوروبا في أوقات مختلفة والكثير منهم ليس لديهم مشكلة في الاندماج وأستطيع أن أسمّيهم من خلفيات إسلامية مختلفة ، و ممكن أن نسمّيهم المسلمين العاديين أو المعتدلين.

2ـ المجموعة التي التزمت بالعادات و التقاليد الإسلامية و لديهم صعوبة في كثيرٍ من الأحيان في الاندماج.

3- المجموعة التي أخذت على عاتقها التبشير وبناء المساجد و تطويرها وجمع المال لهذه المهام ولمهام أخرى لا أحد يعلم عنها إلا هم.

4- المجموعة الأخيرة هي نخبة من المتديّنين ـ المتطرّفين و القومجيين التي تعمل ضدّ ثقافة الغرب الكافرـ الملحد ومنهم الكثير من المثقفين القادمبن من الدول الإسلامية و لديهم الكثير من الأفكار الدينية المتطرّفة والقومية، القادمين من الشعوب التي استفادت من الدين لصالح قومياتها سابقاً و هذه القوميات التي جعلت من الدين الإسلامي مطيةً لخدمة مصالحهم القومية، هؤلاء مَن يوجّهون الشباب إلى التطرّف و التعصب ،الذين يقومون بالعمليات الإرهابية في أوروبا أو الذين هُيّؤوا للحاق بصفوف المنظمات الإرهابية مثل القاعدة و من ثم داعش.

هؤلاء و هم يعيشون في أوروبا و البعض منهم مٌن ولِد في أوروبا يكفرون بالمجتمع وبأنظمته السياسية والاجتماعية و يحاربون عاداته و تقاليده، هم مَن يحاربون القيم الأساسية التي بُنيت عليها المجتمعات الأوروبية من الحرية الديموقراطية و حرية الرأي، وحرية المرأة و العدالة الاجتماعية و الخ وبنفس الوقت يعيشون بالحرية الكاملة التي منحتها لهم المبادئ السامية التي بُنيت عليها تلك المجتمعات.

الإسلام السياسي: هي المجموعات الأخيرة التي ذكرناها والتي عملياً تابعة للإسلام السياسي في بعض الدول هي عملياً مَن تقف وراء دعم هذا التطرّف الحاصل، والكثير منهم مَن يقومون بغسل أدمغة الكثير من الشباب. قد يقول البعض إنّ الإسلام السياسي لا يشارك مباشرةً بتلك الجرائم في أوروبا و لكن من الواضح أنهم لم و لا يتبرؤون منها بل يحاول إيجاد التبريرات لتلك الجرائم البعيدة عن روح العصر، و كذلك بعيدة عن مبادئ المجتمعات العلمانية من الحرية والديموقراطية و حرية الرأي و الخ.

المثال البارز على الإسلام السياسي هم الإسلامويون الذين يحاربهم فكرياً بعض قادة أوروبا في الفترة الأخيرة فإنّ نتائج أعمالهم ظهرت بالعمليات الإجرامية وبشكلٍ جليٍّ بعد نحر أحدهم مدرّساً فرنسياً بسبب مناقشته لصورٍ عن الأديان في صفّ مدرسته و حسب رأيهم أنّ إحدى الصور كانت مسيئة للرسول محمد و كذلك قتل أحدهم مسلماً آخر في ألمانيا بسبب كونه يدخّن في شهر رمضان.

المجتمات الأوروبية استطاعت و منذ أجيالٍ الفصل بين الدين و الدولة أي أنّ الكنيسة لم يعد لها دورٌ في صناعة القرار السياسي ولم تعد جزءاً من النظام السياسي، و لكن هناك مجموعات كثيرة من المسلمين يقفون بالضدّ من تلك المبادئ والقيم الأساسية التي بُنيت عليها المجتمعات الأوروبية و التي ذكرناها سابقاً.

الكثير من النشطاء من الإسلام السياسي يعادون و يحاربون بشكلٍ علني تلك المبادئ، و هذه الظاهرة أصبحت أكثر شدةً و عنفاً بعد مجيء الكثير من اللاجئيين في السنوات الأخيرة من سوريا ، العراق، الشيشان، الشمال الأفريقي ـ دول المغرب العربي قسم من هؤلاء مشحونون بالفكر التطرّفي الديني الداعشي. الاسلامويون السياسيون يكفرون و يحاربون أيضاً المسلمين المعتدلين في جميع المجتمعات و الدول. وهناك الكثير من الأئمة الذين يستقدمون بزيارات من الخارج لهم دور كبير في تحشيد دور التطرّف الديني في أوروبا.

ولا بدّ من التأكيد بأنّ التكفيريين يستفيدون بشكلٍ كبير من المساحة الواسعة من الحرية الموجودة في المجتمعات الأوروبية و القصور في المتابعة والإهمال و دعم بعض الحكومات لبعض الجهات الإسلاموية المتطرّفة بشكلٍ عامٍ قد استفادت تلك القوى من المواقف المؤيّدة للأجانب و بالأخصّ من القوى اليسارية الأوروبية للقيام بنشاطاتهم الإعلامية الموجّهة في عزل الناس و بالأخصّ النساء من المجتمع و نجحوا في توجيه الكثير من الشباب نحو التعصب و التطرّف الديني. مكافحة الإرهاب هيغالآن من أولويات الدول الأوروبية و أمريكا : بعد تفاقم الوضع و تبنّي الكثير من المجموعات الدينية أسلوب العنف و عدم قبولها حرية الرأي فإنّ الكثير من الدول الأوروبية و أمريكا شدّدت في الفترة الأخيرة من محاربتها لتلك المجموعات و ذلك بتشديد القوانين فأصبحت المراقبة و التفتيش على الحدود و المطارات صارمة جداً.

هذه القوانين الصارمة غيّرت بشكلٍ كبير حتى من أسلوب تعامل الأوروبي مع الأجانب عموماً والإنسان الشرقي و في كثيرٍ من الأحيان تراها مبرّرة. الثقافة و الهوية و المواطنة: في أوروبا المواطنة تعتبر أساس العدالة الاجتماعية و القانون لا يفرّق بين المواطنين في الحقوق و الواجبات مهما كانت خلفياتهم. في كثيرٍ من الاحيان نرى أنّ قسماً ليس بالقليل من المجموعات الإسلاموية لها مشكلة في الفصل بين الثقافة و الهوية و انتمائه الوطني. و هذا يسبّب خلطاً في التبعية و في مشاكل نفسية عند البعض و بالتالي يسهل استعمالهم للعمليات الانتحارية أو إرسالهم إلى صفوف التنظيمات الدينية المتطرّفة. سابقاً كان الإرهابيون يأتون من خارج الدول الأوروبية للقيام بعملياتٍ إرهابية كما حدث في 11 سبتمبر 2001 في أمريكا أما الآن و بعد كثرة الإسلامويين في أوروبا فقد أصبح الإرهابيون من صناعةٍ محلية.

البعض من المعتدلين ينادون بأنّ على المسلمين في أوروبا أن يأخذوا من البوسنيين تجربتهم الدينية الناجحة حيث هناك التوافق بين المبادئ الإسلامية و الحضارة الأوروبية . نتيجةً لما يحدث في العالم من التطرّف الديني و الخطر القادم من هذا التطرّف فإنّ أغلبية دول العالم و بالأخصّ الدول الأوروبية اتّخذت إجراءاتٍ شديدة جديدة للحدّ من العمليات الإرهابية ، منها:

ـ تشديد إجراءات التفتيش على الحدود و في المطارات.

ـ إغلاق الكثير من الجمعيات الدينية و المشبوهة في دعمها للإرهاب و هذا ما حدث في فرنسا في الفترة الأخيرة.

ـ سيطرة الحكومات على الكثير من الجوامع من خلال مشاركة الكثير من الأئمة في دوراتٍ تأهيلية تنظّمها مؤسسات الدولة بحيث يتعلّمون المبادئ الأساسية التي بُنيت عليها المجتمعات الغربية و هذا يتمّ في أغلبية الدول الأوروبية حالياً.

ـ كيفية إدارة أمور المسلمين بحيث يجب أن تكون ضمن إطار قوانين الدولة.

ـ تقييد استيراد الأئمة من بعض الدول الإسلامية.

ـ الحدّ من الثغرات الأمنية و الحقوقية وبالأخصّ بعد هجمات باريس و فيينا في الفترة الأخيرة السابقة.

و في الختام لا بدّ من ذكر أنّ الدول الأوروبية تقوم بنشر الوعي بين جميع مواطنيها على أنه ليس هناك فرق بين الأديان ، كلّ فردٍ حرّ باختيار الدين الذي يؤمن به، و لكنّ الجميع ملزم بتنفيذ نفس القوانين و الجميع متساوون في الحقوق و الواجبات و يقول المسلمون المعتدلون إنّ المسلمين في أوروبا يحتاجون إلى إسلامٍ بخصائص أوروبية أي إسلام يؤمن بمبادئ الحرية و الديموقراطية و حرية الاعتقاد والعبادة والقبول بحرية الرأي.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “280”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى