المسلمين في المهجر بين فكي كماشة
عدد المسلمين في المهجر يزداد كل يوم وخاصة في أوربا قد تجاوز العشرين مليونا, نصفهم يحمل جنسية البلد الأوربي الذي هاجروا إليه أو وُلدوا فيه, وجزء منهم ينحدر من أصول أوربية.
عندما هاجر هؤلاء المسلمون إلى أوطانهم الجديدة لم يهاجروا بأجسامهم فقط بل حملوا معهم عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم ومعتقداتهم, اي يعني هويتهم, وهو ما سبب لهم الكثير من الإضطهاد والمعاناة وخاصة في السنين الأولى من هجرتهم, نتيجة للتوترات الإجتماعية التي كانت تحصل بينهم وبين المواطنين الأصليين وسوء الفهم والتناقضات والتصادمات بين ما جلبوه معهم من قيم ومعايير وما وجدوه في مجتمعهم الجديد من قوانين وقيم وأعراف وحضارة. أغلب المهاجرين يحاولون أن يجدوا طريقة للتعايش مع هذه التناقضات ويعملون على جَسر الهوة فيما بينها ويعيشون في حالة من الصراع في داخل أنفسهم قد تصل إلى حد الإنفصام في الشخصية ولكن في المقابل يوجد كذلك من يتقوقع على نفسه ولا يحاول الإندماج في مجتمعه الجديد أبدا. العامل الزمني يلعب دورا هاما في التغيرات التي تحصل في شخصية المهاجر وهي في النتيجة لصالح الوطن الجديد, لأن المهاجرين مع مرور الزمن ينفك إرتباطهم رويدا رويدا مع وطنهم الأم ويتبنون معايير وقيم وطنهم الجديد, وخاصة ما هو مناسب من أجل تعايشهم فيه, ويشعرون بأنهم يشكلون جسرا للتواصل بين بلديهما. مع مرور الزمن يشعر تقريبا كل مهاجر وكأنه يحمل في شخصه هويتان وفي صدره قلبان ينبضان, فلذلك يسعى جاهدا إلى تحقيق الإنسجام في نبض قلبيه الذين يحملهما في صدره وتكون سعادته كبيرة عندما يتم ذلك.
المسلمين الذين يعيشون خارج العالم الإسلامي يعانون وبشكل أكبر من التطورات السياسية التي تحدث في العالم وأهم هذه الأحداث التي حصلت في العقود الماضية هو إنهيار حلف وارسو والذي جلب معه تغيرات عالمية جسام, وإحدى تبعات هذا التغيّر هو تحول الهيمنة العالمية من إزدواجة القطبية إلى أحادية القطبية ونشوء فراغا كبيرا على ساحة الصراع الدولية بعد زوال العدو الأيديولوجي الرئيسي, فصارت بعض المؤسسات العالمية الكبرى مثل حلف الناتو وأجهزة مخابرات دول عظمى تبحث عن مبرر لوجودها أو بقائها على ما هي عليه من قوة ونفوذ وهيمنة. هذا الفرغ الذي نشأ كان يجب البحث عن من يستطيع أن يسده, أي يعني أن يلعب دور العدو البديل لكي تستطيع هذه المؤسسات العملاقة أن تبرر سبب وجودها وميزانياتها وتكاليفها الهائلة. فكان الإسلام هو البديل الأمثل والمناسب لهذا الغرض, فبدأت آلة الدعاية بالعمل على التخطيط والتحضير والحشد والتشويه والتزوير والتهميش بالإسلام وبصورة المسلمين وأصبح كل شيء سلبي يحدث في العالم تجد خلفه منظمة إسلامية مثل ما حدث في 11 سنتمبر 2001 والتي صرح بعدها جورج بوش الإبن بأن حربا صليبية طويلة الأمد قد بدأت. بهذه العملية الإرهابية تراجع المسلمون إلى الدفاع عن أنفسهم وأصبحت تُوجه إليهم الإتهامات بأنهم هم السبب لكل ما يحصل في العالم من إرهاب وجرائم. ما عايشته شخصيا في تلك الفترة كان فيه الكثير من الحزن والألم وخاصة عندما كان يسألني بعض زملائي في البرلمان آنذاك: ماذا فعلتم في نيويورك …؟ وكأنني أنا وكل مسلم في العالم مسؤول عما حدث في نيويورك, بالرغم من الغموض الكبير الذي لا زال يهيمن على ما حصل آنذاك.
المسلمين في المهجر ليس عليهم فقط أن يتحملوا وزر ما يحصل في العالم من أعمال إرهابية باسم الإسلام بل عليهم كذلك أن يعتذروا عن كل الأخطاء التي تقوم بها بعض زعامات الدول الإسلامية وبهذا أصبحوا في حالة إتهام دائمة وفي وضعية دفاعية وعليهم أن ينددوا ويستنكروا ويشجبوا أكثر من غيرهم وبصوت أعلى حتى يتم إبعاد الشبهات عنهم.
من الملاحظ بأنه في كل الأعمال الإرهابية لا يتم ذكر دين الإرهابيين إلا إذا كانوا من المسلمين, ولهذا يتم وضع المسلمين تحت المراقبة الدائمة من قبل السلطات الأمنية في دول المهجر وتُوضع عليهم شروطا قاسية عندما يريدون أن يطبقوا ما يُمليه عليهم دينهم من شروط مثل بناء المساجد أو وضع غطاء الرأس عند النساء أو ذبح الحلال أو ختان الأطفال, إضافة إلى ذلك هنالك منظمات وأحزاب يمينية متطرفة تأخذ من الإسلام والمسلمين عدوا لها وتعمل على أن تكسب شيئا من الشعبية بين الأهالي على حساب أضعف حلقة في المجتمع, وها هي على سبيل المثال ولا الحصر “حركة بيجيدا” الألمانية التي تدعوا للتظاهر بإستمرار ضد ما تسميه “أسلمة العالم الغربي” وكذلك هنالك وسائل إعلام غربية تعتاش على نشر الإدعاءات الكاذبة وبث السموم والتحريض على المسلمين. وكذلك يوجد بعض المنظمات الإسلامية المتطرفة التي تُكفر المسلمين في المهجر وتصفهم بأنهم مرتدين لأنهم يعيشون في مجتمعات ديمقراطية ويؤمنون بالنظام الديمقراطي. وما هو أخطر مما ذكرناه آنفا هو إستغلال بعض الزعامات الغربية لمثل هكذا جرائم ومحاولتها كسب شيء من الشعبية على ظهر المسلمين وذلك مثل ما صرح جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر مباشرة وكذلك مثل ما قاله في نفس السياق رئيس وزراء إيطاليا الأسبق, برلسكوني, بأن الحضارة الغربية هي الحضارة المهيمنة في العالم وكذلك مثل ما قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بعد ما حصل في باريس مؤخرا “إننا نواجه حربا” ولكنه لم يقل ضد من ستكون هذه الحرب.
ما حدث في فرنسا قبل أيام قليلة من هجوم دموي ضد مجلة “شارلي ايبدو” الساخرة هو جريمة كبيرة وعلى كل إنسان شريف وفيه شيء من الإنسانية أن يستنكر ما حصل, ولكن من الواضح بأن هنالك من يريد استغلال ذلك وتحويله الى حرب ضد الاسلام والمسلمين وتحميل المسلمين مسؤولية ما حصل.
الإسلام والمسلمين صاروا جزءا لا يتجزأ من مجتمعاتهم الجديدة وهم ليسوا بإرهابيين ولا يختلفون في تصرفاتهم عن أغلبية مجتمعاتهم التي يعيشون فيها وهنالك جزء كبير من المواطنين االأصليين الذين يتضامنون معهم. فما علينا هنا إلا أن نتوجه إلى الذين يريدون أن يستغلوا مثل هكذا أحداث من أجل كسب بعض الأصوات أوشيئا من الشعبية ونحذرهم من اللعب بالنار ونؤكد لهم بأن أول شيء سيحترق في هكذا ألاعيب ستكون أصابعهم.
جمال قارصلي / ألمانيا