آراء

المعارضة والنظام الفيدرالي

فؤاد عليكو

منذ الشهور الأولى للثورة السورية في عام ٢٠١١، وتحديداً بعد تأسيس المجلس الوطني الكُردي في تشرين الأول ٢٠١١ وطرحه مصطلح اللامركزية السياسية لشكل النظام السياسي لسوريا المستقبل، أثير لغط كبير وتساؤلات كثيرة بين أوساط المعارضة العربية السورية بمختلف توجهاتها السياسية حول مدلول المصطلح مطالبين المجلس الوطني الكُردي بتفسيره والغاية من طرحه، وقد حسم المجلس الكُردي الموضوع في مؤتمره الثاني، بأنّ اللامركزية السياسية تعني تحديداً النظام الاتحادي (الفيدرالي)، أي أن تكون سوريا المستقبلية دولة اتحادية وفق توزيع جغرافي معين، على أن يراعى في هذا التقسيم ما أمكن الانسجام المجتمعي بين مكونات مناطق الأقاليم، سواءً كان هذا الانسجام إثنياً أو دينياً أو مذهبياً، وذلك أسوةً بالعديد من الدول في العالم التي تتبع النظام الفيدرالي في إدارة مجتمعاتها، خاصةً تلك الدول التي تعاني من مشاكل قومية أو دينية داخل جغرافية الدولة الواحدة، اعتماداً على رأي معظم الفقهاء القانونين حول النظام الفيدرالي على أنه يعتبر من أرقى النظم السياسية في معالجة القضايا القومية والدينية، إضافةً إلى أنها تحقّق توزيعاً عادلاً للسلطة والثروة بين جميع أبناء الدولة الواحدة.

وبإسقاط هذا المفهوم على الواقع الديمغرافي السوري نلاحظ بأنّ سوريا ومنذ تأسيسها تعاني من حالتين، فمن جهة نشاهد أنّ الجغرافيا السورية تتكوّن من عدة قوميات مختلفة فيما بينها في اللغة، ولكل قومية خصائصها الاجتماعية المختلفة عن بعضها بنسب متفاوته، كما تختلف عن تواجدها العددي ( عرب، كرد آثوريين، تركمان…. )، مع الاعتراف بأكثرية العنصر العربي، لكن هذا لايلغي ولا ينفي مبدأ حقوق القوميات الأخرى بالمساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع، في إطار الدولة الواحدة، كما أنّ سيطرة العسكر على مفاصل الدولة السورية، خاصةً بعد انقلاب البعث العروبي ١٩٦٣ الذي أقصى بقية المكونات السورية عن السلطة كلياً لاعتبارات عنصرية، واعتبار سوريا دولة عربية البنية والتفكير والممارسة، وكلً مَن يدعو خلاف ذلك يعتبر انفصالياً، ويجب محاربتة بقسوة، وهكذا دخل الكُرد في صراع وجودي مع النظام، وقدّموا في سبيل ذلك الكثير من التضحيات، كما أنّ النظام ابتكر وطبّق مشاريع عنصرية بحق الشعب الكُردي ، من الحزام العربي والإحصاء الاستثنائي (نتائج الإحصاء أعلنت في عام ١٩٦٥) كما مُنع عن الكُرد التكلم بلغتهم الأم، و طال المنع حتى التسمية بالأسماء الكُردية في السجلات المدنية، إضافةً الى حصر السلطة في يد العسكر، وفي العاصمة دمشق حصراً، وحرمت المناطق الكُردية من التنمية بشكل متعمد للإبقاء على تخلفها وإفقارها، كما انحصر توزيع الثروة أيضاً في العاصمة وبعض المدن كحمص ومدن الساحل، لذلك فإنّ طرح النظام الاتحادي من قبل المجلس الوطني الكُردي جاء كحاجة موضوعية لمعالجة القضية الكُردية، وكذلك لتوزيع السلطة والثروة بشكلٍ متوازن وعادل بين جميع السكان.

وبذلك نستطيع القول بأنّ هذا الطرح من قبل المجلس يعتبر متقدماً عن جميع طروحات المعارضة التي اكتفت بدولة المواطنة على أساس اللامركزية الإدارية، وتتخذ المعارضة من النموذج الفرنسي مثالاً يحتذى به، و اتفق الجميع على محاربة النظام الفيدرالي( الاتحادي) باعتباره( حسب وجهة نظرهم) مقدمة موضوعية لتقسيم سوريا ، وأنّ طرح الكُرد لهذا النظام يخفي نواياهم المبيتة( المزعومة) في الانفصال، وإن لم يعلنوها صراحةً ذلك حسب زعم المعارضة، وهذا ما اتفق عليه الإسلاميون والليبراليون والعروبيون، حيث تمّت شيطنة النظام الفدرالي بشكلٍ متعمد من قبلهم، إن لم نقل بسبب البؤس المعرفي، لكن وبعد مرور اثني عشر عاماً على استمرارية الثورة، بدأنا نسمع أصوات عربية جريئة، تخرج للعلن، تشاطر الكُرد في الطرح مثل حزب الأحرار، حزب الحرية والسلام، وكذلك العديد من الشخصيات الوطنية الوازنة في المعارضة، خاصةً وإنّ الحقائق على الأرض، ومن خلال تسميات الفصائل العسكرية باتت تدحض طروحاتهم، فالقوى التركمانية أطلقت على اسم فصائلها أسماء السلاطين العثمانيين ( السلطان مراد، سليمان شاه، الزنكي… إلخ) وكذلك أرفق التيار الإسلامي السني اسم (الشام) على فصائلهم ( فيلق الشام، أحرار الشام، هيئة تحرير الشام، الجبهة الشامية… إلخ) كما إنّ حزب الاتحاد الديمقراطي ذي الطابع الأممي أطلق على قواته (وحدات حماية الشعب، وحدات حماية المرأة، قوات سوريا الديمقراطية) اما المجلس الوطني الكُردي فقد اطلق اسم بيشمركة روچ على قواته، وهذا ما فعله السريان (السوتورو) ، إضافةً لكلّ ذلك فالعلويين بدؤوا يشعرون بضرورة وجود النظام الفيدرالي كحماية لهم من( العقاب الطائفي) السني مستقبلاً واخيراً فقد اختار الدروز راية خاصة بهم ويطالبون بخصوصية منطقتهم.

وهكذا نجد أنّ الأرومات القومية والدينية والطائفية تخرج للعلن بحدة وتطفو على السطح اليوم ، ولم تعد هناك إمكانية لإعادة توحيد سوريا، وتبديد مخاوف الجميع إلا بتبني النظام الفيدرالي كمخرج من هذه الازمة المستفحلة في سوريا، وإلا سيبقى الصراع مستمراً إلى أمد بعيد، وحينها سيكون التقسيم هو الخيار الأخير أو النتيجة.

ومن الجدير بالذكر، وإنصافاً للتاريخ، نسجّل بأن حزبنا “يكيتي” كان سبّاقاً في تبني نظام اللامركزية السياسية كحل للقضايا القومية في برنامجه السياسي قبل الثورة السورية بعدة سنوات.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “314”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى