آراء

المقدمات الخاطئة تؤدّي إلى نتائج خاطئة

فؤاد عليكو

استبشر الأهالي خيراً بسقوط نظام الطاغية وانتهاء هيمنته على مفاصل الدولة ومقدرات الشعب السوري طيلة أكثر من نصف قرن، ذاق فيه الشعب الويلات،وممارسات قمعية عنيفة من بداية الثورة السورية عام 2011 وحتى سقوطه في 8 كانون الأول 2024، حيث ذهب ضحية ممارساته مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوّقين، إضافةً إلى تهجير الملايين من السكان،

بسقوطه، عمَّت الفرحة جميع المحافظات السورية، رغم أنّ أحداً لم يكن يتوقّع أن يكون هذا السقوط على يد هيئة تحرير الشام المصنفة عالميًاً كمنظمة إرهابية. لكن خطاب الاطمئنان الذي أبداه أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، رئيس الهيئة، كرجل دولة، أعطى جرعة من التفاؤل للشعب السوري، على الرغم من أنه قام بنقل طاقم حكومته المقامة على جزء من إدلب إلى دمشق، وطلب مهلة 80 يوماً لضبط الأمن أولًا، ثم القيام بإجراءات ضرورية تفضي إلى حكومة تشاركية لكلّ السوريين وحوكمة رشيدة.

لكن الخطوات التي اتبعها خلال هذه الفترة لم تنسجم مطلقاً مع خطابه التطميني. ويمكننا إيجاز هذه الخطوات وفق تسلسلها الزمني:

  1. احتكار السيطرة على المؤسسات الأمنية (وزارتا الدفاع والداخلية، وجهاز المخابرات) من قبل المقرّبين منه، ومنحهم رتباً عسكرية كبيرة، بمن فيهم شخصيات غير سورية، بدلاً من تسليمها لضباط منشقين لهم باع طويل في الثورة السورية، ويمتلكون خبرات عسكرية، وذوي سمعة طيبة خاصةً أنّ هذه المؤسسات وطنية، ولا يجوز أن تكون حكراً على فئة أو تيار معين، كما كان يفعل النظام السابق عندما احتكرها لصالح فئة معينة وحزب البعث. كما أنّ سيطرتهم على وزارة التربية وتغيير بعض الفقرات في المناهج يثير مخاوف كبيرة من أدلجة التعليم وتوجيهه نحو الأسلمة، في تكرار لسياسة التمكين التي مارسها الإخوان المسلمون في مصر.
  2. تصريحه بأنّ القرار الدولي 2254 أصبح من الماضي، رغم أنّ الفقرات المتعلقة بالحكومة الانتقالية، وإعداد الدستور، والانتخابات، وبناء حكومة ذات مصداقية وشاملة، تتواءم تماماً مع خطابه التطميني. وكان من الممكن أن تساهم الأمم المتحدة بشكل إيجابي وفعال في إيصال الشعب السوري إلى بر الأمان دون عوائق، خاصةً وأنّ التمديد قد مُنح للمبعوث الأممي غير بيرسون لعام آخر.
  3. رفض التعامل مع مؤسسات الثورة السياسية (الائتلاف وهيئة التفاوض)، رغم امتلاكهما خبرة طويلة في مجال الحوكمة، والدستور، وقانون الانتخابات، فضلاً عن مئات الوثائق المتعلقة بهذه القضايا الأساسية التي تهمّ الشعب السوري. كما أنّ كوادرهما تمتلك خبرات تراكمية تؤهلهم ليكونوا عناصر فاعلة في سوريا الجديدة، لكن إنهاء دورهم أدّى إلى خسارة سوريا لهذه الطاقات الخلّاقة دون مبرر سوى رغبة هيئة تحرير الشام في الاستحواذ على السلطة وفق رؤيتها ومنطقها الخاص.
  4. تشكيل لجنة الحوار من التيار الإسلامي حصرياً، بالإضافة إلى ممثل مسيحي واحد (6+1)، مما يعكس، وفق وجهة نظرهم، أنّ سوريا تتكوّن فقط من المسلمين وقلة من المسيحيين. وهذا يعني أنهم لا يعترفون بالهويات القومية، ولا بالأحزاب السياسية القائمة، وهو موقف ينسجم مع فكرهم الإسلامي الإلغائي. تأكيداً على ذلك، تمّت الدعوة إلى مؤتمر الحوار الوطني بشكلٍ فردي ولمدة يوم واحد، مع استبعاد جميع الكيانات السياسية، بمختلف أطيافها القومية، والديمقراطية، واليسارية، وكذلك منظمات المجتمع المدني. وبطريقة خاطفة، تمّ إصدار بيان يؤسّس لخارطة طريق للمرحلة القادمة، تشمل إعلاناً دستورياً، ومجلساً تشريعياً مؤقتاً، ثم لجنة لإعداد الدستور الدائم.

بناءً على هذه القرارات، تمّ تشكيل لجنة إسلامية ذات طابع عروبي، وأُعلن عن إعلان دستوري من عشر صفحات، يُكرّس صلاحيات الرئيس المطلقة لمدة خمس سنوات، ويؤكّد على إسلامية وعروبة سوريا، لكنه يخلو تماماً من أي إشارة إلى حقوق المكونات القومية (الكُرد، السريان، التركمان، وغيرهم). كما أنه لم يحدّد صفة الدولة، سواءً أكانت مدنية أم علمانية أم حيادية تجاه الأديان. كما تمّ استبعاد مصطلح الديمقراطية تماماً من نص الإعلان الدستوري، مما يعكس توجهاً واضحاً نحو الحكم الإسلامي، الذي يعتبر الديمقراطية “بدعة غربية يجب تجنبها”. وبالتالي، ستكون التعيينات هي الأساس في تشكيل مؤسسات الدولة الجديدة، مع اعتماد الفقه الإسلامي مرجعاً وحيداً.

من كلّ ما تقدّم، وكما يقول المثل الكُردي: “اليوم الجميل يُعرف مع شروق الشمس”، ويبدو أنّ شروق شمس سوريا الجديدة لا يبشّر بمستقبلٍ جميل. فنحن أمام دولة دينية استبدادية بأسلوب مختلف عن السابق، لكن بنتائج لا تختلف كثيراً عنه. لذلك علينا ألا نختبئ خلف أصابعنا، ولا نرى الأمور بمنظور وردي واعد. بل يجب أن نُعدّ أنفسنا جيداً للمرحلة المقبلة، فهي قد تكون حبلى بالكثير من المفاجآت غير المريحة.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “330”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى