النزاع الروسي الإيراني في الجنوب السوري
نهى سلوم/ الكاتبة والأديبة السورية- دكتوراة بالإعلام .
يتساءل المواطن السوري في محافظتي درعا و السويداء: إلى أين نحن سائرون ؟ الحقيقة لا نعرف.إ ننا نعوم في بحور من الظلمات ، هذا ما نراه كإعلاميين ومراقبين في هذه المرحلة القاتمة من التاريخ والمستقبل السوري !!!
من نصيب مَن ستكون هذه الغنيمة بين الاطراف المتنازعة؟
و الجارين الصامتين
إسرائيل والأردن ماذا ينتظران ، و ما هو مصير جغرافيا المنطقة المحيطة بهم ؟؟
كلّ هذه التساؤلات تحتاج إلى أجوبة مرهونة بحصص الدول المنتاحرة على التركة السورية المخضّبة بدم الشهداء و الفقراء !!!
الشعب السوري و الوطن السوري، كما النظام والقوى المناهضة له، أصبح رهينة الدول المتنازعة و المحتلة
في هذه البقعة الذبيحة في هذه البقعة المتأصّلة في العراقة و التاريخ و المكوّنة بأجمل الفسيفساء البشري الجميل
….
تجدّد الصراع في الأيام الأخيرة في مدينة درعا المحاصرة، درعا شرارة الثورة السورية اليتيمة،
درعا التي تسعى كلّ من روسيا و إيران و النظام إلى تطويقها و تركيعها و إخضاعها لرأس النظام، تحت الغطاء الروسي الإيراني ؛والذي عمل في السابق على تأجيج الخلاف بين محافظتي درعا و السويداء لتفكيك النسيج السوري الجميل
هذا سيكون مصبّ حديثنا في هذا العرض لوضع الجنوب السوري ؛لقد عمدت روسيا و إيران إلى تأجيج الخلافات في السابق متذ فترة قريبة، و لا تزال هذه الخلافات قاىمة بين أهالي بلدة القريا ،وهي المعروفة بمسقط رأس قائد الثورة السورية الكبرى المغفور له((سلطان باشا الأطرش ))
وبين الفيلق الخامس بقيادة أحمد العودة في درعا، الذي اصطدم مع الأهالي و مع الفصائل المحلية والدفاع الوطني وحركة الكرامة والمواطنين المدنيين من السويداء. إنّ السبب المباشر للمعارك هو فشل المفاوضات التي استمرّت منذ آذار الماضي بين وفود من درعا والسويداء، وكان القصد منها إخراج الفيلق الخامس من أراضٍ تابعة لقرى في محافظة السويداء، وهي أراض زراعية، ووضع نهاية لمشكلات متعدّدة بين المحافظتين، والمفاوضات تمّت بإشرافٍ روسيّ و كان الجانب الروسي قد بيّن رغبته في إفشال المفاوضات ، و ذلك لمحاولته تلقين السويداء دروساً إضافية عبر القتل والحصار و التجويع و الاستهتار بمرجعياتهم لإخضاع محافظة السويداء التي تقطنها الأغلبية الدرزية متعاونا”مع أزلام نظام البعث و السلطة على مسح هويتهم .والرغبة الإيرانية بتعزيز وجودها في السويداء، بعد طردها تقريباً من درعا، هو السبب الحقيقي للصراع الجديد. هذا الصراع الذي على ما يبدو سيستمرّ
لا سيما مع ظهور حيثيات جديدة تؤكّد على أنّ مفاوضاتٍ جديدة ستحصل بين النظام السوري وإسرائيل في إطار مصالح رأس النظام السوري في مسارات التطبيع التي تقودها إسرائيل و تدعو إليها بذكاءٍ في إعلامها المتطور و المبرمج عالمياً..
إذاً هناك مسائل تتجاوز الفيلق الخامس وفصائل السويداء وتتطلّب إخضاع السويداء و درعا معاً حتى القنيطرة ليتمّ لهم السيطرة على إقليم الجنوب السوري و هو يعتبر المثلت الأول
لمصلحة الدولة الجارة المتحكّمة في مستقبل هذه الاوطان ( إسرائيل)، وهو ما فشل فيه الروس حتى هذه اللحظة ؛
ولكي تكون الصورة واضحة لدينا ؛يجب أن نوضّح بأنّ الفيلق الخامس يتحرّك بأوامرٍ روسية مباشرة، وهو محميٌ من روسيا، ولولا الحماية الروسية المرئية للعيان ؛لقام النظام السوري وإيران باقتلاعه من جذوره، والحماية تلك تجري بالتوافق النسبي مع النظام، ولكن لروسيا السيطرة الكاملة عليه .
و كان أحمد العودة قد رفض في السابق إعادة الأراضي المقتطعة من بلدة القريا لأصحابها ، و قد استهتر بفلاحي و مزارعي البلدة،
و قام بإهانتهم مرات عديدة، و هذا يعني أنّ هناك حجة دائمة لإثارة الصراع بين المحافظتين ،هذا ما كان مقرّراً قبل المصالحة المرهونة و المزعومة برغبة روسيا ،أن تُبقي صبيَّها أحمد العودة ،البعبع الذي يخيف مخافظة السويداء و يهدّد سلامة أراضيهم و مزارعيهم، في بلدة القريا المحاذية لبصرى الشام ، مكان استقرار قوات الفيلق الخامس التابع لروسيا .
إنّ القتل و الاقتتال الذي يحدث في المنطقة الجنوبية، وبين فرقاء مختلفين طائفياً، يؤسّس لمشكلاتٍ مستدامة بين المحافظتين الجارتين !
و إنّ كلّاً من الدول المتناحرة و المتنازعة في المنطقة باتت تعلم جيداً بعد دحر الدواعش في محافظة السويداء لم يعد هناك فائدة لتقوية هذا التنظيم الإسلامي و المسمّى بالدواعش ودفعه نحو محافظة السويداء
كما تمّ من قبل ،حيث تتكبّد روسيا والنظام وإيران خسائر يومية من هذا التنظيم ويحاول الثلاثة تنظيف المناطق التي يسيطرون عليها نسبياً من أجل تعزيز نفوذهم وربما من أجل الانتقال إلى مرحلةٍ جديدة من التفاوض مع الدول المحتلة لسوريا أو تحقيق الاستقرار
و إنّ هذا الصراع العبثي بين المناطق المتجاورة هو صورة مصغّرة لكافة المناطق السورية، وهذا يوضّح التعقيد الكبير الذي أصبح عليه الوطن ؛؛والأسوأ أنه ينبّئ بغياب أيّ أفقٍٍ قريبٍ للانتقال السياسي.
لكنّ هناك الكثير من القراءات السياسية تلحّ و تؤكّد على ضرورة الانتقال إلى السياسة، سيما بعد إخفاق الحروب، ولكنّ قراءات أخرى تؤكّد أنّ الوضع السوري صار تحت السيطرة الخارجية، وهو يتعقّد أكثر بعد فتح المعارك بأماكن عديدة ، ودعم كلٍّ من روسيا وتركيا وإيران طرفيه. وهناك الصراع في ليبيا، وبالتالي أصبحت القضية السورية ،كما الليبية ، كما اليمنية، كما عدة قضايا أخرى، للتفاوض بين هذه الدول ذات المصالح الكبرى .
هنا المشكلة. طبعاً ليس هناك من أطرافٍ سورية، منشغلة بالمسألة الوطنية، نظاماً ومعارضاتٍ، ولذلك تهمّشت الأحداث السورية و أصبح الحدث السوري يمرّ عبر الشاشات و وسائل التواصل الإجتماعي دون أيّ اهتمامٍ أو تعليق ، وكأنه حدثٌ من الماضي ؛؛ فما يحدث في الجنوب السوري ضمن هذا السياق ودور النظام المهمش و المغيّب في كافة أرجاء الوطن السوري يجعلنا نؤكّد ضبابية الصورة المستقبلية .
القتل الذي يحدث في المنطقة الجنوبية، وبين فرقاء مختلفين طائفياً، يؤسّس لمشكلاتٍ مستدامة بين المحافظتين. هي مشكلاتٌ تتطلب مفاوضاتٍٍ مستقبلية و وطنية كبرى .
وهذا ليس بسيطاً حيث أنّ هناك القتل والاختطاف والاستيلاء على الأراضي و القهر و الفقر و الحصار و التجويع ،جعل من المنطقة منطقة حذر و خوف دائم .
وإذا كان الفيلق الخامس يقاتل بمفرده، وبدون دعمٍٍ شعبي، حيث أصبح مكشوفاً، كفصيلٍ “روسيٍّ”، فإنّ فصائل السويداء تقاتل هي و أهالي المحافظة.
لهذا وجدنا الداعمين للمعارك التي جرت فوق تراب السويداء، من كلّ الأطياف، موالين ومعارضين، مسلحين ومدنيين؛ على الرغم من الاختلاف ،هذا بين المحافظتين، فإنّ التأسيس لإشكاليات التطييف حدث ويحدث ؛ وهو بكلّ حالٍ ليس جديداً.
ولكنّ المفاوضات المستقبلية بين النظام وإسرائيل، وبرعايةٍ روسية وأمريكية، تفترض سيطرة روسية كاملة على الجنوب السوري، وهذا ما ترفضه إيران والنظام معاً. الأخيرات تريد إنهاء الفيلق الخامس، والذي “يمثل السنة” ويهاجم الأغلبية الدرزية في محافظة السويداء نعم سيتمُّ تصوير الأمر كذلك، وستَدعم تفكيراً كهذا القوى الطائفية من الجهتين، وكذلك كلُّ من روسيا وإيران. مجدّداً، الإشكال الذي لا يجد له حلاً، أنّ روسيا ليست مستعدّة لفتح معركة كاملة مع إيران وزيادة الضغط على النظام، وإيران ليست مستعدّة للتخلّي عن أيّ منطقةٍ في سوريا، حيث ستتهمّش بالتأكيد ،وهو مطلب دولي لتهميش إيران المتلاشية في أنظمتها العسكرية و المدنية.
ولهذا نراها ترفض الخروج الكامل من درعا، وتحاول التمركز في السويداء، وهذا وجه من أوجه المعركة الأخيرة، وهي تدفع كذلك إلى حربٍ جديدة في إدلب وشرق سوريا، وأيضاً نراها تنتقم من بلدات سورية “سنية” بقصد الانتقام وإثارة المشكلات الطائفية، وهذه هي بضاعتها الأساسية ،التي تقوم بعرضها في المنطقة، وذلك فيما الصراع “سنيّاً درزيّاً”، و”ليس بين درعا والسويداء” وإنما هو في عمقه يتمّ بأدواتٍ من المحافظتين ؛؛ وبلعبة قذرة يتمّ تداولها بأيادٍ روسيّة وإيرانيّة ،، وبغرض تغيير المعطيات على الأرض، والتقدّم نحو الشرط الأمريكي والتطبيع مع إسرائيل، وتنظيف الجنوب السوري بأكمله من الوجود الإيراني !
روسيا وإيران ليستا مهتمتين أبداً بالشعب السوري وبالمحافظتين من أصله، يتركّز اهتمامهما على تعزيز مناطق نفوذهما ؛؛
على الرغم من الدم الذي سال بين المحافظتين ، هناك مجموعة من الأعيان والوطنيين يحاولون التفاوض لوقف حمام الدم الذي تغتسل به كلا الدولتين.
وتعمل هذه المجموعات الوطنية على اتجاهٍ يضمن سلامة المجتمع المحلي، وتعايش السهل والجبل، والحفاظ على مصالح الناس، وتهميش النزعات الطائفية. لهذا الاتجاه أنصار كثر في درعا والسويداء، ولكن هناك اتجاه مضادٌّ له مدعوماً من روسيا وإيران ؛وهما مَن تجدّد ذلك الصراع و تؤجّجه بين الفينة و الاخرى .
أما الآن هناك قضية معقدة، تسليح الفيلق الخامس أفضل من السلاح في السويداء، فهل ستعمل إيران والنظام على تعزيز نوعية السلاح في هذه المدينة، وإشعال حربٍ أكثر خطورة مما كان في السنوات السابقة !!
ليس هذا ضرباً في الخيال، فهو يتمّ حالياً، سيما أنّ روسيا وإيران ليستا مهتمتين أبداً بالشعب السوري وبالمحافظتين من أصله، حيث يتركّز اهتمامهما على تعزيز مناطق النفوذ لهما، وبالتالي هناك خطورة حقيقية من تطوّر الصراع مستقبلاً بين المحافظتين، ولو خفتَ حالياً، وستكون حصيلته حينها: قتلى أكثر ودمار للمنازل وللمحاصيل
و تدمير حقيقي للمواطن السوري في هذه المنطقة و في كلّ المناطق السورية المتنازعة و المتنازع عليها ..
بدورنا نشكر و نهيب بالشرفاء و الوطنيين من المحافظتين، وفي كلّ سوريا، الذين يرفضون التسليح، ويرفضون التطييف، ويسعون من أجل السلم الأهلي،
عاش السلام و عاشت سوريا حرة مستقلة مزيّنة بكل أطيافها و أقلياتها و قومياتها و بشعبها الحرّ المناضل ..
جريدة يكيتي العدد 289