آراء

النظام الإيراني هو البلاء الأعظم للمنطقة والوجه الأسود للدولة المدافعة عن المظلومين

جوان ولي

لا يخفى على أحد حجم التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة من خلال خلق مجموعات تابعة لها سواءً كانت تبعبة عقائدية أو كمصلحة متبادلة، وقد نجحت إيران بشكلٍ مميز في ذلك حيث تتحرّك عدة مجموعات بأوامرها، كحزب الله في لبنان و الحوثيين في اليمن و حماس في غزة و الحشد الشعبي و مجموعات أخرى، بما فيها ال ب ك ك في العراق و سوريا.

وتعتمد ايران استراتيجية نشر الخوف من الحرب بين الإيرانيين لكسب دعمهم لسياساتها الخارجية ، حيث أنّ الدعم الذي يتمّ تقديمه لهذه المجموعات إنما يذهب على حساب رفاهية الشعب الإيراني ويتمّ تقديم الدعم لمجموعاتها التي خلقت من قبلها في بعض دول المنطقة لتكون أدواتها في صراعات تخدم أهدافها في تحقيق مكانة مهمة لها بين دول الجوار لتستطيع أن تكون بمستوى يمكنها إجراء مقايضات مع الكبار.

لمعرفة خلفية تدخلات إيران في دول المنطقة علينا التعرف على الحرس الثوري الإيراني، و هو أحد فروع القوات المسلحة الإيرانية التي تأسست بعد (الثورة الإسلامية الإيرانية) بأمرٍ من آية الله الخميني. ففي حين يقوم جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية النظامي بالدفاع عن الحدود الإيرانية وحفظ النظام الداخلي وفقاً للدستور الإيراني، يقوم الحرس الثوري بحماية نظام الجمهورية الإسلامية في الداخل والخارج.

العقيدة التي بني على أساسها الحرس الثوري الإيراني ألا و هي حماية نظام الجمهورية الإسلامية و الذي يشرحه النظام الإيراني بأنه يحمي المسلمين المظلومين دون حصرها ضمن حدود إيران، توضّح الكثير من إشارات الاستفهام و التساؤلات المطروحة بخصوص مبررات إيران بخصوص التدخل في كلّ هذه البلدان.

عند ذكر هذه المسالة لا بدّ أنّ المتابعين لشؤون كُردستان سوريا يتذكّرون أسطوانة أخوة الشعوب التي يتبنّاها حزب الاتحاد الديمقراطي و ال ب ك ك حيث يتبنّون مشروع أممي تتخطى حدود مناطق سيطرتهم ،و يبدو أنّ هذه الاستراتيجة مقتبسة من النظام الإيراني.

الحقيقة الواضحة أنّ الحرس الثوري الإيراني بتدخلاته لم ينصر المظلومين لا بل هو المتسبب الأكبر للنزيف الجاري في البلدان المذكورة و بما أنّ الدافع العقائدي هو الذي يحرّك غالبية تلك المجموعات، فإنّ التضحية بكلّ شيء من أجل حماية نظام الجمهورية الإسلامي في ايران أمر مبرر عندهم.

ايران استطاعت أن تجعل تلك المجموعات منافسة للدول التي تنتمي إليها ،بل أصبحت المسيطرة على قرار تلك الدول بحيث يمكن لإيران تحريك تلك المجموعات لتلبية ما تريده حتى وإن كانت نتيجة تلك التحركات انهيار تلك الدول و فناء مئات الآلاف من أتباعها و حرب غزة أكبر دليل على ذلك.

أيران و من خلال أذرعها في الدول المذكورة تسبّبت في صراعات دامية و استغلت تلك الدول بشكلٍ مافيوي حيث أنها و على سبيل المثال من خلال حزب الله قامت باستغلال الأزمة الاقتصادية في لبنان وزيادة حدّتها واستنزاف احتياطي مصرف لبنان من الدولار لتعزيز قوته المالية ولا سيما في ظلّ العقوبات الخارجية المفروضة على الحزب لمحاصرة مصادر تمويله.

بحسب مسؤولين لبنانيين أن ّ الصرّافين التابعين لحزب الله يقومون بتحويل حقائبهم بالدولار إلى الليرة اللبنانية ويمنح الدولار إلى صيارفة حزب الله الذين يذهبون به إلى إيران وسوريا ويدفع منه الرواتب خصوصاً للمسلحين.

بالإضافة إلى ما تمّ ذكره فإنّ حالة عدم الاستقرار و فقدان الأمان كانت كفيلة بانهيار اقتصاد لبنان ، و كلّ ذلك بتوجيه من إيران من خلال حزب الله.

أما بخصوص تدخل إيران في العراق و سوريا و اليمن فقد تجاوز ما وصل إليه لبنان حيث أصبحت هذه الدول أمثلة واضحة على سواد المشروع الإيراني. حيث تقوم إيران بإثارة صراعات داخلية مدمرة في هذه الدول من جهة و من جهة أخرى تحرّك أتباعها ضد القوة الاقليمية والدولية على أرض تلك الدول و الغريب في تلك الصراعات أنّ إيران و رغم أنها من تتخذ قرارات الحرب تبقى خارجة عنه و تتفرّج على حالة الدمار و القتل و هجمات جماعاتها على قوات التحالف في سوريا و العراق و رد أمريكا على تلك الهجمات هو نوع من نشر الفوضى ، و كلّ هذا دون أن تدخل ايران في أي مواجهة مباشرة.

بالتاكيد هناك مَن يسأل: كيف تستطيع ايران تحقيق ذلك من دون التورط بشكل مباشر؟

هنا علينا أن نذكر أنّ مصالح إيران تتلاقى مع مصالح دول عظمى و التي من المفروض أنهم أعدائها فكما من مصلحة ايران أن تكون صاحبة التأثير في المنطقة فمن مصلحة أمريكا أن يكون هناك حالة عدم استقرار لتستطيع التدخل من دون حرج في المنطقة و لذلك فإنّ تحركات إيران من خلال مجموعاتها و إن كانت ضد مصالح أمريكا من جهة إلا أنها تخدمها من جهة أخرى و بما أنّ خسائر إيران و أمريكا مقارنةً مع حجم فائدتها صغيرة فإنّ ذلك يبرّر الهدف من عدم حدوث مواجهة مباشرة بين الطرفين.

ما هي مصلحة إيران من التدخلات في شؤون تلك الدول؟

إيران تصدر دائماً المشاكل إلى دول الجوار كنوع من استراتيجيتها لتكون الحرب خارج حدودها و لا يمكن أن تلعب الدور الذي تريده من دون إضعاف الدول العربية. ولو تعمّقنا في هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لتوصّلنا إلى أنّ الدول المتضرّرة من تلك الهجمات إنما هي الدول المطلة على البحر الأحمر و أكثر المتضررين هو مصر و ذلك بسبب ازدياد خسائر مصر من البحر الأحمر و قناة السويس. وبحسب صحيفة (نيويورك تايمز) في تقرير نشرته بتاريخ 21.01.2024، إنّ الحرب في غزة ألحقت ضرراً اقتصادياً واضحاً بثلاث دول لديها حدود مع إسرائيل، وهي مصر ولبنان والأردن. ووفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للتنمية، التي أوردها تقرير الصحيفة، فإنّ تكلفة الحرب في غزة بالنسبة لمصر و لبنان و الأردن بلغت 10.3 مليارات دولار خلال 3 أشهر، ما يعادل 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول.

لقد أبدعت إيران في التدخل في الدول العربية و بالفعل أصبحت تسيطر عليها بشكلٍ لا يمكن لتلك الدول اتخاذ القرارات الاستراتيجة.

كلنا نعلم أنّ حزب الله هو من يأخذ قرار الحرب و السلم في لبنان و الحوثيين في اليمن و ال ب ك ك في كُردستان سوريا و حماس في غزة و المجموعات المرتبطة بأيران هي من تتحكّم بالعراق. أما سوريا في مناطق النظام فإيران تتقاسم السلطة مع روسيا و النظام السوري أصبح وجوده شكلياً .

أكبر دليل على هذا الكلام هو الحروب التي أشعلها و يشعلها حزب الله منذ أعوام مع إسرائيل و هجوم حماس على إسرائيل في 07.10.2023 و النتائج التي أدّت إليها هذه الحرب تبهر المتابعين بدرجة استهتار إيران بدماء هذه الشعوب التي يتبنّى النظام الإيراني قضاياهم في الظاهر و لكنها تسحق مستقبلهم في الواقع، و ما يحصل في غزة ليس إلا أحد المجازر التي تتمّ بإيعاز من ايران و قد صرّح مسؤولون كبار في الحرس الثوري بأنّ هجوم حماس على اسرائيل في 07.10.2023 كان رداً على مقتل قاسم سليماني. عندما نتخيّل أن يكون كل الدمار الذي يحصل في غزة هو انتقام لمقتل قاسم سليماني فإننا نرى حقيقة مدى رخص دم هؤلاء الأبرياء الذين من المفروض أنّ إيران تدافع عنهم أمام مصالح إيران.

في العراق لم يكن الوضع مغاير فقد استغلّت إيران تراجع الوجود الأمريكي في العراق لتتوغّل في الدولة العراقية و تجاوز دورها الحالة العادية حتى وصل بها الأمر لتحديد المجموعات الحاكمة فيها.

قبل عدة ايام تعرّضت أربيل عاصمة إقليم كُردستان العراق لهجمات إيرانية وهي ليست الأولى و الظاهر أنّ إيران غير مرتاحة للحالة المستقرة للاقليم رغم كلّ الضغوطات من قبل الأحزاب السياسية العراقية و المجموعات المسلحة المرتبطة بأيران. لم يبقَ شيء و لم تحاول إيران عمله ضد مصالح اقليم كُردستان من خلال أذرعها في العراق سواءً من خلال دفع المركز إلى قطع رواتب الموظفين أو إصدار قرارات من المحكمة الاتحادية تهدف إلى تقليص صلاحيات الإقليم أو من خلال الهجمات بالمسيرات على عاصمة إقليم كُردستان أو دفع ال ب ك ك للعمل لإعطاء تركيا الذرائع لقصف الإقليم و العمل على تقطيع كُردستان العراق و هي موجودة في شنكال و تحاول ترسيخ سيطرتها في مناطق حزب الاتحاد الوطني.

إنّ متابعة الواقع السياسي من دون التعمق في فنونها و أصولها و عدم إتقان مبدأ المصالح بين الدول في التعامل مع الأمور تجعل من مواقف الدول عملية معقدة و غير منطقيةو تصبح التحركات التي قد يرى أحدنا فيها مصلحته اليوم مختلفة و يكون التقييم لنفس الموضوع مختلف بعد فترة و تحت ظروف جديدة.

العبرة من كل هذا هي أنّ العرب يحاربون أبناء جلدتهم لصالح إيران و الكُرد يحاربون الكُرد لصالح إيران و أيران و أمريكا تلعبان لعبة الأعداء في الظاهر و يحقّقون مصالحهم في الخفاء و تبقى إيران الوجه الأسود للمدافع عن حق المظلومين في المنطقة.

النظام الذي يضحّي بهذا الكم من الأرواح و يتسبّب في هذا الحجم الكبير من الدمار و التشرد و القتل لأتباعه لا يمكن وصفه بحامي المظلومين و لا يمكنه أن يوصف بنظام إسلامي كون الأديان كلها تدعو الى السلام و لا تفرّط بدم الأبرياء و يبقى هذا النظام هو البلاء الأعظم للمنطقة برمتها.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “316”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى