النظام السوري بين اشتداد العقوبات عليه وانشغال داعميه
عبدالله كدو
شهدت الثورة السورية، منذ انطلاقتها، تغيرات كثيرة في مواقف الدول، نوعاً وسويةً، ومنها تلك المؤثرة بشكلٍ خاص، مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي.
فعندما صعّد النظام من عنفه ضد السوريين المنتفضين سلمياً باعتماده الحل الأمني القمعي، من الاعتقال والقتل والتدمير، بدأت عقوبات دولية، وغيرها، على النظام بسبب الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، منها :
– العقوبات المالية المتمثلة بتجميد أصول النظام والمتعاملين معه، والعقوبات الاقتصادية، والعقوبات المتعلقة بحركة الأشخاص، و العقوبات الديبلوماسية كقطع العلاقات مع النظام.
فقد تم اتخاذ هذه العقوبات من قبل منظمات دولية، مثل الاتحاد الأوربي وجامعة الدول العربية، أو من قبل بعض الدول مثل الولايات المتحدة وكندا و استراليا و تركيا، أما الأمم المتحدة، فلم تتمكّن من فرض أي عقوبات على النظام بسبب استخدام الفيتو الروسي ضدها في مجلس الأمن الدولي.
العقوبات المفروضة من الاتحاد الأوربي:
بدأت العقوبات الأوربية الاقتصادية وغيرها على النظام والكيانات والأفراد الملحقين به منذ أيار عام 2011 ذلك لمنعهم من الاستفادة من موارد قطاعات معينة في تمويل الحرب ضد الشعب السوري.
العقوبات الأمريكية على النظام:
بدأت العقوبات الأمريكية على النظام في عام 1979 حيث وضعته على قائمة الدول الراعية للإرهاب ثم صدرت عقوبات في
2004 ردا على ما أسمته الولايات المتحدة بدعم الإرهاب و مواصلة احتلال لبنان ومتابعة برامج أسلحة الدمار الشامل والتعرض للوجود الأمريكي في العراق، ثم في عام 2006 صدرت عقوبات لمحاسبة الأشخاص الذين شاركوا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
وفي نيسان 2011 تمّ توسيع العقوبات عليه بسبب تصعيد عنفه ضد المنتفضين السوريين الأمر الذي اعتبر تهديداً للأمن والمصالح والسياسة الخارجية الأمريكية.
وفي نهاية 2019 أقرّت عقوبات قيصر، ” سيزر” ضد النظام.
العقوبات الصادرة من جامعة الدول العربية:
في 27 تشرين الثاني 2011 فرضت الجامعة العربية عقوبات على النظام، شملت منع سفر المسؤولين وتجميد أرصدة البنك السوري ومنع تمويل مشاريع للنظام.
وكذلك فرضت تركيا و كندا وأستراليا عقوبات مشابهة عليه، في بدايات الثورة السورية.
وعندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، كان الملف السوري يمرّ في مرحلة فتور كبير، حيث اقتصر الملف على اجتماعات اللجنة الدستورية التي استخدمها النظام كموسيقى تصويرية لمسلسل طويل مؤداه تضييع الوقت في انتظار إعادة تأهيله، ذلك بالضد من مضامين مؤتمر جنيف حول سوريا و القرار الدولي 2254.
ثم جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتكون لحظة انعطافية في مسار القضية السورية، حيث انشغلت روسيا، الداعم الأساس للنظام، بحربها في أوكرانيا، أما إيران فقد انشغلت، هي الأخرى، بمواجهة وقمع انتفاضة الشعوب الإيرانية التي فجّرها استشهاد الفتاة الكُردية الإيرانية جينا أميني، وراحت الولايات تزيد من العقوبات المتوالية على النظام، فبعد عقوبات قيصر أصدرت قانون كبتاغون الأسد القاضي بدعم مكافحة مخدرات النظام.
وبعد أن اصطدم النظام باللاءات الثلاث، للولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، الرافضة لرفع العقوبات والتطبيع وإعادة الإعمار ، قام باجتراح (مأثرة) المخدرات، تصنيعاً وتسويقاً، إلى المحيط وخارجه، لسد الفراغ المالي لدى النظام، ليس هذا وحسب، إنما راح يسعى لعقد شراكات مع بعض الدول في مجال ما سمّاه مكافحة المخدرات التي تستهدف أمنه حسب ادعائه، ذلك بتجنيد مخابراته للتظاهر بالقيام بالوشاية والإخبار عن وصول شحنات من الكبتاغون إلى موانئ و مطارات الدول لعرض التعاون عليها، ذلك في سعيه لابتداع التعويض عن الديبلوماسية السياسية شبه المتوقفة لديه ب”ديبلوماسية المخدرات” الأمر الذي حقّق له عقد تفاهمات واتفاقات مع دول عربية، ومنها الخليجية، تُوّجت بإعادته إلى الجامعة العربية التي كانت قد طردته لأسباب مازالت قائمة وتزداد، أملاً منها، أي الدول العربية، في وقف تصدير الكبتاغون إليها والقبول بإعادة اللاجئين السوريين، لكن عبثاً فإنّ الدلائل تشير بوضوح بأنها ” ستعود بخفّي حنين” لأنّ التهجير غاية لدى النظام لتحقيق “سوريا المفيدة” وليست نتيجة، والكبتاغون ليست إلا وسيلة لاستمرارها…و كذلك تمّ صدور مشروع القانون الأمريكي لمكافحة التطبيع مع النظام ونصّ على:
• أنّ سياسةَ الولايات المتّحدة هي ألا تعترفَ أو تُطبّعَ علاقاتها مع أية حكومة لسوريا يرأسها بشار الأسد، وذلك جرّاءَ جرائم نظام الأسد المستمرّة بحقّ الشعب السّوريّ، ولفشلِ النّظام في تحقيق الشروط التي نصَّ عليها قانون قيصر لرفع العقوبات عنه.
• وأنّ من سياسة الولايات المتّحدة أن تُعارضَ حكومتُها اعترافَ وتطبيعَ علاقاتِ الدّول الأخرى أيضاً مع أيةِ حكومة سورية يرأسها بشار الأسد معارضةً فاعلة ونشطة، بما في ذلك عن طريق تطبيق العقوبات الإلزامية الأوّليّة والثّانويّة المنصوص عليها في قانون قيصر بحقّ المخالفين.
وكذلك أعلنت محكمة العدل الدولية في بيان أن هولندا وكندا تقدمتا بشكوى تتهمان سوريا بـ”التعذيب” و”استخدام أسلحة كيميائية”، داعيتان المحكمة لاتخاذ إجراءات عاجلة، بما في ذلك إصدار أوامر لسوريا بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسّفياً والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز.
من الجدير بالذكر بأنّ كلّ هذه العقوبات ودعوات المحاسبة ضد النظام بهذه الوتيرة السريعة، في خلال الفترة الزمنية التي مرّت على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، إنما تشير إلى أن سوريا أصبحت واحدة من المواقع التي ستستخدم من قبل حكومات الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين للضغط على روسيا، مما يفسر ارتباك دول الجامعة العربية الساعية لتعويم النظام، وكذلك يفسر إصرار النظام على استمرار منع إعادة اللاجئين السوريين وعدم وقف تصنيع وتسويق المخدرات كتعويض مالي عن وقف تمويله من لدن داعميه واستمرار العقوبات و منع إيصال إعادة الإعمار، ذلك في ظل تدني قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي ووقف الخدمات الأساسية وتآكل مشاريع البنية التحتية مما ينذر باحتمال انهيار النظام وخروج مؤيديه عليه قبل معارضيه.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “310“