آراء
النظام والإرهاب وخيارات السوريين المتاحة
دكتور عبدالباسط سيدا
لقد فُرضت العسكرة التي كنا نتخوف منها على الثورة، نتيجة استمرار النظام في القتل، وانشقاق الكثيرين من الضباط والجنود عن الجيش رفضاً منهم إطلاق النار على أهلهم وشعبهم،
لقد فُرضت العسكرة التي كنا نتخوف منها على الثورة، نتيجة استمرار النظام في القتل، وانشقاق الكثيرين من الضباط والجنود عن الجيش رفضاً منهم إطلاق النار على أهلهم وشعبهم،
والإعلان عن تشكيل الجيش الحر الذي كان وما زال بمثابة حالة تحمل اسماً رمزياً يعتز به السوريون، ولكنه لا يجسّد قوة منظمة مؤسساتية منضبطة، وذلك نتيجة ضعف الإمكانات التي طالبنا بها مراراً، ولكننا لم نصل إلى المطلوب لأسباب قد تصبح معلومة شفافة في مقبل الأيام.
ومع تزايد عدد المنشقين، قررنا في المجلس الوطني السوري، على رغم موقفنا الرسمي المناهض للعسكرة، التواصل مع القيادات الأولى للجيش الحر، وذلك بغية التنسيق وتنظيم العلاقة في ما بيننا، والاتفاق على استراتيجية عامة سياسية – ميدانية. لكن الإمكانات المحدودة لم تكن تسمح لنا بتلبية الاحتياجات المطلوبة. وقد حاولنا كثيراً مع الأشقاء والأصدقاء الحصول على دعم نقدمه من خلال المجلس – وليس بعيداً منه – للأعداد المتزايدة من الضباط والجنود المنشقين الذين كانوا في غالبيتهم من المعتدلين الملتزمين بالمشروع الوطني السوري المدني. ولم يكن هناك أي وجود فاعل للمتطرفين في ذلك الحين (2011 – 2012). غير أننا كنا نتحسّب لذلك، ونبهنا الجميع إلى أن التطرف آتٍ طالما أن وحشية النظام في تصاعد، وكذلك سلبية المجتمع الدولي. لكن، وبكل أسف لم نتمكن من الحصول على المطلوب، على رغم وجود مئات الضباط وآلاف الجنود من مختلف الاختصاصات، إلى جانب العشرات من الضباط الأمراء ممن كان في مقدورهم تشكيل جيش حقيقي، مكوّن من العسكريين المهنيين، وليس من الأطباء والمزارعين والأكاديميين…
ومع عدم حصول المجلس على الإمكانات المطلوبة لدعم الجيش الحر، كانت هناك حالة تواصل مع القوى الميدانية من خارج المجلس، الأمر الذي أسس لعلاقة تفارقية بين السياسيين والعسكريين، وأدى إلى تشكّل حالة ميدانية بعيدة من الاستراتيجية الوطنية العامة التي كان المجلس ينطلق منها، ويعمل على تطويرها. وبمرور الوقت، ازداد عدد الجماعات المسلحة، وتداخلت أسماؤها وتحالفاتها، وأصبحنا أمام حالة من الفوضى، ساهم فيها بعض المسؤولين عن الملف العسكري بجوانبه المختلفة. وفي ظل هذه الفوضى، تمكنت القوى المتطرفة من الدخول إلى الميدان، وحصلت على الدعم من جانب جهات غير رسمية ومجهولة الهوية. ومع ذلك، لم تكن هذه القوى بذلك الحجم الذي كان يخشى منه، إلا أن ماكينة إعلام النظام كانت تهوّل بحجم هذه القوى، وكان هناك تركيز خاص على «جبهة النصرة»، الأمر الذي كان يؤكد توجه النظام إلى تطوير استراتيجيته الأساسية – استراتيجية الربط بين الثورة والإرهاب – وذلك عبر تقديم نماذج ميدانية، تثبت للرأي العام العالمي أن القوى الفاعلة هي إرهابية، إجرامية.
وفي خضم حالة الفوضى، ووضعية التقصّد في عملية منع الدعم عن القوى المعتدلة، بدأ صوت التطرف يعلو، وبدأ حلفاء النظام – بخاصة روسيا – الذين كانوا سابقاً في حالة دفاع عن النفس على المستوى الأخلاقي والقيمي، يطالبون بتحرك مشترك من جانب النظام والمعارضة ضد «آكلي قلوب البشر» وفق تصريحات المسؤولين الروس.
واليوم بعد أن سيطر تنظيم «داعش» على مساحات واسعة من الأراضي المحررة، وذلك بموجب تناغم لافت بينه وبين النظام في معظم الأوقات، يُلاحظ أن استراتيجية الأخير وحلفائه انتقلت إلى مرحلة جديدة، تتسم بالتركيز على أن الصراع بات بين النظام نفسه وبين تنظيم «داعش»، وأن المعارضة المعتدلة لم يعد لها أي دور فاعل، إن لم نقل لم يعد لها أي وجود. وهذا مآله وضع المجتمع الدولي أمام اختيارين سيئين، ودفعه نحو اختيار الأقل سوءاً: إما الطاغية أو الإرهاب. ومن الواضح أن الهدف الأساسي من هذا الطرح هو إعطاء النظام دوراً – مع أو من دون بشار الأسد – في عملية مواجهة الإرهاب الذي يعلم الجميع كيف صُنع وروّج، ولماذا استفحل.
أما بالنسبة إلى الشعب السوري، فهو يعاني اليوم من الطاغية الإرهابي المتمثّل في النظام، والإرهاب البدائي المتجسد في «داعش» وأشباهه. وهذا مع أن جهوداً تبذل على مستويات متعددة من أجل إقناع هذا الشعب بالتصالح مع النظام في مواجهة الكوارث المترتبة على استفحال الإرهاب. لكن هذه الاستراتيجية الرغبوية تظل ملك أصحابها، وهي غير قابلة للتطبيق على بلد نصفه مدمّر، ونصف شعبه مشرد، والنصف الآخر محبط، واقتصاده منهار، ومئات الآلاف من أبنائه وبنـــاته بين قتيل ومغيّب ومعتقل معوّق. إن شعباً عانى كل هذه المعاناة، وضحى كل هذه التضحيات لم ولن يقبل – مهما كانت الظروف – بأن يظل المسؤول الأول عن إرهاب الطغيان وطغيان الإرهاب في دفة الحكم.
المعارضة المعتدلة موجودة، ولكنها تعاني من نقص في الإمكانات، ومن إرباك على مستوى التنظيم نتيجة أخطاء أصحاب الإمكانات، وتدخلاتهم غير المسوّغة. أما الإرهاب «الداعشي»، فهو ظاهرة طارئة على المجتمع السوري، وهي سيزول بزوال أسبابه الطارئة أيضاً. ومن السهل جداً أن نوزّع الاتهامات، ونبحث عن الذرائع للتنصل، ولكن من الصعب جداً أن يعترف المرء بأخطائه، بخاصة إذا كانت كبرى، ونتائجها مدمّرة. وفي جميع الأحوال يبقى من حق الشعب السوري أن يقرر مصيره بعيداً من القفص البغيض.
الحياة
ومع تزايد عدد المنشقين، قررنا في المجلس الوطني السوري، على رغم موقفنا الرسمي المناهض للعسكرة، التواصل مع القيادات الأولى للجيش الحر، وذلك بغية التنسيق وتنظيم العلاقة في ما بيننا، والاتفاق على استراتيجية عامة سياسية – ميدانية. لكن الإمكانات المحدودة لم تكن تسمح لنا بتلبية الاحتياجات المطلوبة. وقد حاولنا كثيراً مع الأشقاء والأصدقاء الحصول على دعم نقدمه من خلال المجلس – وليس بعيداً منه – للأعداد المتزايدة من الضباط والجنود المنشقين الذين كانوا في غالبيتهم من المعتدلين الملتزمين بالمشروع الوطني السوري المدني. ولم يكن هناك أي وجود فاعل للمتطرفين في ذلك الحين (2011 – 2012). غير أننا كنا نتحسّب لذلك، ونبهنا الجميع إلى أن التطرف آتٍ طالما أن وحشية النظام في تصاعد، وكذلك سلبية المجتمع الدولي. لكن، وبكل أسف لم نتمكن من الحصول على المطلوب، على رغم وجود مئات الضباط وآلاف الجنود من مختلف الاختصاصات، إلى جانب العشرات من الضباط الأمراء ممن كان في مقدورهم تشكيل جيش حقيقي، مكوّن من العسكريين المهنيين، وليس من الأطباء والمزارعين والأكاديميين…
ومع عدم حصول المجلس على الإمكانات المطلوبة لدعم الجيش الحر، كانت هناك حالة تواصل مع القوى الميدانية من خارج المجلس، الأمر الذي أسس لعلاقة تفارقية بين السياسيين والعسكريين، وأدى إلى تشكّل حالة ميدانية بعيدة من الاستراتيجية الوطنية العامة التي كان المجلس ينطلق منها، ويعمل على تطويرها. وبمرور الوقت، ازداد عدد الجماعات المسلحة، وتداخلت أسماؤها وتحالفاتها، وأصبحنا أمام حالة من الفوضى، ساهم فيها بعض المسؤولين عن الملف العسكري بجوانبه المختلفة. وفي ظل هذه الفوضى، تمكنت القوى المتطرفة من الدخول إلى الميدان، وحصلت على الدعم من جانب جهات غير رسمية ومجهولة الهوية. ومع ذلك، لم تكن هذه القوى بذلك الحجم الذي كان يخشى منه، إلا أن ماكينة إعلام النظام كانت تهوّل بحجم هذه القوى، وكان هناك تركيز خاص على «جبهة النصرة»، الأمر الذي كان يؤكد توجه النظام إلى تطوير استراتيجيته الأساسية – استراتيجية الربط بين الثورة والإرهاب – وذلك عبر تقديم نماذج ميدانية، تثبت للرأي العام العالمي أن القوى الفاعلة هي إرهابية، إجرامية.
وفي خضم حالة الفوضى، ووضعية التقصّد في عملية منع الدعم عن القوى المعتدلة، بدأ صوت التطرف يعلو، وبدأ حلفاء النظام – بخاصة روسيا – الذين كانوا سابقاً في حالة دفاع عن النفس على المستوى الأخلاقي والقيمي، يطالبون بتحرك مشترك من جانب النظام والمعارضة ضد «آكلي قلوب البشر» وفق تصريحات المسؤولين الروس.
واليوم بعد أن سيطر تنظيم «داعش» على مساحات واسعة من الأراضي المحررة، وذلك بموجب تناغم لافت بينه وبين النظام في معظم الأوقات، يُلاحظ أن استراتيجية الأخير وحلفائه انتقلت إلى مرحلة جديدة، تتسم بالتركيز على أن الصراع بات بين النظام نفسه وبين تنظيم «داعش»، وأن المعارضة المعتدلة لم يعد لها أي دور فاعل، إن لم نقل لم يعد لها أي وجود. وهذا مآله وضع المجتمع الدولي أمام اختيارين سيئين، ودفعه نحو اختيار الأقل سوءاً: إما الطاغية أو الإرهاب. ومن الواضح أن الهدف الأساسي من هذا الطرح هو إعطاء النظام دوراً – مع أو من دون بشار الأسد – في عملية مواجهة الإرهاب الذي يعلم الجميع كيف صُنع وروّج، ولماذا استفحل.
أما بالنسبة إلى الشعب السوري، فهو يعاني اليوم من الطاغية الإرهابي المتمثّل في النظام، والإرهاب البدائي المتجسد في «داعش» وأشباهه. وهذا مع أن جهوداً تبذل على مستويات متعددة من أجل إقناع هذا الشعب بالتصالح مع النظام في مواجهة الكوارث المترتبة على استفحال الإرهاب. لكن هذه الاستراتيجية الرغبوية تظل ملك أصحابها، وهي غير قابلة للتطبيق على بلد نصفه مدمّر، ونصف شعبه مشرد، والنصف الآخر محبط، واقتصاده منهار، ومئات الآلاف من أبنائه وبنـــاته بين قتيل ومغيّب ومعتقل معوّق. إن شعباً عانى كل هذه المعاناة، وضحى كل هذه التضحيات لم ولن يقبل – مهما كانت الظروف – بأن يظل المسؤول الأول عن إرهاب الطغيان وطغيان الإرهاب في دفة الحكم.
المعارضة المعتدلة موجودة، ولكنها تعاني من نقص في الإمكانات، ومن إرباك على مستوى التنظيم نتيجة أخطاء أصحاب الإمكانات، وتدخلاتهم غير المسوّغة. أما الإرهاب «الداعشي»، فهو ظاهرة طارئة على المجتمع السوري، وهي سيزول بزوال أسبابه الطارئة أيضاً. ومن السهل جداً أن نوزّع الاتهامات، ونبحث عن الذرائع للتنصل، ولكن من الصعب جداً أن يعترف المرء بأخطائه، بخاصة إذا كانت كبرى، ونتائجها مدمّرة. وفي جميع الأحوال يبقى من حق الشعب السوري أن يقرر مصيره بعيداً من القفص البغيض.
الحياة