آراء

الواقعية والتجديد

حسن سعدون _مؤسس حزب الحريه والسلام _فرنسا

في ظلّ هذا التزاحم بين القوى الدولية وصراعها القائم على المصالح واكتشاف الأهمية الجغرافية لمنطقتنا العربية، من اليمن إلى شمال شرق سوريا، والتنافس على خارطة الطرق التي يتمّ الحديث عنها ومن الأكثر قدرةً على السيطرة عليها تتمّ الآن عملية الاصطفافات الجديدة كمنتج لها، وفي ظلّ ذلك ومن أجل تثبيت تلك المصالح لايلحط أي أثر لرأي شعوب المنطقة أو مشاركتها في هذه التغيرات على الأرض، حيث يلاحظ واقعياً الآن التواجد الميداني على الأرض لكلٍّ من الأمريكي والروسي المتنافسين الرئيسيين على المنطقة يشاركهما بعض الدول الإقليمية التي ازداد نفوذها معتمدةً على بعض الايديولوحيا السياسية التي ربطت واستغلّت مشاعر الناس الدينية واستثمرتها سياسياً ونفوذاً في البلاد العربية، وهنا بالتحديد يذكر الدور الإيراني المدمّر لأي تطلع لشعوب المنطقة نحو السلام والأمن والازدهار والتنمية، وكذلك الدور التركي الساعي إلى سيادة قرار المنطقة الإقليمي.

هذا التواجد والتدخل المباشر على الأرض أدّى إلى زوال نواة الدولة الوطنية في كلّ الدول العربية التي تعاني الان من فقدان شرعية السلطات القائمة، وقيام كيانات وسلطات أمر واقع موازية وغير شرعية أيضاً في تلك الدول (سوريا _لبنان _اليمن_العراق_السودان).

ما يلحظ واقعياً ومن خلال الواقع المعاش للناس الحاجة إلى قانون الدولة العام ؛ لما فيه من ضبطٍ متوازي وعادل لإدارة الدولة والحفاظ على أمن الناس واستمرار قدرتهم على العيش والحياة.

الواقع الآن الواقعية تقول :لا رأي لشعوب المنطقة في المنطقة، ولا في كلّ ما يجري من قتلٍ ودمار وتشريد، ولم يؤخذ رأيها في كلّ ما يحدث، بل هي الوقود والأداة لتلك القوى المتصارعة على النفوذ.

لم يعد للقوى الشعبية أي هامشٍ للعمل والأمل ببناء مستقبلٍ أفضل إلا بقرارٍ جديد من قادتها ونخبها الفكرية والسياسية بالتخلي عن أجندتها التي ظهر أنها كانت مرتبطة بشكلٍ أو بآخر لأجندات مدمّرة للشعوب والبلاد ناشرةً للإرهاب والقتل والجريمة، محرّضةً على خطاب الكراهية والبغض وإفناء الآخر المختلف عنها دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً.

إنّ الحرية في القرارات وعدم قبول التعليب والتابعية لأيٍّ كان ولأيّ فكرٍ استبدادي فردي متضخم هي السمة الأولى للتجديد.

إنّ الولاء ثم الولاء للدولة الوطنية ولحرية وكرامة المواطن والحفاظ على وحدة تراب الوطن ووحدة الشعب مع احترام خصوصية جميع مكوناته واحترام القانون العام للدولة وترسيخ العدالة والسلم الأهلي من سمات التجديد الفكري لقيام الدولة العصرية الحديثة.

يظهر بوضوح في سوريا تدني مستوى الدخل وانهيار الاقتصاد ونهب الثروات الذي كان ومازال مستمراً لدى نظام الاستبداد الشمولي، واستمرّ الآن بشراسةٍ أكثر لدى سلطات الأمر الواقع الموازية. وقد لوحظ أخيراً العودة إلى الولاءات ماقبل المدنية /الطائفة/العشيرة/المذهب الخ/.

ومع كلّ الاحترام لقيم نبيلة محددة في كلّ هذه التركيبات إلا أنها غير جديرة بقيادة وتنظيم المجتمع والدولة المدنية العصرية الحضارية المتطورة.

واقعياً لا يمكن بناء دول ومجتمعات ومستقبل أجيال تحت وطأة الظلم والقهر والجوع وانعدام الأمن والقانون العام للدولة.
مَن يعيد للأجيال التي فقدت مستقبلها، ومنذ ٢٠١١ في سوريا وفي بلاد اللجوء والخيام؟

وجاء كلّ ذلك نتيجة تعدد السلطات وكثرة الحواجز والآن كثرة الأقاليم الجديدة في سوريا.

نتيجة هذا الأمر الواقع هو غياب الدولة الوطنية، الواقعية الجديدة تتطلّب العمل على إيجاد هذه الدولة الوطنية السورية الواحدة المحرّرة من الاحتلالات والمليشيات ،مع الأخذ بعين الاعتبار عدم رد الشرعية لنظام الاستبداد والإجرام الذي فقد شرعيته منذ الطلقة الأولى وقتل أول متظاهر سلمي سوري .

واقعياً القرار السوري المستقل غائب لدى بقايا النظام وكذلك غائب ومشوّه لدى المعارضة المشكّلة بعد٢٠١١.

التجديد الذي أدعو إليه هو تجديد خطاب وموقف جميع القوى السياسية والنخب الفكرية والشخصيات الاجتماعية وقوى المجتمع المدني بما يحقّق عودة سوريا دولة واحدة موحّدة حرّة مستقلة.

التجديد يتطلّب تجاوز النخب والقيادات السورية كلّ أسباب الخلاف بينها حول تفاصيل صغيرة ؛ لأنّ وحدة وحرية سوريا أهم من الجميع.

لا يقبل أي سوري وطني حقيقي استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه الآن وبكلّ بقاع الجغرافيا السورية.
سوريا يجب أن تعود واحدة موحّدة في مرحلة انتقالية تقودها هيئة حكم انتقالي تنجز دستوراً للبلاد يحقّق العدالة والمساواة بين المواطنين السوريين بما ينسجم مع شرعة حقوق الإنسان، دستوراً يحترم خصوصية مكونات الشعب السوري، ويؤكّد على السلم الأهلي والتنمية والعدالة في توزيع الثروة، نظام سياسي اقتصادي ليبرالي حرّ جديد..

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “318

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى