الورقة الكردية والتحالفات الإقليمية
محمد رمضان
لم يكن من المستبعد منذ بداية الأزمة في المنطقة انطلاقا من العراق بدايات التسعينات من القرن الماضي، ومرورا بسوريا ومصر وليبيا واليمن ،أن تظهر قوى إقليمية جديدة لديها مطامع بالمفهوم الاستعماري، ولا بد لها أن تسعى بشتى السبل لتمزيق و تأليب الشعوب على بعضها البعض عن طريق إظهار الفوارق والانقسامات العمودية بين المجتمع الواحد ايضاً.
مع علمنا المسبق أن معظم التوازنات الإقليمية والمساومات والمقايضات الدولية تقوم وتتغذى على دماء الشعوب ومصالحها، حتى الشعوب الحاكمة لأمرها بصورة ظاهرية أيضا لم تستثني من الفقر والقمع والنزوح والصراعات المذهبية والمناطقية والقبلية والطائفية أثناء استفحال هكذا أزمات متعددة الأطراف والأهداف ، فالمرحلة الحالية التي سميت بالربيع العربي عمقت وأظهرت الخلافات العميقة بين مكونات المنطقة والتي كانت متوارية حقبة لا بأس بها خلف الذاكرة المثقلة بالدماء والمباديء والظلم لحقبة الاستعمارية، فيما استغلت الأنظمة الحاكمة تلك المشاعر العفوية لشعوبها و أغرقتها في الجهل و التهميش والفقر والخوف من المستقبل وزرع الفتن وكأنها ضريبة وعقوبة لهذه الشعوب التي حملت في قلبها حب الوطن ونبذ الاستغلال والامتهان من قبل المستعمر والمستغل والغازي.
وبعد تبلور الوعي الإنساني بمزايا الإيمان بالقيم الديمقراطية والحريات العامة والتكافؤ والتعايش وتجسيدها في واقعها من احل خلق التنمية المستدامة، دفعت الشعوب إلى البحث عن أساليب الحكم الحديثة المبنية على التداول السلمي للسلطات وسيادة القانون وإنشاء دولة المواطنة، مما أدت إلى الاصطدام بالحكومات القمعية الشمولية التي بدورها سعت بكل السبل إلى تشويه ثورات الشعوب من أجل حقوقها المتنافية مع عقلية الطغيان والاستبداد ،مما تحولت الثورات عن أهدافها الأساسية وغاصت في التناحر والصراع العقيم والدماء كما لو أن أهداف الثورة كانت هي القتل والتدمير ،، وكما يبدو العقلية الحاكمة في إيران وتركيا ما زالتا تعمل في نفس الاتجاه العكسي بآمال الشعوب، كونها تسعى إلى بناء التحالفات والتفاهمات وتحقيق التوازن الإقليمي على حساب الشعوب المنطقة، لا بل حتى على حساب شعوبها، وكما لو أن الكردي لا يحظى بحق المواطنة في كل من تركيا وإيران، وكل منهم يسعيان إلى إعادة إنتاج الدولة البوليسية القمعية ، فهذان القوتان اليوم تسعيان إلى تقاسم المصالح على حساب الشعب الكردي في المنطقة ظنا منهما أن الأقدام على الأمر كهذا سوف تجلب الرخاء و الاستقرار للدولتين او لباقي شعوب المنطقة ،ا ففي بنود التفاهم التركي الإيراني ثمة كلمة حق يراد بها الباطل، (وحدة الأراضي السورية) الأمر الذي لم يكن يوما ما موضع المساومة والجدال بين مكونات الشعب السوري، وإذا كان الأمر تحمل محتوى أخلاقي عميق تفوق قدراتنا الأخلاقية ، فلماذا تزج إيران بمختلف المرتزقة من الأفغان والفرس والميلشيات الطائفية التي ارتكبت أشنع الجرائم بحق الشعب السوري كما فعلت بالعراق وتفعل في اليمن حاليا وتحت نفس الذريعة وحدة الأراضي العراقية والسورية واليمنية، وفي المقابل تركيا هي التي أدخلت الثورة السورية في متاهة العسكرة وهي التي أسندت الانتهازيين وصنعت الآلاف من أمراء الحرب بدون مسوغ أخلاقي أو قانوني في جسد المعارضة السورية.
إذن، أن الدولتين ما زالتا تسعيان إلى إعادة إنتاج العقلية الاستعمارية بصورة جديدة عبر وكلاء ومرتزقة لهم، وعلى حساب الشعوب المنطقة بما فيها الدولتين المعنيين، الأمر الذي سيؤدي إلى ظهور الإرهاب بمفاهيم جديدة ،وأساليب جديدة، تدفع المنطقة إلى الجحيم فضلا عن جحيم اليوم ،، لذا النخبة السياسية في المنطقة ينبغي عليها الوقوف في وجه المشاريع الإقصائية والعبثية للقوى الإقليمية الطامحة إلى مصادرة ما تبقى من سوريا بعد أن ادخلوها في حالة فقدان الثقة والريبة بالنوايا بين مختلف المكونات، فالكردي لن يكون رقما سهلا على الطرح أمام تركيا وإيران حتى يكون البقية الباقية رقما قابلا للقسمة عليهم، وفي الوقت ذاته القوى الكردية التي أقلت القطار الإيراني لمضايقة المشروع الكردي الذي يقوده السيد مسعود البرزاني ينبغي ومن الواجب عليهم التحلي بنوع من الأخلاق حيال المشروع التدميري الجديد الذي يتبناه الطرفين التركي والإيراني في ظل المباركة الروسية.
الأمر الغائب عن ذهنية المريضة للانتهازية الكردية المقيتة والمريضة بالمنافسة غير الشريفة هي ما تدفع بالوضع الكردي إلى الهاوية ، كل الأرقام الكردية الفردية التي تقتات من فتات الإيرانية لم ولن ترقى إلى مستوى صياغة مشروع وطني وقومي بالنسبة للحالة العراقية كما يقوم بها الرئيس مسعود البرزاني وكان بالإمكان أن يلعب نفس الدور بالنسبة للحالة السورية أيضا لولا المتاجرة والمزايدة من قبل هؤلاء ، فالرجل يحظى باحترام دولي وإقليمي غير مسبوق في التاريخ الكردي فضلا انه أيقونة للنضال الكردي منذ الأزل ، ف المتاجرة ع خلفية أحداث مضايقات لمثل هذا الرجل سوف تعيد الكردي خادما وعبدا في المزارات المجوسية التي تنسبها الفرس زورا للإسلام ،
اورينت نت