* اليد الغميقة وخناجرها * – المؤدلجون أنموذجاً –
وليد حاج عبدالقادر – دبي
بالرغم ممّا تعانيه البشرية الآن من تبعات وباء كورونا الكارثية ، والتي استهدفت بشكلٍ مباشرٍ أسس البناء المجتمعي الذي تراكم عبر آلاف السنين ، إلا أنه وفي حكم المؤكد وبحهود وتضافر البشرية جميعاً سيتمُّ القضاء عليها وهزيمتها رغم الضحايا وما ستتركه من آثارٍ موجعة سيلزم الكثير من الجهد والوقت ومعها الإمكانات لتجاوز ما تخلّفه من كوارث ، هذا الوباء الذي أصبح مصدر قلقٍ عالمي شامل و كبؤرٍ ستصبح كارثية في مناطق تحتدم فيها الصراعات وفي بلدٍ مثل سوريا وكانعكاسٍ فعلي لتبعاتٍ كما نتائج الصراع الدموي فيها ، ولعلّ سياسة التباعد الاجتماعي ومعها الحظر المنزلي والكمّ الكبير من الوقت وكمراجعةٍ ربّما تكون تعزيزية لمواقف ما أو لممارسةٍ نقدية ذاتية لبعضها الآخر كتجلّياتٍ لتلك التبعات من جديد سواها في جانب العودة المتأنّية إلى المآلات السابقة إنْ كتحليلّ سياسي لغالبية اللقاءات الأممية التي سطعت بعناوينها واتخذت طريقها لتتجلّى وبوضوحّ ولكن ببطءٍ منقطع النظر كان ، ومعها – كمتابعين ومعنيين – سندور ونلفّ لنعود إلى ذاتها خطة كيري / لافروف كركيزةٍ بقيت ومهّدت للقادم من الحلول خاصةً أنّ روسيا كعهدها قد وصلت إلى جلّ ما كانت تبتغيه من أهدافٍ كثمنٍ لانخراطها في المسألة السورية ككلّ .
ولكن ؟ وبالرغم من كلّ حلقات العنف وعواصفها المدمّرة وفي الخاصية الكُردية هنا ، ومن جديد على الرغم من آلاف الشهداء والجرحى ومجهولي المصير ، وفي جردة حسابٍ بسيطةٍ ، سيتبيّن لنا المآلات الكارثية التي قادتنا وكعهدنا إلى إخفاقاتّ شئنا أم أبينا ، والتي !! وببساطةّ إلى إخفاقاتٍ أكبر ، واتّسع معها ايضاً حجم الانسياحات البشرية والهجرات القسرية إلى مخيمات وأيضاً جبرية ، بعد انتقال الحيازة بالسيطرة وبالقوة العسكرية من دولةٍ إلى أخرى في عفرين وكري سبي وسري كاني يي ، ورغم كلّ هذه المآسي ! استمرّت ولم تزل ذات الخطابات الخشبية التي تحاول وكببغاءٍ فقط أن تعيد تكرار ترديد تلك الشعارات التي يدرك مطلقها بذاته أنها مجرّد فقاعات هواء تتبخْر ليس إلا . ومما يثير السخرية والاشمئزاز أكثر هو أن يتمختر أحدهم بعباءة كهنوتي صلف جامد أو بإيمائية محقّق يقلّد عنصر أمنٍ فاشل فيفرض على المحيط طاعة ولي أمره أو فقيهه في وقتٍ يجدر به أن يتأفّف خجلاً أولا ً، ولا ضير بعدها إن خاض أو سعى لفرض الطاعة بدءاً من روضتها _ التعليمية _ كمسلك ، إلا أنه وبفرديةٍ طاغية يجيزها لنفسه ومن جديد بسلطةٍ جبرية دون كيشوتية تحاكي منطق الاستبداد وبأوضح تعابيرها وبصورةٍ تحاكي ما كان العرب يمارسونه قديماً حيث كانت تصنع آلهتها من التمر وحينما تجوع كانت تلتهمها ، كما هؤلاء الكهنوت / الطواطم وبكلّ تعاليمهم وقناعاتهم التائهة في رحاب أمثال _ زوتشه _ ومعها مآسي أهالي _ بيونغ يانغ _ وهم يتمرّغون صباحاتهم رملاً وبقايا غبار في سجدتهم البلهاء للإلهين _ الأب والإبن _ البرونزيتين ، وكأني ببيدقنا المتغطرس وهو وراء أكمةٍ يخال نفسه مبهماً لا بل هو أكثر من واضح في سعيه لتطويع الجميع وإدخالهم بجبريته المعهودة في بوابته باسم المناصحة حيناً أو الشرعية الثورية ! .
إنّ كلّ تجارب حركات التحرّر الوطنية / القومية تؤكّد بأنّ الجهة التي حاولت / تحاول الهيمنة وبسط الإرادة الحزبية لا النضالية وسعت / تسعى إلى جعل النضال حكراً / ثورياً ذي صفة خاصية أو ملكية فكرية لها ، هي من أكثر العوامل المعرقلة لإنجاح وتعزيز خطى الحركة ومشروعية نضالاتها ، وذلك لأنّ
من اهمّ سمات وعوامل انتصار حركات التحرّر القومية / الوطنية إيجاد أكبر قاعدة جبهوية ، تجميعية ، تؤطّر كافة الاتّجاهات التي تخدم عملية التحرّر كمهامٍ مرحلية رئيسة وتبقى التوجّهات الحزبوية / العقائدية مهام مؤجّلة ومرحّلة لمراحل أخرى قد تستغرق العشرات من السنين حسب تطورات القضية القومية / الوطنية . أمّا إذا كانت القضية الوطنية / القومية قد استوفت مهامها / حسب الجهة المقتنعة / يمكنها حينها الولوج إلى تلك المهام وعلى أرضية برنامجية تتمأسس مع جوهر النضال الديمقراطي وآلياته ومن ثم بعيداً / بالمطلق / عن تعريفات ويافطات الشرعية الثورية ، تلك اليافطة التي كثيراً ما أودت بالشعوب إلى التهلكة / بول بوت وكمبوديا مثالاً / ومع هذا : السؤال هنا كُردياً هو : في خاصية قضيتنا القومية الكُردية في سوريا !! هل أنجزنا مهمّتنا القومية ؟ وبصيغةّ أشمل هل تمكنّا من تضمين البرنامج الوطني قضيتنا القومية كإقرارٍ بيني في إطار البرنامج المرحلي البيني السوري تحالفاً أو عامةً ؟ وطبيعي أنني أعني من ضمنها مشاريع الكانتونات أو ماتبقّى منها ؟ أم أنّ كلّ الخطوات والتفاهمات الموجودة أنجِزت على قاعدة التطويع المرن للقضية القومية الكُردية في سوريا سياسياً وكذلك في تعميميةٍ صريحة حتى لقوننة وتمرير المخططات التعريبية ومشاريع النظم المستبدة سابقاً – التغيير الديمغرافي أنموذجاً – ؟
أوليست الحقائق بعناوينها أكثر من صارخةٍ ؟ .
إنّ البعد الوطني بآفاقها الواضحة لن تكون – تصبح وطنية فعلية إنْ لم تسبقها مبدأ إقرار الكلّ في الكلّ وعلى أرضية ذلك يسعى الجميع إلى صياغة العقد الجديد لتنظيم وبناء دولة المواطنة المنشودة .
ولكن وللأسف الشديد لوحظ دائماً – وبشكلٍ خاص عند التوجهات العقائدية – أنّ هناك بالإضافة إلى منهجية التراجع التك / استراتيجي من المعادلة القومية مرونة ولترتقي بالتدرّج إلى مرحلة شطبها حتى كبقعةٍ جغرافية واستبدالها بترفٍ فكري عقائدي ، وبالمقابل يعمل بمنهجيةّ أعلى و بضغطٍ متوتّرٍ وعالٍ على تفكيك البنية القومية الخاصة وتعويمها بهوياتٍ فضفاضة يبدو غايتها واضحة جداً وهو من جديد يتلخّص في الاستهداف القومي بخاصيتها الكُردية تحديداً ! . وفوق هذا ! استحضار أشخاصٍ امتهنوا لعبة الشحن التفتيتي لبنية المجتمع ومن جديدٍ تحت ذرائعية عقائدية وغيرها ؟! أوليست الغاية منها / تحديداً / وكمحصلة ! تدمير الحقّ القومي وتحت سقفٍ مزيّفٍ لثقافةٍ مزيّفةٍ / الحقّ الثقافي / كإثنية يجب تسويرها كيلا تنقرض ؟! . وكالعادة وفي عودةٍ إلى هذا النمط الذي يستخدم كلّ الوسائل ليتوغّل بنيوياً ضمن فئته ، ويتطوْق بحزمٍ كحلقياتٍ تشحن دائماً بالجهد اللازم لتبرير كلّ الأخطاء في شطبٍ عملي و إلغائيٍ تماماً لخاصية التفاعل مع الوقائع الحقيقية لا بل ولتوفّر عليه جهد التفكير والجدل وتعليلها كسفسطة و بميكياڤيليةٍ ساطعة تلجأ هكذا توجّهات إلى مراييعها لتنمّي وتضخّم فيهم نظرية المؤامرة كأسهل طريقةٍ تبريرية و كمشجبّ يصلح في كلّ زمانٍ و مكانّ لترمي عليها كلّ هزائمها ونكساتها هذه من جهةٍ ، ومن جهةٍ أخرى عسى ولعلّ أن تبقى تحت بقعة ضوءٍ وإنْ كان في حيّز مخفرٍ لتبقي من خلالها بعضاً من براكين المؤامرة نشطةً وترمي عليها هزائمها ، على حدّ قول الأكاديمي و الإعلامي السعودي خالد الدخيل في نظرية المؤامرة ، ، / ، ، إنّ اختزال الأحداث والتاريخ في مؤامرةّ هو تعبير عن غياب العقل والقدرةعلى الإبداع في التحليل العلمي ، ، ، لا يمكن أن ينتصر عليك خصمك السياسي أو الحضاري بالمؤامرة وحدها لكن هكذا يبدو الأمر بالنسبة لك لأنك لا تملك إلا فكرة المؤامرة لتتلهّى بها ، إذا نجح خصمك فهذا دليل على فشلك ليس فقط في عدم كشف المؤامرة بل في التحصين ضدّ مثل هذه المؤامرة ، في الأغلب الأعمّ، ينتصر الخصم من دون حاجةٍ لمؤامرة ، ومع ذلك يخترع الفاشلون مؤامرةً ما لتبرير فشلهم ، ، /
واحدة من أعداد جريدة الحياة ١٤ _ ٤ ص ٩ وأعتذر عن نسيان السنة ورقم العدد.