آراء

انتفاضة شعلة نوروز 2023

بقلم :أحمد حسن/ عفرين

في الوقت الذي لم تضمد جنديرس وعفرين وريفها جراحاتها ، ولم تسعف أهلها من هول كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب كلا من تركيا وسوريا وراح ضحيته عشرات الآلاف من الضحايا والجرحى ، وتدمير مدن وبلدات وقرى. وكان لمنطقة عفرين وتحديداً مدينة جنديرس النصيب الأكبر من الضحايا والجرحى على إثر تدمير 80% من مبانيها بشكلٍ كامل، والبقية غير صالحة للسكن، وباتت المدينة منكوبة بشكلٍ كامل، حيث لجأ الناجون إلى القرى، وبعضهم إلى الخيم المنصوبة على أنقاض منازلهم، وتنفّس أهل المنطقة الصعداء بمجيء مؤسسة بارزاني الخيرية كدعمٍ معنوي وإنساني ومكرمة من الرئيس مسعود البارزاني فانتعش الشعب الكُردي في منطقة عفرين ورأى في هذه الخطوة الكريمة بأنّ هناك مَن يساندهم ويدعمهم أوقات الشدائد والمحن، وعاشت المنطقة والقرى التي تزورها المؤسسة أعراساً وطنية وقومية بامتياز حيث الأعلام الكُردية والزغاريد والشعارات القومية، عبّرت عن كُرديتيها وبرزانيتها التاريخية وتكلّلت أكثرفأكثر في النشاطات الآذارية وبحشود كبيرة كما في ميلاد الأب الروحي للكُرد الملا مصطفى البارزاني والوقوف دقائق صمت على أنغام أغنية حلبجة للمبدع شفان برور وسط مدينة عفرين على أرواح شهداء حلبجة الشهيدة ثم يأتي نوروز والذي أصدر المجلس الوطني الكُردي في عفرين بياناً أوضح فيه الاكتفاء بشعلة نوروز ورفع الأعلام الكُردية حداداً على أرواح شهداء كارثة جنديرس وبالفعل قامت الجماهير الكُردية برفع الأعلام الكُردية و بإشعال شعلة نوروز في كلّ القرى والبلدات والمدن وفوق جبال عفرين الشامخة، وعبّرت عن قهرها والظلم والطغيان اللذين يتعرّض لهما من قبل الفصائل المسيطرة على منطقة عفرين.

وهنا كانت الكارثة والمجزرة الوحشية والنكراء إذ يقوم عناصرفصيل جيش الشرقية بإطلاق الرصاص على مجموعة من الشباب الكُرد وهم يوقدون شعلة نوروز أمام منزلهم مما أدّى إلى إستشهاد أربعة من عائلة واحدة ( عائلة بيشمرك ) وهم
– فرحان دين عثمان ٤٣ عاماً
– إسماعيل عثمان ٣٨ عاماً
– محمد إسماعيل عثمان ١٨ عاماً
– محمد عثمان ٤٢
وجرح طفل معاق اسمه فراس عبدالرحمن رشو 17 عاماً

مما أدّى إلى الغضب الشعبي المحتقن أصلاً من الانتهاكات والمظالم الجائرة بحقهم من قبل الفصائل من جهة، وهول كارثة الزلزال المدمّر من جهةٍ أخرى فكانت انطلاقة الشرارة لانتفاضة شعلة نوروز المتّقدة من كاوا الحداد إلى عائلة بيشمرك، وستستمرّ إلى أبد الآبدين.

بدأ الغضب والثوران الشعبي منذ لحظة سقوط الشهداء ( 20/3/2023 ) وفي الصباح الباكر اجتمعت الجماهير الكُردية الحاشدة وبعض الغيورين من الإخوة العرب أمام منزل الشهداء، وكان للمجلس الوطني الكُردي دور بارز في هذه الاحتجاجات والمظاهرات والانتفاضة الشعبية حيث رفع الأعلام الكُردية بكثافة، وترديد الشعارات المعبّرة عن حجم الظلم والمجزرة الوحشية من قبيل ( şahîd namirê – derva derva çekdar derva- parastinek nav dewletî – dadgehkirina kojera – bi can bi xwûn em tera ey şahîd )

كما ألقيت كلمة المجلس الوطني الكُردي والعديد من الكلمات والخطابات والأشعار وسط الجماهير المنتفضة وأنين ونواح الأمهات الثكالى وبكاء أطفال الشهداء، عبّرت الجماهير الكُردية المنتفضة بشكلٍ راقٍ و حضاري، ومنظم بتعاملها مع حجم الحدث (المجزرة الوحشية) التي لا تمتّ بصلة إلى الإنسانية، بل تعبّر عن عنصرية وشوفينية مقيتة تجاه الشعب الكُردي في ليلة عيد النوروز .

لُفّت جثامين الشهداء الطاهرة بالعلم الكُردي، وطافت بها الجماهير المنتفضة شوارع جنديرس المنكوبة وسط شعارات وهتافات لتصل إلى المقبرة، وتوارى الثرى وتُلقى عليهم بيانات وخطابات معبّرة عن هول المجزرة الوحشية وشعارات المنتفضين المعبّرة عن الغضب الشعبي من الانتهاكات والمظالم الجائرة بحقهم من قبل الفصائل يومياً.

استمرّت الانتفاضة أياماً ، في اليوم الثالث ووسط جموع حاشدة وأمام منزل الشهداء وخلال كلمة المجلس الوطني الكُردي في عفرين كانت المطالب يوم الخميس في الثالث والعشرين من آذار 2023 من جنديرس:
“باسم الشعب الكُردي في منطقة عفرين وباسم المجلس الوطني الكُردي في عفرين
وباسم عائلة الشهداء (عائلة بشمرك)

نطالب بما يلي:
أولًا: إدانة واستنكار هذه الجريمة القذرة ومطالبة الائتلاف الوطني باتخاذ موقف صريح وواضح تجاه هذه الفصائل، وهذه الجريمة القذرة التي راح ضحيتها أربعة شهداء ليلة شعلة نوروز.
ثانيًا: تقديم الجناة ومَن وراءهم والفصيل الذي يمثّلهم إلى محكمة دولية عادلة كي ينالوا القصاص العادل.
ثالثًا: إخراج كافة الفصائل من المدن والقرى والبلدات في منطقة عفرين، وإرجاعهم إلى ثكناتهم العسكرية وإلى جبهاتهم القتالية إن أرادوا القتال مع النظام أو غيره.
رابعًا: إخراج جميع المحتجزين من المواطنين الكُرد في منطقة عفرين وسري كانييه وكري سبي، فمنذ خمس سنوات وهم محتجزون دون محكمة عادلة، وأغلبهم أبرياء دون سبب.
خامسًا: إرجاع جميع الأملاك والأراضي والمعامل والدكاكين إلى آخره… إلى أصحابهم الحقيقيين الذين استولت عليها الفصائل المسلحة.
سادسًا: طالما أنّ الحامي لمنطقة عفرين لا يستطيع حماية هذه المنطقة، ويعاني يوميًاً من انتهاكات بحق الإنسان والشجر والحجر والبشر في هذه المنطقة، نطالب بحماية دولية كي تحمي منطقة عفرين و أهلها، وكذلك كري سبي وسري كانييه.

المجد والخلود للشهداء الشفاء العاجل للجرحى
والصبر والسلوان لذوي الشهداء
ولشعب كُردستان في الأجزاء الأربعة…
من أمام دار شهداء عائلة بشمرك
جندريسه 23 آذار 2023”

وكان لهذه الانتفاضة ولهذه المطالب صدى كبير لدى عموم الشعب الكَردي في الداخل والخارج والشتات وتفاعلت بشكلٍ كبير مع هذه الانتفاضة الغاضبة ومع شهداء شعلة نوروز فكانت الاحتجاجات والمظاهرات في كُردستان سوريا وإقليم كُردستان وعموم أوربا ولبنان وغيرها فأوصلت مظلومية ومعاناة الشعب الكُردي إلى العالم لتقوم المنظمات والهيئات الدولية والإنسانية بدورها تجاه ما يتعرّض له الشعب الكُردي من ظلم وقهر وانتهاكات لحقوق الإنسان ترتقي إلى جرائم العنصرية والشوفينية الجينوسايد والتغيير الديمغرافي الممنهج .

وبذلك فإنّ هذه الانتفاضة أعطت دروساً تاريخية رائعة ومنها :

١- ثورة كاوا الحداد من أجل السلام والحرية ستبقى مستمرّة حتى ينال الشعب الكُردي حريته وحقوقه كاملة، وشعلة نوروز ستبقى متقدة إلى الأبد
٢ – الانتفاضة وحّدت الشعب الكُردي تحت علم كُردستان الموحد .
٣ – الانتفاضة حوّلت المظلومية الكُردية من المحلية إلى الإقليمية والدولية.
٤ – الانتفاضة أثبتت أنّ منطقة عفرين كوردياتية وبارزانية بانسانيتها وحضارتها ورقيها.
٥ – الانتفاضة أثبتت أنّ مشاكل الشعب الكُردي ليست مع الشعب العربي أو أي شعبٍ آخر بل مع الأنظمة الاستبدادية التي تستبد الجميع .
٦ – الانتفاضة ألغت حاجز الصمت والخوف ونفضت غبار الذل والهوان .
٧ – الانتفاضة أثبتت أنّ شعب عفرين عمل ما بوسعه وألقت الكرة إلى الملاعب الكُردية والكُردستانية والإقليمية والدولية.

وفي الختام فإنّ شعلة نوروز ستبقى متقدة وثورة كاوا الحداد مستمرّة حتى ينال الشعب الكُردي كامل حقوقه، في إقامة دولته كحق تقرير المصير للشعوب ومبدأ من مبادئ مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وحق من حقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى