آراء

انتفاضة قامشلو

بهجت شيخو
ها قد مضت ثلاثة عشر عاماً على حدثٍ, قد هزَّ العالم لعدة أيامٍ فقط ، أيام كانت غالية الثمن بمضمونها المعنوي و المادي ، تمثّل جانبها المعنوي بإغاثة الملهوف و تلبية نداء صراخ الأشقاء الذين أمطرت عليهم حجارة مشجعي نادي الفتوة و لدغت أجسادهم الطرية بسكاكينهم الحادة المصقولة بالحقد و الكراهية و الشوفينية ، و مما زاده تمثّيلاً للوجه الحقيقي لتلك العنصرية هو توجُّه بنادق الشرطة و حرّاس الملعب لتلك الصدور العارية من الفتية و الشباب الكورد و تلك الحناجر التي أبت أن تنخذل أمام صيحات العروبيين ، لتذم رموزهم و تهين كراماتهم .
نعم بضعة أيامٍ و لكنها صنعت لشعبها مقاماً ، و صبغت بدماء شبابها أسطورة البقاء و حرقت أمام ديمومتها كلّ سجلات العروبة العفنة و رفعت رايات نشوة انتصار الحقّ على أنظمةٍ بائدة تُجسِّد معها كلّ انواع القمع و الاضطهادبحقِّ عموم الالوان و الأعراق .
نعم هي بضعة أيامٍ و لكنها كانت من أجمل الأيام منذ سنين و سنين لأنها كانت في كل دقيقة من دقائقها تعظِّم وحدة المصير و تمجِّد وحدة الشعب الكردي الأسير ، من ديركا حمكو الى زور آفا في سورية القمع و الاستبداد .
في كلِّ لحظةٍ من لحظاتها كانت هناك ثورة ، ملاحقة الجريح في المشافي ثورة ، و إجبار المعتقلين من قيل أزلام النظام و زبانيته على مسبّة رموزهم ثورة ، و حرق دوائر الفساد و الطغاة ثورة ، و استسلام اجهزة المخابرات و الشرطة للمنتفضين ثورة … و تعذيب السجناء حتى الموت ثورة .. و اغتيال العسكري الكردي الذي يقوم بواجبه الوطني لأنه كردي في الجيش ثورة .
نعم هي بضعة أيامٍ و لكن كان لكل العالم رأياً اخر ، رأيٌ قد تجاهلته لعبة المصالح و لكن تلك الأيام أجبرته ليقرَّ بأن هذه الأيام ليست ككلّ الأيام ، أيام شعبٍ احترف مزاولة الوجود و استحقّ وسام الاعتراف بالحرية و الحياة بكرامة و ليس العيش دون المرتبة الخامسة .
منذ الثاني عشر من آذار من عام ألفين و أربعة ليس كورد سوريا كسابق عهدهم وإنّما هم شعب أصيل زالت عنهم صفة الغوغائيين و قبائل الهجر .
منذ ذلك التاريخ سورية اصبحت وطناً لكلّ السوريين بعد أن كانت لفئةٍ دون أخرى وأصبح الإقليم الكوردي من عفرينه الى ديريكه ينطق بأصالته على أنّه جزء من كوردستان كبرى قسّمته أهواء و مصالح الدول الكبرى .
و الآن و ما زال هذا الشعب الثائر مع كلّ السوريين يتوق للحرية و يزيده فخراً أنه أوّل من نادى بها ,وصدحت حناجره بأغانيها , و أوّل من حطّم أسطورة الاستبداد بكلّ أوجهه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى