بريكست كردي.. استقلال ام انفصال؟
زارا صالح
زوبعة واستنفار منقطع النظير في العراق والجوار الإقليمي لدول إيران وتركيا سبقه بيان لجامعة الدول العربية مع زيارات متوالية للعاصمة أربيل وكلها لأن الكرد في إقليم كردستان قرروا مجرد إجراء إستفتاء بشكل حضاري وديمقراطي لتقرير مصيرهم في شكل العلاقة مع الدولة الإتحادية. تجاوز الحدث في صداه حتى عملية خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وكذلك إستفتاء أسكتلندا الأخير الذي فشل في الانفصال عن المملكة المتحدة بصداها الإعلامي.
لماذا قرر الكرد إجراء الاستفتاء حول الاستقلال ؟
لعل خطوة إجراء عملية الإستفتاء جاءت بعد سنوات كانت فيها كردستان باقليمها شبه منفصلة عن العراق منذ عام 1991 بعد قرار الحماية الدولية لتلك المنطقة إلى أن تم الإطاحة بنظام صدام فعادت العلاقة عبر دستور فيدرالي للعراق واعتبار إقليم كردستان فيدراليا على أن تكفل المادة 140 بحل مشكلة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها. لكن بعد ذلك وإلى تاريخ اليوم بقيت الأوضاع كما هي، بل قامت الحكومة المركزية في بغداد بمحاربة الكرد اقتصاديا وسياسيا إلى أن وصلت بها بتسليم الموصل ومناطق عديدة لداعش التي هاجمت المناطق الكردية لتتمكن بعدها قوات البيشمركة الكردية من هزيمة داعش واستعادت كركوك وأغلب المناطق التي احتلتها التنظيم الإرهابي.
بالنتيجة الكرد مروا وجربوا كافة الصيغ مع الدولة العراقية من الحكم الذاتي الشكلي منذ أيام حكم صدام حسين مرورا بمنطقة حظر جوي وإقليم مستقل ثم صيغة شكل فيدرالي مع حكومات المركز للمالكي والعبادي لكن جميعها فشلت في تطبيق الدستور عمليا مما وصل الأمر إلى طريق مسدود للعيش المشترك في ظل دولة مذهبية وصراع شيعي- سني كانت المناطق السنية حاضنة لداعش فيما مناطق الجنوب الشيعية بيد إيران وتنفيذ مشروع ولاية الفقيه ولهذا فإن خيار الكرد ذو الصبغة الديمقراطية العلمانية والدولة المدنية لن تتحقق في ظل هكذا أوضاع وشراكة شبه مستحيلة.
مئة عام
يأتي قرار الاستفتاء الكردي على استقلال الإقليم بعد حوالي قرن من اتفاقية سيفر 1920 التي أقرت إجراء استفتاء في ولاية الموصل ومناطق كردستان الأخرى من أجل استقلال كردستان لكن المصالح الدولية حالت دون تحقيق ذلك، وقد جرى التقسيم الأولى لكردستان سنة 1514 بين الدولة العثمانية والصفوية بعد إتفاقية ” قصر شيرين ” ورسمت الحدود بينهم والتي بقيت في شكلها الحالي حتى تاريخ اليوم . واليوم عندما يتوجه الكرد إلى صناديق الاقتراع لتقرير مصيرهم إنما هو إجراء وحق طبيعي تم تجاهله كل تلك المدة وكان الأولى بالدول الكبرى صاحبة القرار ومسببي سايكس- بيكو كرديا التكفير عن ذنوبهم والدفع بإجراء ومساعدة الكرد في هذه المرحلة الهامة والتي برز فيها ” الحليف والصديق ” الكردي مرة اخرى نموذجا في أن يكون الواجهة الأقوى في هزيمة الإرهاب وداعش والدفاع نيابة عن العالم ودول التحالف الدولي وأثبتت البيشمركة الكردية انها القوة الفعالة والمنظمة في السنوات الماضية وأظهرت كحليف موثوق به في منطقة الشرق الأوسط، إضافة أن الكرد ليسوا بدخلاء على المنطقة إنما هم يعيشون على أرضهم التاريخية كردستان منذ الآف السنين وبالتالي فإن اتهام الكرد ب” الانفصال ” إنما هو خطأ واصطلاح ليس في محله لأن كردستان تجزاءت وقسمت واحتلت وعندما يقدم الكرد على إجراء الاستفتاء على تقرير مصيرهم يعني أنما هو حق طبيعي من أجل الاستقلال وليس الانفصال لأنها في الأساس وتاريخيا لم تكن جزء من تلك الدول الغاصبة والتي يتوزع فيها الكرد( العراق ، تركيا ، إيران وسوريا ).
تبقى حل القضية الكردية في منطقة الشرق الأوسط إحدى مفاتيح وعناوين الاستقرار خاصة وأن حوالي الخمسين مليون من هذا الشعب مايزال دون دولة أسوة ببقية الأمم وهذا ما ثبت بالتجربة خاصة بعد ظهور الإرهاب والتطرف وكذلك فشل أنظمة العراق وإيران والعراق وتركيا في معالجة هذه القضية وكذلك قضايا العيش المشترك والديمقراطية مع صعود التطرف والنزعات القومية والمذهبية إضافة إلى تقديم نفسها عمليا كحاضنات للفكر المتطرف والطائفي التي لا تتقاطع مع جوهر ما يامله الكرد من إقامة دولة مدنية وعلمانية وضمان حقوق كافة المكونات هناك واحترام حرية الأديان والثقافات وهذا ما جرى تجربته في إقليم كردستان. وعندما يتم ” اتهام ” الكرد بالعلاقة أو بالأحرى ” بالعمالة ” لإسرائيل كما يتداول في الإعلام الموجه أو الحديث عن ” إسرائيل ثانية ” فإن الحقيقة الساطعة يتم تجاهلها عندما مارس الكرد حق حرية التعبير فكانت التهديدات من حكومة العبادي بالتنسيق مع نظام إيران و تركيا في فرض حصار اقتصادي بل التلويح بالتدخل العسكري فيما شاركتها أغلب الدول ” الصديقة ” للكرد في رفضها لعملية الاستفتاء ونتائجها فكانت إسرائيل الدولة الوحيدة التي صرحت علنا بدعمها لاستقلال كردستان وعندما رفعت إعلام إسرائيلية في بعض المدن الكردية إنما جاء كردة فعل عفوية على هذا الإحباط وخيبة الأمل من المجتمع الدولي والشريك المفترض في بغداد ليس إلا لأن تلك الجهات التي تحرم العلاقة الكردية وفق أجندتها هي التي تحلل لنفسها مطلق الحرية في العلاقة وحتى دعوة أعداء الكرد إلى بلادها رغم أنها تحتل أراض عربية(تركيا وإيران مثالا ).
ان الاستفتاء حق مشروع للشعب الكردي في اختيار شكل الشراكة أو البريكسيت كما يجري تسميته مع مشاركة كافة المكونات المتعايشة هناك في الإقليم وهذا بحد ذاته مجرد عملية حضارية وسلمية وممارسة الحقوق بالصيغة الديمقراطية الحرة للتعبير وهو ترجمة عملية لقرارات وقوانين الأمم المتحدة والمواثيق الدولية في حق الشعوب بتقرير مصيرها ولايهدد أمن اية دولة سواء كانت العراق الشريك الافتراضي أو أصحاب المشاريع التوسعية التي تبحث عن مصالحها القومية على حساب الآخرين مثل إيران وتركيا اللتان لاتتوقفان عن تهديد إقليم كردستان وحشد جيوشها على الحدود، وبالمحصلة فإن الاستقلال حق طبيعي ومشروع للكرد وهو ليس انفصالا وبالتالي فإن المجتمع الدولي والمتحضر من مصلحته دعم هذا التوجه وإحترام الإرادة الحرة وقرار الشعب الكردي في تقرير مصيره يوم الخامس والعشرون من هذا الشهر لتكون اللبنة الأولى لإرساء وبناء الاستقرار في المنطقة.
raialyoum