بعد ما يقع الفأس بالرأس
بهجت شيخو
لعل كلما حل بالشعب الكردي مصيبة او هزيمة او انتكاسة جاءتهم فكرة بضرورة الوحدة او الاتحاد ناسين او متناسين سيل الاتهامات المتبادلة بين اطرافها السياسية المتنازعة او حتى الجماهيرية المغلوبة على أمرها و قد وصلت بهم الحال تاريخيا لتكون هذه الظاهرة معندة على العلاج و لتصل في بعض اوقاتها الى حد التناحر ليس فقط شفويا أو بالخطاب و انما انجرت لمعارك سالت فيها دماء الاخوة .
و برأي تأتي تلك الظاهرة خلفا لعدم وجود كيان كردي مستقل عبر تاريخه النضالي القومي ليتحكم بموجبه القوانين و المؤسسات و الدساتير كباقي دول العالم . لذا يرى الاتجاهات السياسية الكردية تقع في قبضة الدول الاقليمية و التي تغتصب كوردستان عموما و كذلك الدول الكبرى و التي تقيم مصالحها فوق اي اعتبارات انسانية كما هو الحال بالنسبة للشعب الكردي .
و عبر التاريخ النضالي الطويل لحركات التحرر الكردية تعرضت الامة الكوردية الى مواقف مؤسفة و دفعت فواتير غالية الثمن و الامثلة كثيرة و يمكن لاي كردي معتدل تعدادها و احصاء العشرات منها لانها اصبحت جزءا من تاريخه المتوارث أو ارشيفه و التي سطرت بدماء شعبه .
و كما اسلفت ان هذه المعضلة ليست وليدة اليوم و انما قد تكون متجذرة و مترسخة في عقول عامة الناس و ما قد يحدث راهنا هو إعادة مخاض صعب ، ينشأ التاريخ نفسه مرة آخرى و تتكرر الكرة المعادية لتضرب نفس الهدف . لذا يتداول حاليا بتقارب هذه الدولة او تلك رغم اختلافاتها الجوهرية و دخول قوات تركية لجرابلس و التي كانت ممنوعة عليها هذه المعركة سابقا و إزاحة الإنتصارات الكوردية من هنا و هناك والادعاء ان الدعم الامريكي أقتصر فقط على المجال العسكري و انسحاب القوات الديمقراطية إلى شرق الفرات و إنسدال الستار عن وحدة جغرافية لكردستان سوريا او فدرالية روج آفا . و اتفاقات ثنائية و ثلاثية بين الخصوم السياسية بالأمس و …و كلها بالنتيجة تستهدف الكورد و وجودهم .
و الان لنرجع لنقطة البدء هل يجب على الكورد ان يتوحدوا ؟ و هنا يكمن السؤال المهم ، لماذا الكورد لم يتوحدوا اثناء توفر كل مستلزمات التوحد في كوردستان سوريا؟
الحقيقة هناك فريقا لا بأس به يحمل ايضا المجلس الوطني الكردي كونه سببا في ما ألت عليه الاوضاع في جرابلس و اقتحامها من قيبل قوات ما تسمى الجيش الحر الذين يغطون سواعدهم باشارات اللون السماوي الرمز التركماني و بدعم عسكري مباشر من تركيا و حتى امريكا او الخروج من منبج و تسليمها لمجلسها المحلي و لكن هنا لا بد من التذكير بان المجلس الكردي قد وقع عدة اتفاقات مع ( تف د م ) و باشراف مباشر من رئاسة اقليم كوردستان العراق السيد مسعود برزاني و لكن تلك الاتفاقيات عندما كانت تعبر من معبر سيمالكا نحو روج افا كانت تنسكب في امواج نهر دجلة و كانت نظرة ( تف دم ) للشراكة احتوائية و ليست حاجة واقعية حقيقة يتمثل فيها متطلبات الشعب الكوردي في كل المجالات لذا تلك التواقيع كانت تذهب ادراج الرياح و استمرت تلك العلاقة بين الطرفين في خمول و جمود حتى ذهب الحال بها الى ابعد من ذلك حيث فرضت ( تف دم ) على المجلس مزيدا من القيود و اتهمتها بالخيانة و شرعت بملاحقة رؤساءها و اغلاق مكاتبها و اتبعت السياسة الاحادية و التي سعت من خلالها لاقلاع الحياة السياسية في كوردستان سوريا لتصبح جرداء لا يظهر غير لونها المتميز .
لكن لاتجري الرياح بما تشتهي السفن حيث شعرت تركيا بخطر الزحف الكردي امام حدودها الجنوبية و الأبعد من هذا تم تهديد بيتها الداخلي سواء المتمثلة بالانقلاب الفاشل او سلسلة التفجيرات المختلفة في مدنها الكبيرة او الحرب الدائرة بينها و بين حزب العمال الكردستاني وكذلك الوضع الاقتصادي الذي بات قاب قوسين من التدهور و غيرها من الأسباب مما دعت الحاجة لترك مبادئها السامية و التي كانت تدعي بمساعدة الشعب السوري لنيل حريته و كرامته حين شعرت بأقتراب ناقوس الخطر يدب في نفوس السلطنة العثمانية الجديدة ليبداوا بنسخة جديدة من العلاقات و منها مع روسيا ليتطور حتما بأتجاه حلفائها مثل ايران و سوريا و من نتائج تلك الانفتاح حتما سيكون لجم القضية الكردية في صدارتها . و هنا كان يتطلب مسبقا من( تف دم ) و حلفائها رسم سياسة معتدلة و الأقرار بوجود شريك فعلي على الارض له و هو المجلس الوطني الكردي و التبني نحو اولوية الحقوق الكردية بدلا من التناغم على تمكين جعل الواقع الاستثنائي امرا مقبولا و رفع شعارات طوباوية في عالم المصالح ، و هذا ما لم يتم تحقيقه رغم الخسائر الجسيمة الهائلة و ان الوحدة المنشودة لا تأتي كل مرة كما نشتهيها و نكون بذلك قد خسرنا مرة آخرى تلك الفرصة التاريخية لوحة الصف و عدم تحقيق المطلوب و بذلك نكون قد اعدنا التاريخ نفسه من جديد .