بعد مقتل سليماني.. ارتباك إيراني أمام التصعيد الأمريكي
اسماعيل رشيد
يبدو أن الساحة العراقية كانت مرشحة منذ عام 2003 لمزيد من التجاذبات والصراعات لاختبار قوة العضلات السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ، وقد توج بتصعيد خطير بمقتل قاسم سليماني (قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني) وأبو مهدي المهندس( نائب رئيس الحشد الشعبي في العراق )، وهو مازاد من المشهد السياسي تعقيدا”، ويضع المنطقة في عين العاصفة نتيجة تغيير الظروف والمعطيات ، فسياسة الهروب إلى الأمام التي اتبعتها طهران ومن منطلق أن واشنطن لن تتجاوز الخطوط الحمر ( التفاهمات الحذرة ) خاصة أنها مقبلة على الانتخابات وقد سبق ذلك عدم الرد الأمريكي في حادثة إسقاط إيران للطائرة الأمريكية المسيرة وكذلك التهاون وعدم أصدار ردة فعل حاسمة من واشنطن بعد الهجوم الإيراني على منشآت شركة آرامكو النفطية .
فاستراتيجية إيران في المواجهة مع أمريكا منذ عقود ، كانت قائمة على التعبئة وتحريك الوكلاء في العديد من الدول العربية ( لبنان- العراق- سوريا- اليمن….الخ ) والمواجهة المباشرة كانت عام 1979 ( حادثة احتلال السفارة الأمريكية واحتجاز الرهائن ).
في هذه الأجواء كان الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد بعد قصف الأخيرة على معسكرات حزب الله العراقي ، وهذا التصعيد من جانب إيران قابلته مصلحة أمريكية ( غير محسوبة إيرانيا”) وكانت منسجمة ، وعلى طبق سياسي ( محسوب بدقة أمريكيا”) كون ترامب نفسه كان يعاني من ضغوط كبيرة في المؤسسة الأمريكية ، فكان الرد الأمريكي الحاسم في يوم 2-1-2020 والذي أعاد الهيبة للولايات المتحدة وخيبة أمل كبيرة للإيرانيين في ظل تغيير قواعداللعبة وسياسة التوازنات والتحالفات التي تتقنها واشنطن بامتياز ، ومن هنا كانت ردة فعل إيران خجولة ولاتتناسب مع حجم الحدث ، وبات النووي الإيراني عرضة للمزيد من الرضوخ أمام القوة الأمريكية الضاربة .
فمقتل سليماني هي محاولة جادة لانهاء دور إيران ونفوذها وبالتالي العودة الى الطاعة الأمريكية ، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيبدو المشهد السياسي بعد التصعيد الأمريكي ؟ إيران وبعد العقوبات القاسية أقتصاديا” ( تصدير النفط ) و التي وجهتها أمريكا والحالة المجتمعية لاتستطيع أن تصمد كثيرا وسيقوض دورها في المنطقة ، فهذه الضربة سببت ارتباكا” لإيران وسترغم لقبول التفاوض وفق الشروط الأمريكية ، وتجنب المغامرة في دخول حرب مباشرة مع أمريكا ، علما” أن الأخيرة تبدي اسنعدادها للحوار مع إيران ، وقد يسبقه تصعيد أمريكي ملحوظ في العراق وسوريا لخلط الأوراق ، وقد تلجأ إيران الى تحرك أذرعها في سوريا والعراق .
كما يبدو الوضع معقد وإيران تدرك بأن الحرب المباشرة ليس من مصلحتها ، ولذلك فالنظام الإيراني لن يغامر بمصيره ، والموقف بشكل عام ليس لصالحه في ظل التناغم الأوربي- الأمريكي، والبراغماتية في الموقف الروسي ، فالسياسة الأمريكية التي تندرج بعدم السماح بالتمركز الإيراني في سوريا والعراق ولاننسى ( العامل الإسرائيلي ) قد يفجر الموقف وصولا” لإستهداف البرنامج النووي الإيراني ، لذا الأشهر القادمة ستكون مليئة بالتصعيد والمتغيرات ولمزيد من التوتر حتى إشعار آخر.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “270”