بوتين وحلم الإمبراطورية الروسية وسياسة اللعب على الحافة……
هيئة تحرير جريدة يكيتي/ بقلم : فؤاد عليكو
من المعروف تاريخياً أن عاصمتين من الدول المؤثرة عالمياً لم يخضعا للاحتلال من قبل دول أخرى هما لندن وموسكو رغم تعرضهما للضغط الكبير بغية احتلالهما وخاصة موسكو التي تعرضت لحملة شرسة من قبل نابليون بونابرت في بداية القرن التاسع عشر وكذلك من قبل هتلر في الحرب العالمية الثانية، وبقيت موسكو كعاصمة للقيصرية الروسية ثم للدولة السوفييتية وكانت تعتبر دوما سواء في عهد روسيا القيصرية أو الاتحاد السوفييتي من الدول الأساسية المشاركة في صناعة القرار العالمي كقطب سياسي وأساسي في المعادلات الدولية لايمكن تجاوزها وتهميش دورها في صناعة القرار الدولي، لكن بانهيار الاتحاد السوفييتي وما ترافق ذلك من انهيار لحلف وارسو العسكري المشكل من دول موالية للاتحاد السوفيتي وانضمام الكثير منها إلى الإتحاد الأوربي وحلف الأطلسي المؤسس أساسا لمواجهة الاتحاد السوفييتي في مرحلة الحرب الباردة، إضافة إلى تفكك الاتحاد السوفييتي نفسها إلى خمس عشرة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، لكنها لم تبعتد كثيراً عن روسيا الاتحادية بسبب طبيعة الأنظمة التي تحكمها والتي هي اقرب للنظام السوفييتي السابق والى روسيا الحالية، ولم تتحول إلى الديمقراطية المرجوة كما كان الغرب يؤمل منها .
كل ذلك جعل الغرب والحلف الأطلسي يشعرون بنشوة النصر، وأخذت تتعامل مع روسيا كدولة هامشية ومنهكة اقتصاديا” وتحتاج إلى وقت طويل لاستعادة دورها وتأثيرها في القرار الدولي، لذلك تم تجاهلها تماما في الدخول العسكري للحلف الأطلسي في أفغانستان 2001 كما تجاهلها أمريكا في احتلالها للعراق 2003 رغم رفض موسكو مثل هذا التدخل سياسيا، ونفس الأمر حصل في التدخل العسكري للحلف الأطلسي في ليبيا 2011، كل ذلك والدب الروسي الجريح (بوتين) يراقب بمرارة ما يحصل لحلفائه وكذلك لتجاهل دوره، وهو المنحدر من المؤسسة الأمنية السوفيتية المعروفة بعنفوانها وجبروتها وقسوتها، لذلك عمل على وقف هذا التجاهل للدور الروسي من قبل أمريكا وحلفائه وانتقل من سياسة المتفرج للأحداث الى التفاعل معها وفق رؤيته الخاصة معتمداً في ذلك على قوته العسكرية الضخمة وممارسة سياسة اللعب على حافة الهاوية متحدياً الغرب وعقوباته الاقتصادية التي حسب منطق بوتين لايشكل شيئاً أمام اهانة روسيا يومياً بإسقاط دورها في صناعة القرار الدولي، لذلك جاء تدخلها العسكري الخاطف في جورجيا 2008 كرسالة للغرب والناتو بأن الاقتراب من حدود روسيا من خلال التعامل مع الدولة المشكلة للاتحاد السوفيتي سابقاً خطاً احمراً لايمكن القبول به وتظل داخل دائرة النفوذ الروسي، خاصة وأن الغرب ارسل باشارات لجورجيا وأوكرانيا بأنه سيتم دراسة انضمامهم لحلف الناتو، كما اشترك قوات جورجية في الحرب على العراق تحت القيادة الأمريكية، ولقد عبر الرئيس الجورجي حينها ساكاشفيلي ( من أن أوكرانيا ستكون هدف بوتين الثاني ).
وبعد ست سنوات تحقق تنبؤه باحتلال روسيا لجزيرة القرم ومقاطعتين في أوكرانيا 2014 كما كان الرد الروسي سريعا هذا العام في كازاخستان ومنع إسقاط النظام، واليوم فإن العالم يحبس أنفاسه من تدخل عسكري وشيك في أوكرانيا بما فيها العاصمة كييف واسقاط النظام ما لم يستجب الغرب واوكرنيا للشروط الروسية وهي الاعتراف بالمقاطعات التي انفصلت عن أوكرانيا حسب الزعم وبالأحرى التي احتلت من قبل روسيا والشرط الثالي عدم السماح لاوكرانيا بالانضمام إلى الحلف الأطلسي وبدون ذلك فالحرب قائمة حتماً، وأعتقد أن الغرب سيلبي الشروط الروسية تجنباً لكارثة عالمية من تداعياتها ليس في أوربا فحسب.
ومن الجدير بالذكر أن التدخل الروسي العسكري في سوريا يصب في هذا التوجه الروسي الهجومي اوربياً وعالمياً، وقد بدا ذلك جلياً من خلال زيارة الرئيس الأسبق للائتلاف الشيخ معاذ الخطيب لروسيا في تشرين الثاني 2014 طالباً من وزير الخارجية لافروف التعامل بحيادية مع الملف السوري والوقوف إلى جانب ثورة الشعب السوري، وبأننا لسنا ضد المصالح الروسية في سوريا، كما نعمل على بناء أفضل العلاقات مع روسيا، والمفاجئة أن جواب لافروف كان واضحاً وحازماً وقاطعاً وبما معناه بأنكم تطلبون منا حل الازمة السورية بينما تبقى الأزمة الاوكرانية معلقة كان ذلك بعد ثمانية أشهر من غزو اوكرانياً وقبل عام من التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا
نستشف من ذلك أن روسيا تنظر برؤية استراتجية شمولية إلى جميع المناطق الساخنة من منظور استعادة دورها المفقود كامبراطورية وكشريك استراتيجي في تقرير مصير الشعوب كما كان يمارس سابقاً ولانستبعد أن يتحقق لها ذلك قريباً، خاصة وأن الغرب تتجنب الدخول في اي حرب مباشرة مع بوتين اللاعب المتميز في اللعب على الحافة.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 295