
بين سقوط الأسد والإعلان الدستوري المثير للجدل
المحامي عمران منصور
باريس
عاش السوريون لحظات تاريخية لا تُنسى ؛عندما فاجأهم خبر فرار الرئيس المخلوع بشار الأسد تحت جنح الظلام إلى روسيا.
كانت لحظة ممزوجة بالفرح والصدمة، حيث خرجت الحشود إلى الساحات العامة ،في جميع أنحاء سوريا، مبتهجةً بنهاية عهد الاستبداد، وأقدمت على إسقاط آخر ما تبقّى من تماثيل الأسد الأب والابن. كانت الآمال معقودة على بناء سوريا جديدة، ترتدي فيها دمشق ثوب الديمقراطية والحرية، وتشرق فيها شمس مستقبل مزدهر لأبنائها. إلا أنّ هذه الفرحة لم تكتمل، إذ لم يدم الحلم سوى أيام معدودة، قبل أن يجد السوريون أنفسهم في مواجهة واقع سياسي جديد يعيدهم إلى دائرة القمع والتسلط والاستبداد، إضافةً إلى الإسلام السياسي بثوب سلفي متشدد ..
رغم أنّ الإعلان الدستوري المثير للجدل لا يُعدّ ملزماً كقانون وليس له سلطة الدستور، فإنه يُعتبر بمثابة الخط العريض الذي يرسم مستقبل سوريا وتُبنى عليه القواعد الدستورية.
ظهرت بوادر سلطة أمر واقع تتخذ قرارات خيّّبت آمال السوريين، بدأ ذلك بالدعوة إلى مؤتمر للحوار الوطني السوري يومي 24 و25 شباط 2025 في دمشق، والذي أسفر عن تعيين مجلس تشريعي تمثيلي واعتماد إعلان دستوري مثير للجدل.
صدمة كبرى للأقليات والمكونات السورية
شكّّل إعلان لجنة صياغة الإعلان الدستوري، المكونة من سبعة قانونيين، صدمةً كبرى لجميع السوريين، وخاصةً الشعب الكُردي، الذي كان يأمل في نيل حقوقه الدستورية، ضمن مشروع وطني جامع. كما انضمّت الطائفة الدرزية والعلوية والأقليات الدينية الأخرى إلى قائمة المعارضين لهذا الإعلان، الذي جاء بمثابة إعلان لخلافة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، مُقصياً جميع السوريين، بمن فيهم جزء من الطائفة التي كانت تحكم سابقاً، وقواتها الأجنبية ذات الطابع السلفي المتشدد
وجد السوريون أنفسهم أمام استبداد جديد، حيث تمّّ جمع جميع السلطات بقبضة من حديد في يد الرئيس المؤقت أحمد الشرع، الذي أقصى المسيحيين من منصب رئاسة الجمهورية، بعد أن نصّ الإعلان على أنّ دين رئيس الدولة هو الإسلام، مؤكّداً أنّ سوريا “الجمهورية العربية السورية” هي دولة عربية، لغتها الرسمية هي العربية. وبذلك، تمّ إلغاء حلم الكُرد وغيرهم في الاعتراف بقومياتهم ولغاتهم.
كما نصّ الإعلان على أنّ “سوريا تظلّ دولة موحدة ذات سيادة غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز لأي مكون أو جماعة المطالبة بحكم ذاتي أو نظام فيدرالي”، وهو ما يُعدّ تراجعاً عن مطالب الكُرد والدروز، الذين كانوا يطمحون إلى شكلٍ من أشكال اللامركزية السياسية لضمان حقوقهم الثقافية والإدارية. كما أنه يُعيد إنتاج المركزية التي كانت سائدة في ظلّ النظام السابق.
تكريس الفقه الإسلامي كمصدر للتشريع
نصّ الإعلان الدستوري على أنّ “الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع”، الأمر الذي أثار مخاوف الأقليات الدينية والعرقية، التي تخشى من سياسات تمييزية وتفسيرات متشددة في المستقبل. كما أنّ صياغة هذه العبارة بطريقة فضفاضة تمنح السلطات حرية تفسير القوانين بما يتناسب مع مصالحها، مما يتعارض مع مبدأ فصل الدين عن الدولة.
تقييد العمل السياسي واستنساخ النظام السابق
حظر الإعلان على الأحزاب السياسية أن تكون ذات طابع ديني أو عرقي أو طائفي، مشدداً على ضرورة التزامها بالوحدة الوطنية. ومع ذلك، فإنّ هذا الواقع يُعيد إنتاج النظام القديم، الذي كان يحظر الأحزاب الكُردية والمستقلة، ويحصر العمل السياسي في أيدي قوى محددة تتبع النظام الحاكم.
سلطة مطلقة للرئيس المؤقت
يمهّد الإعلان لاستبداد ممنهج ضد السوريين، إذ ناقض مبدأ الفصل بين السلطات بجمع كافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يد الرئيس المؤقت أحمد الشرع، الذي يملك أيضاً الحق في تعيين القضاة. والأخطر من ذلك، أنه يترأس مجلس الأمن القومي، إضافةً إلى كونه القائد العام للجيش والقوات المسلحة، التي ما زالت على أرض الواقع عبارة عن مجموعة من الفصائل الإسلامية المتهمة بالإرهاب.
عزلة خارجية ورفض داخلي
بعد الإعلان الدستوري المؤقت، وجدت القوى الحاكمة في دمشق نفسها أمام مأزق حقيقي. فكانت الصفعة الأولى التردد في دعوة الخارجية السورية إلى مؤتمر بروكسل، المقرر عقده في السابع عشر من الشهر الجاري، لمتابعة الأوضاع في سوريا، والذي يأتي استكمالًا لمؤتمرات باريس والعقبة والرياض و الذي دعي في اخر لحظة من ورد أنباء عن ضغوط عربية لدعوة وزير الخارجية السوري وحيث .
كان بإمكان السوريين استغلال هذا المؤتمر لتحقيق ثلاثة مطالب رئيسية مستمدة من القرار 2254 لو كانت الاجواء طيبة مع الأوربيين ، و تتلخص رؤية المؤتمر ب :
1- دعم الانتقال السياسي الشامل بقيادة سورية
2- حشد الدعم المالي لتلبية الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية
3- تمهيد الطريق لإجراء حوار هادف مع المجتمع المدني لمرافقة السوريين في بناء مستقبل مزدهر بما يمهّد لانتخبات برلمانية و رئاسية
أما الصفعة الثانية، فجاءت من الداخل السوري، حيث رفض الكُرد الإعلان الدستوري، وانضمّت إليهم فئات أخرى مثل الدروز والعلويين، الذين اعتبروا أنّ الإعلان لا يعكس تطلعات الشعب السوري بمختلف مكوناته.
مستقبل سوريا على المحك
في ظلّ هذا الواقع، بدأت القوى الإقليمية والدولية بالتدخل في الشأن السوري بشكل أعمق، مما زاد من احتمالات تدويل القضية السورية، خاصةً مع استمرار الخلافات الداخلية وعدم قدرة أي طرف على فرض سيطرته الكاملة على الأرض.
الأيام القادمة ستكون حاسمة لمستقبل سوريا. هل ستتمكن المعارضة من توحيد صفوفها للضغط باتجاه دستور جديد يحقّق العدالة والحرية لجميع السوريين؟ أم أنّ البلاد ستغرق في فوضى جديدة تقودها المصالح الإقليمية والدولية؟
يبقى الشعب السوري هو الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، بعدما عانى لعقود من الاستبداد، ثم تحوّل حلمه بالديمقراطية إلى واقع مشوّه، لا يختلف كثيراً عن ماضيه القمعي. ولكن رغم كل شيء، لا يزال الأمل معلقاً بتحقيق حلم السوريين في دولة حرّة ديمقراطية فيدرالية، تضمن حقوق الجميع بلا تمييز.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “330”