ترامب وخطاب حقوق الإنسان
رضوان زيادة
لم يشارك وزير الخارجية الأميركي الجديد تيلرسون في الإعلان عن تقرير وزارة الخارجية الأميركية الدوري لحقوق الإنسان، بدل ذلك فضل الاجتماع بمسؤول هندي في الوقت ذاته الذي تم الإعلان عن التقرير من قبل «مسؤول» في وزارة الخارجية حتى ومن دون أن يكلف ذاتهعناء الظهور أمام الصحافيين للإعلان عن التقرير الذي اعتاد كل وزراء الخارجية الأميركيين السابقين أن يشاركوا في المؤتمر الصحافي بأنفسهم منذ بداية صدور التقرير في عهد إدارة الرئيس كارتر في السبعينات من القرن الماضي. وكان التقرير دوماً مناسبة للتأكيد على سياسة الخارجية الأميركية في الدفاع عن حقوق الإنسان عبر العالم، وتضمينها في قيمها خلال دفاعها عن سياستها الخارجية.
عدم مشاركة الوزير الجديد ليس تفصيلاً صغيراً، إنما يعني انعطافاً كاملاً في تجاهل ملف حقوق الإنسان وإسقاطه كلياً من السياسة الخارجية الأميركية، بكل تأكيد من الوهم الاعتقاد أن السياسة الأميركية كانت دوماً تضع حقوق الإنسان كهدف رئيس في سياستها الخارجية، بل وربما في أحيان كثيرة كانت حقوق الإنسان أحدى ضحايا هذه السياسة.
لكن هذا لم يمنع من تركيز الولايات المتحدة دوماً على الحاجة إلى تحسين حالة حقوق الإنسان في العالم، وبخاصة في دول المنطقة العربية، الآن ومع ترامب ربما تكون هذه السياسة قد اندثرت تماماً وأصبحت الشعبوية في الحمائية الاقتصادية هي من يحدد بوصلة سياسة الخارجية الأميركية للفترة المقبلة.
إن تضمين حقوق الإنسان في السياسة الأميركية وتوجهاتها يلعب دوراً في توجيه دفة السياسات المحلية والوطنية داخل أميركا وخارجها، وبخاصة في منطقتنا العربية التي تشهد حالة حقوق الإنسان فيها وضعاً كارثياً، فعندما يتبنى المجتمع الدولي (والولايات المتحدة هي اليوم أقوى معبر عن إرادة هذا المجتمع) سياسة تعتمد على احترام حقوق الإنسان ومبدأ تعزيز الشفافية ونشر الديموقراطية تسعى الحكومات المحلية للتكيف – ولو في شكل مصلحي وموقت- مع أجندتها السياسية مما يكون له دور فاعل في تقوية وتعزيز نشاط المجتمع المدني الذي يرتكز في مبادئه على هذه المقولات ويستند إليها.
في الوقت ذاته ربما يعتقد البعض أن الاستخدام المصلحي للولايات المتحدة لمفهوم حقوق الإنسان والديموقراطية خصوصاً بعد حرب العراق وفشل الولايات المتحدة في العثور على أسلحة الدمار الشامل أساء للمفهوم وعقد المهمة أمام الديموقراطيين وناشطي حقوق الإنسان العرب. هذا صحيح بنسبة كبيرة لكن بالوقت ذاته علينا أن نتذكر دوماً أن بقاء مفهوم احترام حقوق الإنسان في صلب النقاش الدولي أفضل بكثير من إلغائه تماماً لحساب مفاهيم الحرب على الإرهاب والشعبوية السياسية.
فخلال فترة حكم الرئيس بوش الابن برز تيار داخل الولايات المتحدة رأى أن الديموقراطية التي تسعى إدارة الرئيس بوش إلى إقرارها في المنطقة العربية، وتخصص من أجل نشرها جهوداً ومبالغ هائلة، قد لا تكون بالضرورة في مصلحة الولايات المتحدة في الأجل المنظور، ذلك أنها قد لا تفضي بالضرورة إلى وجود حكومات أو أنظمة حليفة لواشنطن بالتزامن مع الإبقاء على التنسيق المستمر والاستراتيجي مع واشنطن من أجل دعم وصيانة مصالحها، وكانت آخر انتخابات شهدتها بعض الدول العربية بخاصة في فلسطين ومصر خلال العامين 2005 و2006، وكان للتيارات الإسلامية وبخاصة صعود حركة حماس وقتها انعكاسات كبيرة على فكرة الدمقرطة في المنطقة العربية من وجهة النظر الأميركية، حيث كانت نتيجة إجراء تلك الانتخابات في أجواء تتمتع بقدر لا بأس به من النزاهة والديموقراطية، أن حملت إلى مواقع السلطة والحكم والتشريع في هذه الدول أشخاصاً ذوي توجهات مناوئة للولايات المتحدة أو أفكار راديكالية إسلامية، وهو الأمر الذي وضع الالتزام الأميركي في شأن نشر الديموقراطية في تلك المنطقة حينها من العالم على المحك، حيث ثار حينها جدل داخل الدوائر السياسية والأمنية الأميركية حول المفاضلة بين الديموقراطية في العالم العربي من جهة، والمصالح الإستراتيجية الأميركية في تلك المنطقة من جانب آخر.
وهي المفارقة نفسها التي حملتها ثورات الربيع العربي، ودفعت بسياسيين بارزين من مثل المرشح السابق كروز لتبني فكرة دعم الديكتاتوريات في المنطقة العربية على حساب احترام القيم الأميركية وحقوق الإنسان لأن ذلك سوق يقود إلى وصول الإسلاميين إلى السلطة في المنطقة العربية.
بكل الأحوال تبدو مساهمة الولايات المتحدة في نشر الديموقراطية في المنطقة العربية ضئيلاً للغاية مقارنة مع مجموع المبالغ التي صرفتها الإدارة الأميركية لنشر الديموقراطية للإنفاق على برامج دعم الديموقراطية في دول أوروبا الشرقية بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة. وعلى سبيل المثال فقد أنفقت الولايات المتحدة في أول خمس سنوات بعد انتهاء الحرب الباردة ما قيمته 4.264 بليون دولار على برامج دعم الديموقراطية في الجمهوريات السوفياتية السابقة، وبصورة أخرى كان نصيب الشخص الواحد في الجمهوريات السوفياتية من مخصصات الولايات المتحدة ما قيمته 14.6 دولار، في حين أنفقت الولايات المتحدة على كل مواطن في الشرق الأوسط منذ حوادث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ما قيمته 0.8 دولار.
لعل ذلك يحمل مؤشراً على مدى «الجدية» الأميركية في نشر الديموقراطية خلال العشر سنوات الماضية وبخاصة في ظل تصاعد ثورات الربيع العربي وازدياد الحاجة لفكرة دعم التحول الديموقراطي في المنطقة.
لكن الآن مع سياسة ترامب الجديدة حتى مفهوم خطاب حقوق الإنسان ولو فقط على مستوى اللفظ سيغيب تماماً، وعليه أن نتوقع عالماً أكثر توحشاً وأقل احترماً لحقوق الإنسان.
وبذلك تكون الديموقراطية العربية ومنظمات حقوق الإنسان العربية أمام محنة حقيقية في ظل ازدواجية الخطاب الأميركي والعربي على السواء، وكل ذلك لا يبشرنا بأن ديموقراطية ما ستولد من رحم هذه الازدواجية. وسيكون مصيرها الإهمال كما حدث ذلك – وببساطة- على مدى عقود سابقة قد خلت.
الحياة
جميع المقالات لمنشورة تعبر عـــن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عـــن رأي يكيتي ميديا