تركيا في مواجهة “داعش” أم في مواجهة “الكوردستان”
صبري حاجي
منذ خسارته الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من حزيران من العام الجاري , بدأ يظهر جلياً الأداء السلبي لحزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منفرداً منذ عام ألفين وأثنان على صعيد الداخلي وضعف دوره المحوري بعد فقدانه الأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة ,وعدم قدرته على ايجاد شريك مريح له لتشكيل حكومة إئتلافية لأخراج البلد من أزمته الحالية , بتشديد اللهجة نحو حزب الشعوب الديمقراطي وجناحه العسكري حزب العمال الكوردستاني ,الذي استطاع كسب أصوات الناخبين على حساب العدالة والتنمية بحصوله على ثمانين مقعداً من أصل خمسمائة وخمسون مقعداً لا يمكن تجاوزه , وتخطيه لأول مرة النسبة المطلوبة التي وضعها الرئيس الانقلابي الأسبق كنعان أفرين سنة الف وتسعمائة وثمانون للحؤول دون دخول الكورد قبة البرلمان .
ولتخفيف العبئ الملقاة على عاتق أردوغان ونفي الشبهات عنه عبر اتهام الكثيرين له بارتباطه بعلاقات ودية وحميمة مع تنظيم داعش الارهابي في كثير من المستويات وعلى أغلب الصعد ,لوجستياً وميدانياً, ذهب مجدداً الى اللعب بالورقة السورية ـ العراقية ,على حساب الكورد ,فسارع الى ابرام اتفاق مع الويلايات المتحدة الأمريكية التي تقود تحالف من ستين دولة ,والسماح لها باستخدام قاعدة انجرليك ومطار ديار بكر الحربي وغيرها من المطارات الحربية في داخل اراضيها ,لضرب اهداف تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسورية ,كخطوة اولى نحو الدخول الفعلي الى التحالف الدولي للقضاء على الارهاب ,بعد عملية انتحارية في مدينة سروج الحدودية مع الشمال السوري الخاضع لسيطرة قوات وحدات حماية الشعب التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي وليد حزب العمال الكوردستاني ,ومقتل شرطيين اتراك في جيلان بينار للأسباب الأتية :
أولاًـ عدم استغلال المعارضة الدخلية المنافسة على اختلاف انواعها هذه الأوضاع بإثارة قلاقل ومعوقات له في البلاد لكسر شوكته وشعبيته ,ثانياً ـ تهديد حلف النيتو بسحب عضوية تركيا ,واهماله لها ,بالسير قدماً في مواصلة ومتابعة محاربة الدواعش بالتعاون والتنسيق مع القوى الدولية الجامعة تحت لواء التحالف الدولي المشكل للغاية المنشودة دون العودة إليها ,وإعلان الويلايات المتحدة مراراً بأن الكورد هم شركاء حقيقيون لها وللتحالف على الأرض سواءاً في العراق أو في سورية ,يمكن الاعتماد عليهم بإشادة وزير دفاعها آشتون كارتر من اربيل عقب لقائه الرئيس مسعود البرزاني ,معتبراً قوات البيشمركة “نموذجاً” وانهم يحاولون بناء قوة مثلها على امتداد العراق ,ويوماً ما في سوريا قادرة على القيام بما فعلته القوات الكوردية .
ثالثاً ـ الوضع الداخلي الهش واحتمال الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة لتعويض خسارته على حساب حزب الشعوب الديمقراطي الكوردي ومهاجمته خلال للنيل منه ,عبر محاولاته المزعومة بجر الكوردستاني الى القيام بعمليات عسكرية في داخل تركيا لتشويه صورته وسمعته على صعيدين المحلي ودولي لتثبت للعالم بالبراهين والادلة بأنه منظمة ارهابية لا فرق بينه وبين داعش السلفي وبالتالي يشكل تهديداً لأمنها القومي ,لتبرر أحقيتها في القضاء عليهما معاً ,رابعاًـ احداث توازن عسكري لصالح داعش على حساب وحدات الحماية الكوردية ,وإعادة رفع معنوياته ودعمه بعد سلسلة الهزائم والانكسارات التي تعرضت له في تل ابيض والحسكة وصرين .
خامساً ـ فك الأرتباط بين وحدات حماية الشعب التي تعتبرها الحكومة التركية بانها قوات العمال الكوردستاني في سورية لأضفاء صفة الارهاب عليها لنسف كافة الانجازات والانتصارات التي حققها على الارض بتحريرها مدينة تل ابيض وتطهيرها من الارهابيين والمتطرفين الدواعش والحؤول دون ربط كوباني بعفرين , وما سعيها لإقامة منطقة آمنة أو عازلة تمتد من جرابلس الى مرعلي أي من نهر الفرات غرباً الى مقربة من عفرين ثاني اكبر المدن الكوردية باتجاه الساحل إلا محاولة لأفراغها وتطهيرها من سكانها الأصليين الكورد ,ومن العنصر الكوردي ,بتشجيع إقامة المهجرين والنازحين من غير الكورد وتوطينها فيها ,لتبقى الفاصل قائماً بين كوباني وعفرين بعد ربط الجزيرة بكوباني ,لمنع توحيد أقليم غرب كوردستان ,ومنع إقامة دولة كوردية مستقبلاً في الشمال السوري المرتبط جغرافياً بأقليم كوردستان العراق .
فهذا التحرك الأحادي الجانب من قبل تركيا لمواقع الكوردستاني لم يلقى ارتياحاً امريكياً وغربياً مما اصطدم برد فعل سريع ومتباين ,حيث أكد البيت الأبيض في أول من أمس الأحد ” ان الاتصالات جارية مع تركيا حول مواجهة داعش وانه يرى < تحركاً تركياً اكثر يأساً في سوريا والعراق > لكن الادارة الامريكية حرصت على تأكيد ” تمايز” في المعركة ضد داعش من جهة وحزب العمال الكوردستاني من جهة أخرى ,داعياً وقف ” التصعيد ” على الجبهة الكوردية ,كما أبدت حذراً اكبر في الحديث عن ” مناطق عازلة ” على الحدود التركية ـ السورية ,كذلك دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء التركي احمد داوود أوغلو ” انه ينبغي الحفاظ على عملية السلام مع الاكراد على الرغم من كل الصعوبات ” .
وبالفعل شنت طائرات حربية تركية من غاراتها على بعض مواقع لداعش في سوريا , بالتزامن مع قصفها العنيف لمواقع حزب العمال الكوردستاني في مناطق اقليم كوردستان وذلك للتساوي بين الكوردستاني وبين داعش , وكأنها لم تصدق ترحيب امريكا بقرار انضمامها الى التحالف وتأكيدها بأن من حق تركيا الدفاع عن النفس وحماية أمنها القومي وأمن مواطنيها من المنظمات والعناصر الارهابية ,وان الكوردستاني ما زال ضمن قائمتها السوداء ,حتى تتسنى لها شن غارات مكثفة وغير مبررة على مواقع الكوردستاني علماً بأن الأخير في هدنة من جانب واحد بوقف اطلاق النار مع تركيا منذ شهر آذار من عام ألفين واثنا عشر .
فهذه الخطوة لا تساهم بشكل أو بآخر في حل الأزمة القائمة في تركيا لحزب العدالة والتنمية ,والاستفادة منها لجهة اللجوء الى الانتخابات المبكرة التي يراهن عليها السيد اردوغان وحزبه لإعادة الاصوات التي خسر ,بل سيمهدد الطريق امام حزب الشعوب الديمقراطي الموجود في الساحة بشعبية اكبر مما هو عليه الآن ,وان إعلان الحرب على الكوردستاني يدخل البلد الى نفق مظلم بعودة مرحلة عدم الاستقرار السياسبي التي سبقت استلام حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم ,ولا يخدم عملية السلام التركي ـ الكوردي ,انما يزيد الوضع تعقيداً لأن العنف لا يولد سوى العنف والعنف المضاد.
28.7.2015