تركيا من الرجل المريض الى العقل الظلامي المريض
عبدالغني علي يحيى
نشرت وكالة المسلة الاخبارية تقريراً وافياً عن مواقف القادة الاتراك ومفكريهم حول احتمال قيام كيان ديمقراطي كردي في غرب كردستان (كردستان سوريا) على غرار الكيان الديمقراطي الكردي القائم في جنوب كردستان (كردستان العراق) منذ عام 1992. ارتأيت الوقوف عند بعض من فقراته ومناقشتها:
(إن تركيا لايمكن لها أن تسمح بأقامة أقليم شمال سوريا على غرار أقليم شمال العراق واندماج الاقليمين وتشكيلها دولة واحدة تفصل تركيا عن سوريا والعراق)!!
هذا ما قاله الدكتور سعود حقي جاشين الاستاذ في جامعة اوز يغيين في الاناضول. ويبدو أن رجب طيب اوردوغان يجاربه الرأي:
(لا نريد تكراراً للوضع في شمال العراق ولايمكننا أن نقبل بنشوء ذلك في شمال سوريا)!!
هب أن الحكومة السورية وافقت على إقامة ليس منظقة حكم ذاتي أو فيدرالية للكرد السوريين، بل وحتى على استقلال المنطقة الكردية في سوريا، وحذت حذوها ايران والعراق مثلما وافقت حكومة السودان على استقلال جنوب السودان، فهل تتدخل تركيا أنذاك في الشأن الداخلي السوري والايراني والعراقي؟ اضف الى ذلك ، كيف ومتى أعطى القادة الاتراك لأنفسهم الامارة بالتخلف والعنجهية والسوء حق رفض اقامة دولة كردية في بلد أخر مجاور لبلدهم تركيا؟ ثم الا يتعارض المنع التركي المشار اليه مع مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير؟ يبدوا ان هذا الحق غير وارد لديهم ابداً، فهم في واد والمدنية والتحضر في واد أخر. عدا هذا وذاك، هل يشكل الكرد السوريون في حال حصولهم على وضع يشبه وضع كردستان العراق جداراً يفصل بين تركيا وكل من سوريا والعراق؟ في وقت تتمتع تركيا بعلاقات مع السعودية والكويت والاردن واسرائيل.. الخ من الدول ومن دون أن تتأثر هذه العلاقات، بالعلاقات المتوترة بينها وبين كل من سوريا والعراق. وهما اللذان يفصلان تركيا عن هذه الدول. ان الحجة التركية تلك واهية تبعث على السخرية. وهل نسيت تركيا قبل نحو اكثر من عقد يوم قال حكامها من أنهم: (سيقضون على الدولة الكردية حتى لو قامت في الارجنتين)؟ لنفرض ان الدولة الكردية قامت في الارجنتين فهل تفصل أنذاك هذه الدولة تركيا ليس عن سوريا والعراق فحسب وانما عن الدول الاوروبية والامريكية؟ على القادة الاتراك ومنظريهم ان يكفوا عن اطلاق مثل هكذا مواقف واقوال مخجلة تثير في المرء التقزز.
أما محمد شاهين نائب رئيس معهد الفكر الاستراتيجي فلقد قال: (من المستحيل قيام أي كيان في المنطقة طالما لايحظى بدعم من تركيا)!!
ليس من حق تركيا ان تنصب نفسها شرطياً للمنطقة، ولقد سبق وأن لقب شاه ايران في زمانه بشرطي الخليج ثم وقفنا على المصير البائس لذلك الشرطي، ان شعوب المنطقة وحدها لها الحق في تقرير مصيرها ونيل النظام الذي تريده، وليعلم محمد شاهين، ان الشعوب غير التركية في تركيا وعلى رأسها الشعب الكردي، ستختار النظام الذي تريده ان عاجلاً أو أجلاً. لعمري، أن ليس في العالم الان حكام ومفكرون يتميزون بافكار واقوال حاقدة عنصرية منفلتة من عقالها وغير مهذبة باستثناء حكام أنقرة الذين تذكرنا افكارهم وممارساتهم البائسة بافكاروتصرفات عصابات كوكلاس كلان في امريكا والابارتهايد في جنوب افريقيا ونظام الفصل العنصري لأيان سمث في روديسيا= زيمبابوي الحالية ايام زمان، ان الثالوث العنصري الشهير ذاك لم يمت بل بعث حياً في تركيا (الاسلامية) الحالية. ان العنجهية والعنصرية التركية وراء العلاقات المتوترة بين تركيا وجارتها الغربية اليونان وكذلك مع جارتها الشرقية ارمينيا وبسبب هذه العنصرية فان المحللين يعدون الصراع بين تركيا وايران امتدادا للصراع العثماني الصفوي كما ان العلاقات التركية مع روسيا ودول البلقان ليست على ما يرام كما يعلم الجميع.
لما تقدم، هل يمكن تصور قيام الحكومة التركية الحالية بحل القضية القومية الكردية في تركيا، وهي التي (الحكومة التركية) تكافح بشدة اي حق قومي مشروع للكرد في سوريا. هنا على القادة الكرد والمجتمع الدولي أن يعلموا أن تركيا لن تقر بأي حق قومي لكردها ولن تطبق مايسمونها بالعملية السياسية لأنصاف الكرد، على اولئك القادة أن يدركوا هذه الحقيقة ويأخذوها بنظر الاعتبار ولاينخدعوا بالكذب التركي المتواصل، ويعودوا الى المقاومة المسلحة إذا واصل الحكام الترك مماطلتهم وخداعهم اكثر، وان لا يتنازلوا عن مطلب الاستقلال الذي سبق وان نادوا به في مستهل إندلاع الثورة الكردية في شمال كردستان عام 1984.
لقد قلت في مقال سابق لي نشرته قبل اعوام، ان تركيا هي قلعة العنصرية التي يجب أن تزال، وعلى أحرار العالم ان ينتصروا للحق الكردي في سوريا ويعاملوا تركيا مثلما عاملوا عنصريي جنوب افريقيا وروديسيا.. الخ في الماضي، ولا يخفى على أحد ان ممارسات وافعال داعش المدانة والمدعوم من تركيا، فأن اقوال القادة الترك بحق الطموح الكردي المشروع لا تقل وحشية وهمجية عن ارهاب داعش، فافكار واعمال حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا غريبة على القرن الحادي والعشرين، قرن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير.
ان المواقف الحالية والسابقة للحكام الاتراك من القضية الكردية وبالأخص قضية الكرد السوريين ستجلب بالضرر حتماً على مصالح الشعب التركي الجار، وهذا ما لانريده، وان من شأنها ان تنال من سمعة ومكانة تركيا في العالم، الامر الذي لانريده أيضاً، ان الذي نريده، هو تقدم تركيا ورفاهية سكانها وهذا لن يتم مالم تراجع تركيا مواقفها التي اشرت إليها، عليها ان تتراجع عن عنصريتها وعنجهيتها وتقدم على فتح صفحة جديدة مع الكرد تقوم على الاعتراف المتبادل ببعضهما بعضاً واحداث قنوات تعاون مع الكرد اينما كانوا وعلى وجه الخصوص كرد سوريا. وسوف تجني ثماراً جمة من تغيير موقعها حيال كرد سوريا، اذ لا ننسى ان جنوب كردستان شبه المستقل لم يلحق الضرر في أي يوم من الايام بتركيا وللتأكيد على ذلك يكفي القول انه البلد الثاني بعد المانيا والعراق من حيث استيرادها للبضائع التركية وفسح المجال أمام شركاتها للعمل في كردستان، يقيناً انها ستجني الفائدة نفسها في حال تغيير نهجها ازاء كرد سوريا واقرارها بحقهم في تقرير مصيرهم هذا هو الطريق الصحيح الكفيل بتطور تركيا نحو الافضل طريق الانفتاح على الكرد وقوميات تركيا والمنطقة كافة.
Al_botani2008@yahoo.com