تغريدة ترامب و”لولحة” عصي الطاعة
وليد حاج عبد القادر
في خطوات بدت عليها الارتباك المتسمة بغباء صريح، لم يستطع الجهل تغليفه ولا الدجل المراوغ تزييف بل تلازمتا كمرادفتين تترافقان كظل لمجمل التصريحات الفردية منها أو الجمعية للمواقف والبيانات التي تطرح ولا تزال في توصيف الموقف من تغريدة ترامب غير المفاجئة في سحب القوات الأمريكية من كامل سوريا، هذا الموقف الذي أتى بعد أقل من شهرين لوضع ثلاثة من أبرز قادة منظومة PKK في قائمة المطلوبين ورصد جوائز مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تصفيتهم أو إلقاء القبض عليهم.
إن صناعة الاستغراب المبتذلة كردة فعل على قرار ترامب خلقت لدى المتتبع الكوردي دهشة مركبة مشفوعة بسيل من الأسئلة التي تطرح ذاتها كصفعات تلسع وجه صناع تلك الدهشة في هذه المنظومة التي تتجاهل عن قصد كل تصريحات قادتهم السابقة، والتي تلت ملحمة كوباني وسبقت معركة تحرير الرقة وسلسلة التصريحات والمواقف والبيانات بدءاً من أقوال صالح مسلم إلى د .ناصر حج منصور ونواف خليل لصحيفة الشرق الأوسط، والعديد من التصريحات المواكبة والصادرة من إدارتي أمريكا أوباما وترامب، بأنهم موجودون في سوريا لمحاربة الإرهاب فقط، وكانوا صادقين بأقوالهم وأفعالهم في مناطق مجاورة عديدة.
هذا الأمر الذي تمت الإشارة عليه من قبل كثيرين ووردت أكثر من رسالة تؤكد أنهم مشمولون بتلك القاعدة، وهذا ما جرى قبل عام أو أكثر في جنوب سوريا مع جيش اليرموك الذي كان يدار في الجنوب، وما زلنا نتذكر كلمات بسام الزعبي المستشار السياسي لجيش اليرموك حينها حيث قال بصريح العبارة: إن غرفتي عمليات (الموك والموم) قد أخبروهم بأن الدعم العسكري – للثوار – سيتوقف اعتباراً من أول السنة الجديدة القادمة – المقصود سنة 2018 الجارية – و أردف: هناك دول عرضت علينا مهام غير واضحة كالعمل حراساً للحدود أو الانخراط في الشرطة المحلية، وهنا للتذكير مجدداً: بالعودة إلى قوات سوريا الديمقراطية وأيضا إلى ما قبل سنة تقريباً، وتحديداً بعد انفضاض اجتماع الطبقة وما تردد عن نية أمريكا وقف الدعم العسكري ومن ثم (على “ق س د” أن تغير استراتيجيتها!)، وما نسب حينها ويصرح بها الآن بلا مواربة د . رياض درار الرئيس المشترك لفدرالية الشمال حول انخراط القوات المنسوبة لهم في هيكلية الجيش العربي السوري، وكان الملمح الأقوى حينها أكثر من اجتماع تم بين الجيش العراقي وممثلين عن “ق س د” والاتفاق على الحماية المشتركة لحدود محافظة ديرالزور فقط، ناهيك عن قيام أمريكا بخطوات أكثر كتدريب لقوى محلية في مجال حفظ الأمن المدني وكذلك المعسكر الموجود في جنوبي الحسكة.
أقرت أمريكا قبل شهر تقريباً بجهوزية حوالي 8000 عنصر من أصل 40000 لتتسلم الإدارة المحلية والتصدي لداعش، هذه المتغيرات التي تذكرنا بما مارسته أمريكا مع – جيش مغاوير الثورة – و- كتائب شهداء القريتين – حينما أصرت أمريكا على سحب أسلحتها منهم بسبب صدامهم مع قوات النظام!.
ها هي المعلومات تتواتر من فصيل “أسود الشرقية” و”قوات أحمد العبدو” عن موافقتهما على تسليم أسلحتهما للنظام السوري برعاية أردنية شريطة نقلهم مع عوائلهم إلى مناطق الشمال السوري، وذلك أيضاً على خلفية قرار الانسحاب الأمريكي من مناطق التنف وصولاً إلى الكيلومتر الـ55، كما صرح “سعيد سيف” الناطق الرسمي باسم “قوات أحمد العبدو” في تصريحات لموقع حلب اليوم، بزعم أن “الفصائل غير قادرة على حماية المنطقة، أمام الآلة العسكرية والطيران الروسي بعد إعلان التحالف وقف الدعم.
وعوداً على بدء، والحالة هذه وأمام الانكشاف الكلي للحقيقة التي كانت واضحة مع سلسلة التصريحات السابقة لهذا الأمر من قادة PYD بأن التحالف الدولي ووجوده ككل مرهون بمحاربة الإرهاب، ولا أحد يستطيع تصور الدقائق التي ستليها، وجاءت تغريدة ترامب لتوضح مآلات الأحداث أكثر ومعها حجم الفزع والرعب الكامن، وبالتأكيد لم تكن بنتائجها مفاجئة، وهنا يتحتم على PYD الإقرار وبشفافية عن الموقف وكخطوة أكثر من متوقعة، لابل هي في الأساس العقدة / الركيزة لاتفاق لافروف / كيري، والذي اتخذ منحى ثلاثي بانضمام الأردن إليها حينها، وما سمي بمنطقة خفض التصعيد في الجنوب وباطنيتها الملزمة وإن بدت وكأنها غير منكشفة، وأعني بها خفض القوة التي أخذت مسارها في مناح عدة من حي الوعر الحمصي رجوعاً إلى القلمون فالغوطتين وبعدها إلى الجنوب ذاته، وهي تتركز الآن في نطاق محافظة إدلب وبقع من أرياف محافظات مجاورة لها، لتضم إليها كتلة كاملة في منطقة اتسمت بشرقي الفرات، ومن جديد لتفصح عن النية الحقيقية في إعادة بسط سيطرة المركز تخوفاً من تكرار تجربة “بريمر” في العراق، في عودة لكامل الخارطة السورية بعد أن أفرغ النظام من وسائل الهيمنة أو فرض السيطرة بالقوة المفرطة، وسيتجانس معها مرحلة الانتقال إلى متوالية الحل السياسي الذي ارتهن بصياغة دستور جديد لا تقل عمليات ماراثونها أيضاً عن حجم كبريات المعارك ، والتي بتصوري ستنجح بآليات سلسة في القادمات من الأيام وفق جدلية الشد من ناحية والجذب صوب آليات إعادة الإعمار.
باختصار، وأمام مجمل ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي، ومنذ بدايات هيمنته على الوضع في المناطق الكوردية، بدا واضحاً وكأنه كلف بتنفيذ أمرين، أولهما: محاربة التوجه القومي الكوردي الجاد وملاحقة نشطائه، والثانية: ممارسة سياسة الاستفزاز والاستدراج للعدوانية التركية المتخمة أصلاً بإرث عدائي فظيع للكورد وكوردستان، (وما استعراضات الخيم والإضرابات عن الطعام لفك الحصار عن السيد أوجلان، والمظاهرات التي تتقدمها صوره، إلا نماذج عن ذلك)، هذا الأمر نبه عليه النشطاء والأحزاب القومية الجادة، رافقتها خطوات عديدة مورست إقليمياً وبدا دور نظام الملالي في إيران واضحاً في الانقلاب الذي حصل داخل منظومة PKK بإزاحة “قره يلان” وفرض “جميل بايق” و”بسي” المغيبة عملياً الآن، وتمترس “دوران كالكان” بدرجة آية الله في المنظومة، هذه الحالة غير المغيبة عن أنظار المتتبعين لأي خطوة إيرانية في المنطقة والموضوعة تحت المجهر، وبات الهدف الرئيس لأمريكا بالذات.
من الطبيعي هنا أن كل الملحقات والتوابع ستكون تحت المجهر، ولعله لهذا تتوافق غالبية الحريصين على الشعب الكوردي ومناطقه الطلب من “ب ي د” فك الارتباط مع منظومة PKK وإخراج كوادرها وعسكرييها من المنطقة، ويزيد عليها الكورد، عودتها إلى الحاضنة الكوردية ونبذ التفرد والهيمنة.
إن التهديدات التركية هي مجرد صراخ بجعجعة لن تكون لها مفاعيل سوى في مخيال من يهيجها ويقدم لها المبرر تلو الآخر، وتركيا رغم كل آلتها الحربية عاجزة عن التدخل العسكري الكلاسيكي، لكنها تستطيع اختيار مواقع محددة وبدقة، وخلق حالة تدفع بالناس إلى الفرار والتوجه إما جنوباً أو شرقاً، عساها تكون استكمالاً لـ- ملحمة مقاومة العصر – في استكمال عملية التهجير الممنهج من جهة، ووضع تركيا في مواجهة دول العالم كدولة ممنهجة للهجرة بطابع التغيير الديموغرافي، كل هذا وإدارة PYD لا تزال تعوم في سياحة الاستهلاك الإيديولوجي باستنزاف فائض قوتها استبداداً وتفرداً، تنفيذها بحرفية وإتقان فظيعين في عموم المناطق الكوردية بزعم جرجرة تركيا إلى الحديقة الخلفية لها.
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media