تغيير ديموغرافي قد يقضي على عفرين … بإشراف الأتراك
إبراهيم اليوسف
نشر أحد الصحافيين الكرد السوريين على صفحته الفايسبوكية الشخصية» عبارات ألم وعتاب مريرة موجهة إلى أهالي» باب عمرو» السورية، وهي موجهة إلى كل الذين تعاطف الكرد معهم في بداية الثورة السورية إلا أنهم أداروا لهم ظهر المجن، إذ كتبت على جدار منزل مهدم في قرية» جمان» في عفرين، على سبيل المثال عبارة: أحرار باب عمرو، من قبيل التشفي…، ما جعل مثل هذا الشاب وأمثاله من الناشطين الشباب الكرد الذين تضامنوا مع المدن السورية التي تعرضت وأهلها للاعتداء من قبل النظام يأسفون من هذا التشفي.
لم تصمد تركيا ولو بعض الوقت، أمام وعودها التي قطعتها على نفسها، عشية احتلالها عفرين، إذ ادعت أنها لم تأت إلا لتحريرها من» الإرهاب» المزعوم، على رغم أن ما ارتكبته لم يكن إلا مجرد إرهاب، وتدخل في شؤون بلد جار، ناهيك بأن لا أحد سواها يصنف- الاتحاد الديموقراطيpyd -كحزب إرهابي، وإن نظامها الحاكم يصنف كل كردي إرهابياً، بدليل أن رئيس تركيا طيب أردوغان كان من الأوائل الذين انخرطوا في الزوبعة التي أثيرت ضد إقليم كردستان، عشية نكسة كركوك، معلناً أن تركيا ستدخل في الحرب على الكرد، بعيد الاستفتاء الذي دعا إليه إقليم كردستان، مهدداً شعب الإقليم بالتجويع، وقطع كل المنافذ التجارية، ضارباً عرض الحائط كل إرث العلاقات المتشكلة بينه وحكومة الإقليم من جهة وبينه ومسعود البارزاني.
وإذا كانت تركيا، مستعينة بفصائل من بقايا الجيش الحر الذي كانت وراء إجهاض فكرته التي أنشىء بسببها، بالإضافة إلى جهات أخرى، استطاعت احتلال مدينة عفرين، بعد نحو شهرين من الحصار والقصف المتواصلين، فإن القوات التي دخلت عفرين لم تختلف في سلوكها أثناء دخول القرى والمدن عن تنظيم «داعش»، إذ تم إفراغ المنطقة من أهلها، إلى الدرجة التي لم يبق في عفرين- المدينة – إلا أقل من عشْر سكانها الأصليين، ليتوزع أهلوها إلى مناطق عدة، أكثرها تابعة للنظام الذي لم يحرك ساكناً من أجل إنقاذهم، بينما كان يتم قصفهم المتواصل، وأسر واعتقال الآلاف منهم، سواء ممن تم القبض عليهم أثناء خروجهم من المدينة، أو ممن بقي فيها.
وقد أظهرت المشاهد المصورة التي تسربت عمليات نهب وسرقة كبرى لمنطقة عفرين: أريافاً ومدناً، بحيث تمت سرقة مستودعات التموين والمخازن الرسمية، بالإضافة إلى المحال العامة، وأرزاق المدنيين، ومواشيهم، وإبلهم، ودواجنهم، وزيوتهم، وزيتونهم، وأجبانهم، وحبوبهم، بالإضافة إلى آلياتهم الزراعية، ووسائل نقلهم. ولم يسلم من السطو المسلح إلا المناطق الريفية القريبة. ومن تبقوا من أبناء عفرين الذين تشبثوا بمكانهم، أو انعدمت حيلهم في الخروج منها يعيشون في ظل أوضاع مزرية، لاسيما في ظل انعدام: الكهرباء، وشح المياه.
ويبدو أن الأمر ازداد مأساوية وخطورة على عفرين، ديموغرافياً، بعد أن تم استقدام آلاف الأسر من أبناء المناطق المحاصرة، وذلك بالتواطؤ بين النظام وتركيا، بغرض إحداث التطهير العرقي، إذ إن نسبة سبعين في المئة ممن يسكنون عفرين هم من الغرباء الذين يتم تسليم بيوت المدنيين لهم، عنوة، بعد كسر أقفالها، حتى وإن كان بعضهم في زيارة إلى بعض ذويه ضمن المدينة، أو خارجاً للتسوق، وسوى ذلك، ناهيك عن أن هناك آلاف الأسر التي سبق وتمت استضافتها، من قبل أبناء عفرين، راح كثيرون منها يختارون أفضل مساكن الأهالي، بل إن هناك من راح يستخدم محالهم التجارية.
وقد أصدرت الفيديرالية السورية لحقوق الإنسان تقريراً في أكثر من مئة صفحة عن الانتهاكات التي تتم، في ظل احتلال عفرين التي تعد منطقة منكوبة، غير آمنة، يمارس بحقها وذويها التطهير العرقي، من دون أي تحرك للمنظمات والجهات الدولية المعنية، كما أن هناك الآلاف من الأسرى والمعتقلين لدى الفصائل المسلحة، بالإضافة إلى من يتم ترحيلهم إلى تركيا للتحقيق معهم ومحاكمتهم وابتزازهم بهدف إجبارهم على الإدلاء بالمعلومات، أو الاعتراف بانتمائهم إلى pyd مع أن المنتمين إلى هذا الحزب قد انسحبوا من عفرين بعد تخلي العالم عنهم.
عفرين، الآن، تعيش أسوأ حالة تطهير عرقي في تاريخها، من قبل تركيا والفصائل التابعة لها. إنها حرب إبادة بحق حوالى أربعمئة ألف نسمة من أبناء عفرين، ومصير آلاف المعتقلين هو مسؤولية الجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ولابد من تنظيم لوائح بأسماء كل من هم وراء هذه الانتهاكات، وتقديمها إلى محاكم دولية.
الحياة