آراء

• تقاطعات ميثولوجية • ( الكُرد والأمازيغ والأثيوبيين )

وليد حاج عبد القادر

قسم 2 من 2

كما كنّا قد نوّهنا في القسم الأول – والذي تمّ نشره في العدد السابق لجريدة يكيتي – عن أهم التقاطعات الثقافية للمجتمعات البشرية وتحديداً في الجذر التشاركي ، والأهم تلك العلاقة الجدلية بين طبيعة الإنتاج ومتواليات نمطها الثقافي ، وتلك البنى الرئيسة التي ارتكز عليها الوعي البشري منذ لحظات انطلاقتها كتحول لمفهوم واعٍ ومسجّلٍ للحظاته ، وكما أسلفنا من جديد وفي مفهوم ذات التراكم من جهة ، والوعي المنتج وكنمط لبيئة الإنتاج أيضاً من جهة أخرى ، وكنّا قد كتبنا وكأنموذج في قسمنا الأول عن الأمازيغ والأثيوبيين ، وأخذنا بشمولية ( إسقاس امقاس ) اي عام سعيد ، وسنركّز هنا ما يتقاطع معها في بلاد مابين النهرين ، حيث سنرى في المقابل ما يتقاطع مع ذات النمط المتشكّل طقسيا أيضاً أي أعياد اكيتو أو احتفالات الإينوماليش ونوروز وما شابه ، وفي التفاصيل وكنوعٍ من التقاص والمقارنة ، سنستعرض احتفاليات رأس السنة البابلية ( اكيتو ) والذي يعدّ أهم حدثٍ في التقويم الديني ، وكان له ألق خاص في بابل ، وموعده كان يتقاطع مع الإعتدال الربيعي ( آذار – نيسان ) وكانت احتفالياته تستمرّ 12 يوماً، حيث يحتفى فيها بالآلهة مردوخ ونابو وكذلك مدينة بابل ، حيث كانت الاحتفالات تصل إلى الذروة في اليوم الثامن ، وذلك أثناء مرور الموكب الذي يجمع بين ملك بابل وملك الآلهة مردوخ .

والحفل كان يقام على شارع الموكب حيث يمرّ تحت بوّابة عشتار الشهيرة ، لينتهي خارج الأسوار في معبد أكيتو،حيث يتمّ أداء الطقوس خلال الأيام الأخيرة من المهرجان . وفي الواقع فانّ عيد اكيتو أصلاً هو احتفال زراعي كان يقام في الربيع والخريف ، ( ويتقاطع كُرديا مع مفهومي بيظوك وبهاريان ) وليتخذ بعداً جديداً بارتباطه بالعام الجديد ، وأول معلوماته وردت في كتابات الألفية الأولى من الفترة الآشورية الحديثة والبابلية الجديدة . والعيد في بابل كان يرتكز على الطقوس والتضحيات والمواكب التي تنطوي على الحكام وتماثيل الآلهة ، وتلاوة أسطورة الخلق ( الإينوماليش ) ومن ثم التوقعات للسنة واستقراء القادمة ، خاصةً تثبيت مستقبل ومصير ملك بابل ، وعلى الرغم من أنّ كهنة معبد مردوخ بما فيهم كاهنهم الأعلى كان لهم مكاناً بارزاً في الاحتفالات ، إلا أنّ هذا العيد كان له أيضاً أهميته السياسية العميقة ، حيث كانت تتجدّد شرعية الملك مع تجدّد السنة أيضاً ، وعليه فقد كان عيد اكيتو هو أحد أهم أسس شرعية الملك وآلهته الرئيسية وكذلك بابل عاصمته الدينية والسياسية . وأكيتو هو أحد أهم وأقدم الأعياد الدينية التي عرفتها الحضارات الإنسانية في بلاد الرافدين رغم الاختلاف في تحديد معناه وبدايات ظهوره .

وتوعز المصادر التاريخية بدايات هذا العيد إلى مابين الألفين الرابع والخامس ق . م ، ويشير بعضٌ من المؤرّخين إلى أنّ السومريين والساميين احتفلوا به منذ عصر أريدو أي 5300 ق . م ، وبالذات في جنوب بلاد ما بين النهرين وباسم – زاكموك Zag mug – ( يلاحظ تقارب الكلمتين مع زك ماك الكُرديتين ) وكان يُحتفل به مرتين في العام الواحد في الربيع والخريف ، مما يثبت فرضية الارتباط الطقسي لها من جديد، وبالتقاطع ايضاً مع ذات الظاهرة وأعني به الجذر الميثولوجي للثقافة الرافدية ومنها الكُردية – بيظوك وبهاريان – . إلا أنّ الأمواج السامية التي وفدت لاحقاً إلى العراق وبلاد مابين النهرين واثناء وبعد السومريبن فقد اختاروا لها تسمية – اكيتو – وتعني ( الحياة ) . ويقول المؤرّخون بأنّ بداية عيد اكيتو تعود إلى القرن السادس ق . م وتحديداً في مدينة أور من حضارة وادي الرافدين . وأكيتو يمثّل رمزاً دينياً مقدّساً ، وهو عيد رأس السنة البابلية – الآشورية، وكانت احتفالاتها تستمرّ 12 يوماً ، حيث كانت تشهد تمثيليات وممارسات وطقوساً تجسّد فيها أسطورة الخلق وأسطورة “إينوما إيليش”، لتعود خلالها الحياة للإله مردوخ على يد ابنه الإله نابو ، لتبعث الحياة في الطبيعة وفي دورة حياةٍ جديدة .

وفي اللغة البابلية القديمة كانوا يسمّون هذا العيد “ريش شاتم”. وتعني كلمة ريش: رأس و شاتم تعني: سنة . وفي لغة “السورث” المحكية حتى اليوم في العراق من قِبَل الكلدان لا يزال يلفظونها : “ريش شاتة” أي رأس السنة . واستناداً لبحوث تاريخية ، فإنّ ذلك العيد كان معروفاً منذ الأزمنة العتيقة لبلاد ما بين النهرين في مدن مثل أريدو ، وأور ، ولجش، وكيش ، وأوروك. وهو واحد من عيدين رئيسيين : زاكموك و اكيتو .

وزاكموك هو عيد الاحتفال بحصاد الشعير ، وأيضاً عيد الاعتدال الخريفي المتزامن مع موسم قطف التمور . وكان يحتفل به في الخامس عشر من شهر أيلول من كلّ عامٍ ، ويرمز لقدسية نخلة بلاد الرافدين ولتجدّد وخصب الأرض المتمثّلة بشعائر الجنس في “الزواج المقدس” ورمزه الإله السومري “دموزي” وزوجته “أنانا” واللذين تمّ اقتباسهما في شخصية الإله “تموز” وزوجته “عشتار” عند البابليين . ولاحقاً ، استعيض عنهما بشخصية الإله “مردوخ” وزوجته “صربانيتوم” أثناء الاحتفال بعيد الأكيتو في بابل . ويقال ايضاً بأنّ عيد اكيتو يعود في جذوره القديمة الأولى إلى عيد لجز صوف الماشية والأغنام ، وكان يُحتَفَل به بين شهري آذار و نيسان ، ويُمثّل رأس السنة الجديدة ( الاعتدال الربيعي ) ، ثم أصبح من المتعارف عليه الاحتفال بهِ في اليوم الأول من شهر نيسان في كلّ عامٍ في إقليميَ الوسط والجنوب من بلاد النهرين ، إنّ الاحتفال بعيد اكيتو كان يتمّ لدى السومريين في شهري نيسان وتشرين، وكان يسمّى “أكيتي”، ومن ثم في عصورٍ لاحقة أطلِق عليه “اكيتو” وعند الأكاديين يعرف ب”أخيتو”. وتتمثّل طقوس الاحتفال بعيد “اكيتو” لدى بابل القديمة بانطلاق موكب الملك وخلفه رعية من عامة الشعب على وقع تراتيل دينية تمجّد الإله مردوخ فضلاً عن ممارسات أخرى بينها رشّ الماء وشراب النبيذ .

ويعدّ احتفال رأس السنة البابلية ، أو اكيتو، كأهم حدثٍ في التقويم الديني، وكان له تألّق خاص في بابل . ويصادف هذا العيد في الاعتدال الربيعي ( آذار- نيسان ) ويستمرّ اثني عشر يوماً ، يتمّ خلالها الاحتفال بالآلهة مردوخ ونابو وكذلك مدينة بابل . وتصل إلى ذروتها في اليوم الثامن ، أثناء الموكب الذي يجمع بين ملك بابل وملك الآلهة مردوخ .

وهذا الحفل كان يقام في شارع الموكب ويمرّ تحت بوّابة عشتار الشهيرة ، لينتهي خارج الأسوار في معبد أكيتو،حيث يتمّ أداء الطقوس خلال الأيام الأخيرة من المهرجان .

ويعدّ عيد اكيتو في الأصل كمهرجان احتفاليات زراعية كان يقام في الربيع والخريف ، ثم اتخذ بعداً جديداً من خلال ارتباطه بالعام الجديد ، وتتالت المعلومات عنه من خلال كتابات الألف الأول للفترة الآشورية الحديثة والبابلية الجديدة . العيد في بابل كان يشتمل على الطقوس والتضحيات والمواكب التي تنطوي على الحكام وتماثيل الآلهة ، وتلاوة أسطورة ملحمة الخلق واستقراء الوحي للسنة القادمة ، خاصةً مصير ومستقبل ملك بابل .

ومع أنّ كهنة معبد مردوخ ومن بينهم كاهنهم الأعلى كان لهم مكاناً بارزاً في الاحتفالات ، فإنه كان لهذا العيد أيضاً أهمية سياسية عميقة ، فمع تجدّد السنة كانت تتجدّد شرعية الملك . لذلك عدّ عيد اكيتو كواحدٍ من أهم أسس شرعية الملك وآلهته الرئيسية ، وكذلك بابل كعاصمته الدينية والسياسية الرئيسية .

وفي نهاية هذا الاستعراض لابدّ لي من استذكار التقاص بين العجوز الأمازيغية التي صارعت طقسياً شهر شباط ومقاربتها مع المثل الكُردي وعن قصة العجوز التي كانت قد ذبحت ثورها واقتعدت تحت الشمس تسلخ الجلد وبعد برهةٍ اخذت تعرق، فجرّت الذبيحة إلى الظل، وقالت في سرها : لقد أخذ الطقس يتحوّل إلى دافئ ومعها المياه ، علي أن أوقظ ( لاوكي خوا ) كإيحاءٍ طقسي لظاهرة التكاثر والتجدّد . ولعلّه من المفيد وكتلخيصٍ مكثف لظاهرة التجدّد السنوي وبمعاييرها المختلفة ، سواءً الطقسية منها والمرتبطة أيضاً بظاهرة الخصوبة بكافة معانيها من تكاثر – توالد وصولاً إلى مظاهر النضج وكمتوالياتٍ لظاهرة التجدّد ، وبالتالي ظاهرة المردود ، حيث يلاحظ عند كلّ شعبٍ من الشعوب تقليدها المتوارث في احتفاليات التجدّد السنوي ، والمرتبط أساساً بطبيعة الإنتاج ونوعه وبالتالي فصوله ، وكُردياً نتذكّر جميعاً طقوس احتفاليات رأس السنة وأهزوجتها :

dem û dem kîské qedem
seré salé biné salé
xwedé kurkî bide kebaniya malé
kebaniyé dest zérîné
desté xwe bavé kulîné
behra qirdik hirde bîné
..
• بعض مصادر هذا المقال من النت وأيضاً قصاصات من مراجع وكتب وصحف متعددة

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 300

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى