آراء

جمالية الفن اليدوي الكُردي

سولاف العمادي

تتميّز المرأة الكُردية بنشاطها ومشاركتها للرجل في الكثير من المهمات الحياتية، فهي تعمل يداً بيدٍ مع الرجل لتامين احتياجات العائلة وخصوصاً بالمجتعات الزراعية، ورغم العناء الكبير الذي تبذله في هذه المشاركة الفعّالة فهي لم تتخلَّ عن ذوقها وحسها الجمالي الذي استلهمته من طبيعة وبيئة كُردستان الجملية التي تشكّل محيطاً مبهراً من الألوان المتعددة بدءاً من البني والأخضر بدرجاته الكثيرة ودرجات الأزرق والبنفسجات والألوان الحارة الموجودةبالزهور وأشعة الشمس، بالإضافة إلى التناسق والتضاد والتكرار والمنحنيات الجميلة الزاخرة بها الجبال ،والتي تشحن الروح برؤى جمالية عالية انعكست على منجزات المرأة اليدوية النفعية التي لا تكفّ أيادي النساء عن إنجازها و التشية( المغزل) وهي أول أداة لغزل الصوف المأخوذ من الأغنام والذي تصنع بواسطته البسط والسجاد للاستخدام العائلي ، و كذلك حياكة بعض الملابس و الجوارب وتطعيمها باللون المستمدّ من الزهور والنباتات الموجودة بالطبيعة ومن بعض الأكاسيد المتوفرة بالتربة الجبلية، ومع تراكم الخبرة أصبحت المرأة مسيطرة على الأشكال والألوان واستعانت بأشكال الزهور بعد تجريد واقعها؛ لتنسجم مع التصميم المطلوب سواءً للبساط أو البارزينك أو السجاد كما أدخلت الخطوط التي تشكّل وحدات زخرفية جميلة إلى منتوجاتها اليدوية والتي أصبحت تملك أسلوبها الكُردي المميّز عن باقي الشعوب بألوانه البرّاقة المتوهّجة وزخرفتها الجميلة التي هي أبرز ما يميّز نتاج الشعوب الزراعية، وللتطريز مكانته وأهميتة للمرأة الكُردية ؛ لأنّ له دور كبير في إضفاء لمستها الجمالية لتجميل البيت الكُردي، فهنّ يطرزن الشراشف والأغطية والوسائد والكوشات وكلّ ما يحتاج إلى إضافة جمالية تريح العين والنظر ويستعملن لذلك خيوط ثابتة الألوان وخاصةً بالتطريز ،وتستورد خصيصاً لهذه الغاية ويدعم هذه الرغبة في التزيين والخلق الفني روح التعاون السائدة بالمجتمع، فالنساء يتبادلن الخبرات والتوجيه كذلك يزوّدن بعضهنّ البعض بالرسمات والخبرات الجمالية، ويساعدن بعضهنّ البعض بتعلم أنواع الغرز سواءً البسيطة أو المعقدة حسب نوعية القماش واستخداماته وفق ذوقهن وتكوينهن النفسي الطيب الذي يجيد التمييز والحكم والاستنتاج، وبعض هذه المنتجات تستخدم للتعليق على الحائط وتقسيمها إلى جيوب لتستوعب بعض الأدوات مثل الأمشاط والفرشاة وبعض الأدوات الخفيفة ، كما لاحظت في بيوت العمادية أنهم يطرزن قماشة بيضاء لتغطّي علّاقة الملابس، هذه الحاسة الكُردية المتعطّشة للجمال والتي تحرص على أن ينال كلّ جزء من دارها حصته من الذوق والأناقة،

كما تتبادل النساء الخبرات في مجال صناعة الكروشيه، والتي تعتمد على خيوط خاصة والسنارة ، ورغم جهل الأكثرية بالقراءة والعد سابقاً ولكنهن تجاوزن ذلك وحرصن أن يحصين الخطوات وطريقة عمل الدانتيل ؛ لتزيين نهايات الشراشف والوسائد، وكذلك يصنعن أغطية المناضد وبعض ملابس الأطفال وكذلك أغطية الرؤوس ( الكلاف) للرجال، وقد رأيت عند إحدى العوائل العمادية غطاء أو ثوب للمبة الإضاءة بالنفط وكانت مذهلة كأنّ اللمبة ترتدي ملابسها،

لي الفخر أن أنتمي لأمة الكُرد التي امتلكت كلّ ما يرتقي بالبشر من ذوق وفكر وجمال وموهبة وإحساس بارك الله لمستنا الجمالية لتخرج من حيزها المحدود وتري العالم جمال الروح الكُردية٠

شكراً لصديقتي الراقية الناشطة الكُردية بلقيس برزنجي لدعمي بالصور ولسخاء روحها الأصيلة .

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “316”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى