آراء

حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية: ثابت وظيفي ومتحوّل شعاراتي

عبدالباسط سيدا

كان من البيّن منذ اليوم الأول للثورة السورية في مرحلتها السلمية المدنية أن النظام قد اعتمد خطة متكاملة، خطة محورها وضع الرأي العام الداخلي والعالمي أمام بديلين سيئين، ليتم الاستقرار على ما يُعتقد أنه أهون الشرين.

فقد عمد بكل الأساليب الديماغوجية إلى إلصاق تهمة الإرهاب بالسوريين الثائرين على حكمه الفاسد المستبد؛ وعمل في الواقع الميداني على إبعاد السوريين من غير العرب السنة عن الثورة. كما استعان بطاقات المذهبيين و”العلمانيين”، ورجال الدين والأعمال، ممن كانوا على مدى عقود جزءاً من ماكينته السلطوية الشمولية المتغلغلة في سائر شعاب وثنايا الحياة العامة على مستوى الدولة والمجتمع، والحياة الخاصة على صعيد الأفراد.

وهكذا بقدرة قادر، وجدنا الجميع يعبر عن خشيته من إرهاب قادم، واستعداد للتصدي لخطر لم يكن موجوداً بعد.

ومع تزايد وتيرة الإنشقاقات مع كل تحريك للقطاعات العسكرية بهدف منع المتظاهرين والاعتصامات التي شملت معظم أنحاء سورية، لجأ النظام، بالتنسيق مع راعيه الإيراني، إلى اجراء آخر تمثّل في استقدام قوات مضمونة الجانب، تحارب السوريين تحت إمرته، و تتابدل الأدوار والوظائف معه، مع الحفاظ على هامش من الاستقلالية الشكلية بغرض التعمية والتضليل.

وهكذا دخلت قوات “حزب الله” والفصائل المذهبية العراقية تحت شعار حماية المراقد “الشيعية المقدسة”. ودخلت قوات “حزب العمال الكردستاني”، تحت اسم حزب الاتحاد الديمقراطي، بذريعة حماية “المناطق الكردية”، والحفاظ على “الخصوصية الكردية”، والعمل من أجل تأمين حقوق الكرد.

ومع تطور الأحداث، وظهور داعش “المنتظر” من جانب حلف النظام، رفع حزب الله النقاب عن دوره الحقيقي، ليعلن زعيمه أن قواته ستكون حيث يجب أن تكون فوق كل الأرض السورية، بهدف حماية النظام الذي هو ، وفق توصيف نصرالله، عمود خط “المقاومة والممانعة”، تلك المقاومة التي أدرك السوريون والعرب مرخراً أنها تعني، وفق حسابات النظام الإيراني، تمزيق مجتمعاتهم، وارباكهم بصراعات داخلية عقيمة، تلتهم مقدراتهم، وتحول بينهم وبين تنمية حقيقية. وكل ذلك بهدف إفساح المجال أمام تطبيق الخطط التوسعية التي وضعها ايديولوجيو “تصدير الثورة” الإيرانية منذ ثمانينات القرن المنصرم.

أما “حزب العمال الكردستاني”، فقد انيطت به مهمة خاصة، تمثّلت في “ضبط” المجتمع الكردي، واتخاذ كل التدابير التي من شأنها الحد من درجة تفاعله مع الثورة السورية، ذلك التفاعل الذي كان لافتاً قوياً في البداية. فالكرد شاركوا بفعالية في الثورة، من موقعهم ككرد عانوا من الاضطهاد المزدوج على مدى عقود نتيجة سياسات النظام التمييزية ضدهم؛ ومن موقعهم كسوريين توّاقين إلى نظام ديمقراطي، يضمن الحرية والعدالة والكرامة لجميع السوريين من دون أي استثناء.

وكان دخول قوات الحزب المعني إلى الداخل السوري ، لأداء دور متكامل مع دور “حزب الله” في ميدان دعم النظام.

والجدير بالذكر هنا، هو أن إيجاد مثل هذا التعاون بين حزب علماني وآخر مذهبي لم يكن السابقة الأولى في سلوكيات النظامين السوري والإيراني، إذ كان قد سبقه تعاون وثيق بين الفصائل المذهبية العراقية والإيرانية من جهة، والمجموعات والخلايا الإرهابية التي كان حزب البعث “العلماني” يرسلها إلى العراق تحت إشراف مكتب نصرة الشعب العراقي، وذلك بهدف اشعال حرب طائفية، تؤدي في نهاية المطاف إلى تفجير المجتمع العراقي من الداخل، ليصبح، بعد عملية الإنهاك، مهيأ لأي تطويع.

ومع كل خطوة إيجابية كانت المعارضة السورية تقدم عليها في ميدان التعامل مع الملف الكردي السوري، كان الحزب المعني يرفع سقف المزاودات الشعاراتية من أجل الإمساك بالورقة الكردية السورية، مستغلاً واقع ضعف الأحزاب الكردية وترهّلها، قبل وبعد تشكيل المجلس الوطني الكردي السوري، وانشغال تلك الأحزاب بخلافات داخلية شللية هامشية، منعتها من اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب.

وقد تمكن الحزب المعني بفعل ماكينته الإعلامية التضليلية من تجنيد أعداد كبيرة من الشباب الكردي السوري، هؤلاء الذين اعتقدوا أن انخراطهم في صفوف هذا الحزب وقواته، سيمكنهم من رفع الظلم عن كاهل الكرد، وضمان حقوقهم، فأصبحوا بذلك وقوداً لمشاريعه التي مارس من أجل تسويقها شعبوياً كل أساليب التضليل الإعلامي، ولعب باستمرار على وتر دغدغة المشاعر القومية، هذا إلى جانب المشاريع الوهمية مثل: ” الإدارة الذاتية”، و”الكانتونات” و “الدستور”. ومشروع الفيدرالية بأسمائه المختلفة.

ولكن مع تطور الأحداث نتيجة المتغيرات، تبدلت أولويات الدول، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية في عهد أوباما، وتجسد ذلك في التوافق الأميركي- الروسي على تقسيم العمل، واستخدام قوات الحزب المعني هنا في محاربة الإرهاب الداعشي، الذي تشير كل الدلائل بأنه قد تشكّل واُعتمد لمصلحة النظامين الإيراني والسوري. أما الغاية فقد كانت وضع العالم أمام الخيار الزائف: إما الاستبداد أو الإرهاب، ليختار الأكثر انسجاماً مع حسابات المصالح، مقابل التعهد بتنفيذ المطلوب بناء على صفقات التعهّد الجديدة، خاصة من جانب النظام.

وفي أيامنا هذه، نلاحظ تغييراً جذرياً في خطاب حزب الاتحاد الديمقراطي، إذ لم تعد للخصوصية الكردية اي شان في خطابه الديماغوجي، تلك الخصوصية التي لاذ بها منافقاً منذ اليوم الأول، ليبرر دخوله وتدخّله في الساحة الكردية السورية من جهة، وعدم اشتراكه في الثورة السورية إلى جانب سائر مكونات الشعب السوري من جهة ثانية.

فقد بات يعلن، بمناسبة ومن دون مناسبة، عن استعداده للقتال في أي بقعة سورية، لأنه “حزب سوري”، ويعمل من أجل سورية موحدة لكل السوريين. هذا في حين أن الجميع يعلم أنه مجرد تمويه دخاني “لحزب العمال الكردستاني”، ويأتمر في كل صغيرة وكبيرة بتعليمات قيادة الأخير التي تتحكّم فيه من قنديل عبر منظومة الكوادر والمنظمات التابعة له. وكل ذلك يتم في إطار سياسة عامة تم الاتفاق عليها مع النظامين الإيراني والسورية.

أما القيادات الكردية السورية التي تتظاهر بأنها صاحبة القرار في الحزب المعني، فهي مجرد واجهات للتعمية والتمرير.

لقد تمكن “حزب الاتحاد الديمقراطي” من المتاجرة المبتذلة بالقضية الكردية السورية العادلة، وها هو اليوم يتاجر بالمشروع الوطني السوري، الذي لا يمكن له أن يقوم في ظل نظام مستبد فاسد مفسد، يعتمد كهذي أدوات لقمع شعبه.

ويبقى علينا ان نقول: إن مسؤولية المعارضة السورية تجاه كل ما جرى كبيرة، ولا بد أن تأخذ حيزاً وأسعاً معمقاً من المراجعة النقدية الجرئية. فهي قد تعاملت مع قضيتها المصيرية بعقلية اتكالية تواكلية، وانشغلت بخلافات بينية ومزاحمات على مواقع وهمية، وراهنت على وعود الآخرين، وأفسحت المجال لاختراقات كثيرة أفقدتها القوة والمصداقية. ولكن هذا موضوع سنتوقف عنده في مناسبة أخرى.

المركز الكردي السويدي للدراسات

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى