حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD): محنة الهويّة والتباس المشاريع والأدوار المرسومة له محليّاً وإقليميّاً (2)

هوشنك أوسي

حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD):
كما أسلفنا، بعد اختطاف أوجلان واعتقاله، حدث تماس مباشر بينه وبين السلطات التركيّة. ووفق كتب أوجلان الصادرة من السجن، تواصلت السلطات التركيّة معه وطلبت منه تهيئة الأجواء لحل القضيّة الكرديّة داخليّاً. وقتذاك، كان بولاند آجاويد (1925 – 2006) على رأس حكومة ائتلافيّة تضمّ حزب اليسار الديموقراطي وحزب الحركة القوميّة (المتطرّف) بزعامة دولت باخشلي. طالب أوجلان حزبه، بإعلان هدنة طويلة الأمد، وسحب المقاتلين خارج الحدود. وحل نفسهِ، وتشكيل أربعة أحزاب كردية تابعة لـ”العمال الكردستاني”. فاستجاب الحزب وقيادته في جبال قنديل، لكل مطالب أوجلان، وأعلن عن حلّ نفسه، وتغيير اسمه إلى مؤتمر الحرية والديموقراطيّة الكردستاني (KADEK)، ثم غيّر اسمه إلى اتحاد الجمعيات الكردستانيّة (KKK)، ثم إلى منظومة المجتمع الكردستاني (KCK). وفي هذه الفترة، وتنفيذاً لأوامر أوجلان، سنة 2002 تأسس “حزب الحل الديموقراطي الكردستاني (PÇDK)”، فرع “العمال الكردستاني” في العراق، وسنة 2004 تأسس “حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)” فرع “العمال الكردستاني” في إيران، وسنة 2003 تأسس “حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)”، فرع “الكردستاني” في سوريا. وكل المؤتمرات التأسيسيّة لهذه الأحزاب الثلاثة، جرت في معاقل “العمال الكردستاني” بكردستان العراق. وبعد تسليم نظام الأسد الابن جزء من السلطة الامنية والاداريّة في المناطق الكرديّة لـ”العمال الكردستاني” بدأ فرع الحزب (PYD) في سوريا يعقد مؤتمراته في القامشلي من 2013، ولغاية 2015. فيالمؤتمر التأسيسي لحزب (PYD) سنة 2003، كلّف “الكردستاني” القياديالعسكري، الكردي السوري، كمال شاهين بإدارة المؤتمر، وانتخب الحزب الباحث اللغوي د. زرادشت حاجو المقيم في ألمانيا، ورئيس “نادي القلم الكردي”، رئيساً للحزب، دون علمه، لكن الرجل رفض ذلك. عمليّاً، أصبح كمال شاهين يدير الحزب، لكنه انشق سنة 2004، واتجه لتأسيس حزب آخر، باسم “الوفاق الوطني الديمقراطي الكردي السوري”. إلاّ أن “العمال الكردستاني” اغتال شاهين في 14/3/2005 .وبعد اغتياله، تم انتخاب شخص مدني لرئاسة الحزب اسمه برزان محمد . وبعده، تم انتخاب صالح مسلم رئيساً للحزب.
حتى قبل الإعلان عن حزب (PYD) جرت محاولات لتأسيس حزب داخل الأراضي السورية باسم “حركة صلاح الدين الأيوبي” موالٍ لـ”العمال الكردستاني”. وجرت بعض الاجتماعات في دمشق وحلب، دعي إليها العديد من الموالين لـ”الكردستاني” الذين كانوا ضمن حزب “التجمّع” المذكور سابقاً. لكن تلك المحاولات والاجتماعات التي كان يشرف عليها مسؤول “الكردستاني” في سوريا “خبات آمد” باءت بالفشل، بسبب اعتقاله من قبل المخابرات الجوية السورية وتسليمه إلى تركيا.
بالعودة إلى أعداد جريدة “سرخوبون” المركزيّة الناطقة باسم “الكردستاني” منذ 2003 ولغاية 2010، وحتى قبل اندلاع الثورة السوريّة، ثمة تجاهل مطلق لوجود حزب (PYD)، ولا يتم مطلقاً الإشارة إلى حملات الملاحقة التي كانت تطالب قيادات وانصار وكوادر الحزب من نظام الأسد الأب. بل هناك تجاهل لأحداث مهمّة جرت في المناطق الكرديّة السورية كانتفاضة آذار سنة 2004، وقمع نظام الاسد الوحشي للمدنيين وقتله ما يزيد عن 30 مواطن كردي وجرح العشرات، واعتقاله لما يزيد عن 2500 مواطن كردي سوري في السجون والمعتقلات. كذلك ثمة تجاهل لمقتل عناصر من حزب (PYD) تحت التعذيب في سجون الأسد. وتجاهل مقتل عشرات المجندين الكرد في الجيش السوري في ظروف غامضة، بخاصة بعد انتفاضة آذار 2004 ولغاية 2010. كذلك تجاهلت الجريدة خطف واغتيال الشخصية الدينية والوطنية الكردية الشيخ معشوق الخزنوي في صيف 2006 من قبل النظام السوري.
حادثة واحدة فقط، ذكرتها جريدة “سرخوبون” تتعلّق بكرد سوريا، وهي اغتيال القياديّة الكرديّة السورية ميساء باقي (شيلان كوباني) ورفاقها الأربع، من قبل مجموعة إسلاميّة عراقيّة متطرّفة في منطقة الموصل العراقيّة. حيث جاء في مقال منشور في الصفحة 20 من العدد 299، نوفمبر 2006، أن شيلان كوباني هيعضو في حزب العمال الكردستاني، وأن وجودها في سوريا كان لاعادة ترتيب منظمة “الكردستاني” في سوريا، ولا يوجد في هذا المقال ولو حرف واحد يشير الى وجود حزب (PYD) وان هؤلاء القتلى هم اعضاء في هذا الحزب.وفي الوقت عينه، ينسب حزب “الاتحاد الديمقراطي” ميساء باقي إلى نفسه على أنها ورفاقها كانوا قيادات ضمن الحزب، بخلاف رواية “العمال الكردستاني” المشار إليها آنفاً.
ومن خلال تصفّح أعداد الجريدة المركزيّة لـ”الكردستاني” من 2003 ولغاية 2012، لا يوجد مقالات رأي او حوارات مع قياديين كرد سوريين ضمن الجريدة وعلى سبيل الذكر: رستم جودي، شاهين جيلو، باهوز ارال (قائد الجناح العسكري سابقاً)، نورالدين صوفي (قائد الجناح العسكري حالياً)، فؤاد عمر، رئيس ب ي د السابق، وصالح مسلم رئيس ب ي د الحالي. والاخير يجيد التركية قراءة وكتابة.كذلك، كل المظاهرات والنشاطات التي كان يقوم بها حزب (PYD) تضامناً مع اوجلان، في تلك الفترة: 2003-2007، لاقت تجاهلاً تاماً من جريدة الحزب المركزية، في وقت ان الجريدة نفسها كانت تتحدث عن الاحداث في العراق او اوروبا.
وإزاء هذا التجاهل نحن أمام احتمالين: إمّا أن “الكردستاني” كان يمنّي النفس بعودة العلاقة من نظام الأسد الابن؟ أو أن الحزب لم يشأ أن يعطي تصوّراً وانطباعاً سلبيّاً عن نظام الأسد لدى قواعده الجماهيريّة من كرد تركيا الذين يقرأون الجريدة باللغة التركيّة.
في كلتا الحالتين، “الكردستاني” كان وما زال ينظر إلى فرعه السوري بشكل خاص وإلى الشعب الكردي في سوريا بشكل عام، على أنه “خزان بشري” يمدّه بالمقاتلين، وأن هذا الفرع والجماهير التابعة له مجرد حطب في محرقة مصالح الحزب الاقليميّة.
 
بعد الثورة السورية:
قبل الثورة السوريّة كان “العمال الكردستاني” وفرعه السوري (PYD) ملاحقين في سوريا، حيث وصل عدد معتقليهما لما يزيد عن 1200 معتقل في سجون الاسد. وقضى بعضهم تحت التعذيب، كما أسلفنا. صالح مسلم، رئيس الحزب كان ملاحقاً، وزوجته عائشة أفندي تم اعتقالها لما يناهز التسعة أشهر عرفيّاً.وكانت قناة “الكردستاني” الفضائيّة (ROJ TV) قد خصصت فترة للبث العربي موجّهة إلى سوريا، تبث أخبار نشاطات الفرع السوري (PYD). ومع بدء ثورة تونس، أصدر “الكردستاني” أوامره لجهازه الإعلامي المرئي بالتحريض الإعلامي على النظام السوري، عبر قناته الفضائيّة، على امل اندلاع انتفاضة أو ثورة في سوريا، يكون (PYD) ومن خلفه “الكردستاني” أحد قادتها. وقتذاك، كنتُ اعمل ضمن قناته الفضائيّة ومقرّباً ومطلعاً على بعض التفاصيل، وشاركت بنفسي في إعداد وتقديم الكثير من البرامج الحوارية التي استضافت معارضين سوريين على مختلف مشاربهم الفكريّة.
ومع بدأ ثورة الحرية والكرامة، ازدادت وتيرة الضخ والتحريض الإعلامي التابع لـ”الكردستاني” ضد نظام الأسد، سواء على صعيد البرامج او نشرات الاخبار أو استضافة شهود العيان وتغطية المظاهرات، أو استضافة المعارضين السوريين في الاستوديو وعبر الهاتف او خدمة السكايب. لكن لم يدم ذلك طويلاً. فبعد إصدار أوجلان بعض التصريحات التي تحضّ على التواصل مع نظام الأسد، بدأ الخط البياني للأداء الإعلامي والسياسي لـ”الكردستاني” الموالي للثورة السوريّة يتراجع. حيث صرح أوجلان اثناء لقائه بمحاميه في يوم 6/4/2011 قائلاً: “هنالك أخبار بشأن لقاء الأسد مع العشائر الكردية في سوريا، بينما على الاسد أن يلتقي بالتنظيمات الكردية، فهنالك حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD). فإذا أجرت سوريا والأسد إصلاحات ديمقراطية، فإننا سندعمها، حيث يمكن الاعتراف بالحقوق الثقافية والإدارة الذاتية أي الادارة الذاتية الديمقراطية ضمن هذه الإصلاحات. فمثلاً يمكن تدوير البلديات، ويمكن فتح المجال أمام الأكراد ليديروا شؤونهم بأنفسهم، ويتم الاعتراف بهويتهم، فهم إن فعلوا ذلك، سندعمهم، حيث أن سوريا دولة مهمة، ويجب الانتباه إليها، فأن آل الأسد يعرفون نمط مقاربتي من القضية، فبهذا الشكل إن تم الاعتراف بحقوق الادارة الذاتية الثقافية والادارية فنحن أيضاً سندعمهم، كما أن التنظيمات الكردية هناك ستساند سوريا”.
أمّا في مقابلة 13/4/2011، قال أوجلان: “يقولون بأن القانون الذي يضمن حق المواطنة للكرد الذين لم يكونوا مواطنين في سوريا، قد تم الموافقة عليه. كما تمّ اخلاء سبيل بعض الوطنيين الكرد ومنهم 48 شخصاً اعتقلوا في نوروز العام الماضي. أنني أفهم الوضع. اظن أن سوريا حذرة نوعاً ما، ولأنها تحذر من المعارضة المتصاعدة ولهذا السبب تريد أن تبقي الكرد خارج ذلك، لذا فأن هذه الخطوة شبيهة بخطوات من هذا النوع، وهي تسعى لاقامة توازن في الوضع. هل أجرت (يقصد سوريا) لقاءات مع حزب الاتحاد الديمقراطي؟ هل يقوم PYD بدور الطليعة؟ يجب أن يلتقي الأسد مع PYD كممثل رسمي وسياسي وليس مع العشائر (في إشارة منه مع ممثلي العشائر الكردية وقتئذ). يمكن لسوريا أن تتجاوز هذا الوضع من خلال البدء بمرحلة تحقيق التحول الديمقراطي. إذا فعلت ذلك، فإننا أيضاً سندعم هذا التحوّل. يجب إجراء اللقاء مع مسؤولي سوريا على قاعدة الادارة الذاتية الديمقراطية. ويجب الحديث معهم من أجل الحل والتفاهم. وإذا قبلت سوريا هذه المطالب فسيتم اعطاء الدعم للأسد (…) واذا تحرّكت الدولة على العكس من ذلك، وقامت بخطوات مؤقتة واتخذت منهجاً سياسياً مماطلاً، فإن الشعب الكردي بقيادة PYD سيناضل إلى جانب المعارضة العربية على قاعدة الادارة الذاتية الديمقراطية” .بينما قال أوجلان في لقائه بمحاميه يوم 4/5/2011: “الانتفاضات الاحتجاجية مستمرة في سوريا. كما ان منظمة الاخوان المسلمين ايضاً نادت بالانضمام إلى الاحتجاجات (…) هل ينضم الكرد أيضاً للاحتجاجات وكيف؟. يمكن أن يكون هنالك أرضية للمفاوضات. يجب أن يكون هنالك علاقات على هذا المنحى. يجب الذهاب إليهم والتحدّث معهم. يجب أن يقولوا للأسد ما يلي: “إذا جاءت منظمة الاخوان المسلمين الى السلطة، ستقوم بالمذابح ضدنا وضدكم (يقصد الكرد والعلويين)، لهذا السبب، فأننا سنبني وحدات دفاعنا الذاتي الشعبي. يمكن ان يتفاوضوا ويصلوا إلى حل مع الأسد على أساس ديمقراطي”.
 
وفي 18/5/2011 طالب أوجلان بدخول في حلف مع النظامين في طهران ودمشق، عبر تكرار الابتزاز والتهديد لطهران ودمشق على حساب انتفاضة الشعب السوري وقال: “الأكراد في سوريا، إيران والعراق أيضاً مستهدفون من قبل هذه السياسة، يمكن للأكراد في هذه المرحلة أن يسعوا إلى المصالحة مع سوريا وإيران. يجب أن يقولوا لسوريا وإيران : إياكم استخدام الأكراد واللعب عليهم، سيكون هذا الامر كارثة حقيقية لهم، ستكون نقطة النهاية بالنسبة لهم. إنني أنبههم بشكل حاد (يقصد سوريا وإيران). عليهم أن يتصالحوا مع الأكراد. يمكن الوصول إلى اتفاق على قاعدة الإدارة الذاتية الديمقراطية. في حال لم تقبل الدولة السورية هذه المطالب يمكن للأكراد حينها أن يتحركوا مع قوى المعارضة هناك، وعندما تحركوا مع المعارضة فعليهم القيام بذلك على قاعدة دمقرطة سوريا”.
على ضوء ما سلف ذكره، يبدو انه كان هنالك اصرار من قبل اوجلان ان يدخل (PYD) و(PKK) في تحالف مع النظامين في طهران ودمشق، منذ بداية الثورة، حتى حين كانت سلميّة، وقبل الانزلاق نحو العسكرة، وظهور “داعش” و”النصرة”!. واستجاب “الكردستاني” لرأي أوجلان. كذلك استجاب النظام في سوريا وإيران لهذا المطلب – المخطط، وجرت بعض التفاهمات، وألقيت بعض الخطوات في هذا الاتجاه، عبر تشكيل تحالف، كان خفيّاً، ارتكز على تحييد الكرد السوريين عن الثورة السوريّة، وقمع المظاهرات السلميّة في المناطق الكرديّة، والبدء بشيطنة الثورة، والطعن فيها، وعرقلة واستهداف الحراك الشبابي الكردي، وصولاً إلى تصفيته تماماً، لدرجة ارتكاب عمليات اغتيال وخطف وضرب استهدفت نشطاء مدنيين كرد، تم توثيقها عبر تقارير وبيانات منظمات حقوقيّة كرديّة ودوليّة. وفي غضون الأشهر الأولى من الثورة السوريّة، أدخل “العمال الكردستاني” العشرات من مقاتليه إلى المناطق الكرديّة، بشكل سرّي. كذلك دخل صالح مسلم إلى سوريا، وأطلق النظام السوري سراح معتقلي الحزب في سجونه على دفعات، لئلا يثير الاشتباه. بمعنى، جرت خطوات متبادلة لتعزيز الثقة بين “الكردستاني” والنظام السوري، وصولاً إلى تسليم جزء من السلطة الإداريّة والأمنيّة في المناطق الكرديّة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” في 19/7/2012، ما اعتبره الحزب “ثورة روجافا” وأنه طرد النظام من المناطق الكرديّة وحررها. في حين لم يغادر النظام هذه المناطق كليّاً، وبقي يدير الامور من وراء الستار مع القيادات الميدانيّة لحزب “العمال الكردستاني” من أكراد تركيا، في حين أن القيادات الكرديّة السوريّة في حزب (PYD) كانت مجرّد واجهة، لا يد لها في القرارات الأمنيّة والسياسيّة الاستراتيجيّة.
ومع نفي حزب (PYD) أي تعاون وتنسيق مع النظام، وأنه يعارضه وأنه ضمن “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي”، بقي قادة نظام الأسد العسكريين والأمنيين والسياسيين يزورون المنطقة الكرديّة ويعلنون عن دعمهم ومساندتهم للحزب الأوجلاني ومحاربته المجموعات التكفيريّة المتطرّفة، سواء اكان “داعش” أو “النصرة” أو غيرها. وحدثت بعض المناوشات والصدامات بين الطرفين حزب (PYD) وذراعه العسكريّة (YPG) وقوات نظام الأسد، تمّ تطويقها بسرعة.
رويداً، بدأ الحزب يروّج لفكرة أن النظام أفضل من المعارضة، بخاصّة بعد انزلاق الثورة نحو “الاخونة” و”الأسلمة” وظهور المجموعات التكفيريّة، وإطلاق معارضين سوريين تصريحات مسيئة للشعب الكردي وقضيته وحقوقه. وزاد من حجج ومبررات الحزب الأوجلاني السوري في مسألة تحييد الكرد عن الثورة، هجوم “جبهة النصرة” ومجموعات تكفيريّة على مدينة “رأس العين” الكرديّة، من داخل الأراضي التركيّة . ثم أتى احتلال “داعش” لمدينة كوباني (عين العرب)، وتحريرها من قبل مقاتلي “الكردستاني” بدعم من التحالف الدولي وإقليم كردستان العراق، ليفرض الحزب بشكل نهائي نفسه كسلطة أمر واقع على المناطق الكرديّة.
أيضاً بالعودة إلى الجريدة المركزيّة لـ”الكردستاني” الصادرة في ألمانيا باللغة التركيّة، لفهم الموقف الحقيقي للحزب مما جرى في سوريا وطريقة تعاطيه مع النظام والمعارضة، وتوصيفه لتسليم النظام السوري جزء من السلطة والإدارة لـ”الكردستاني” وفرعه (PYD)، نجد أن الجريدة بدأت تتحدّث عن الأوضاع في سوريا بعض مضي عدة أشهر على الثورة السوريّة، وتحديداً في العدد 355، تموز 2011، حيث أفردت الجريدة ثلاث صفحات كاملة (6.7.8) لتحليل طويل، ذو منحى يساري، للأوضاع في سوريا، ويصف ما يجري بـ”الثورة” ويتحدّث عن مأزق نظام بشار الأسد. وأن الأحداث في سوريا يمكن أن تنزلق للإرهاب والصراع العسكري. وضرورة استفادة “العمال الكردستاني” من الظروف والأزمة والثورة للحدود القصوى، إلى جانب توخّي الحذر مما يجري. كذلك تنشر الجريدةفي العدد 378 / حزيران 2013،حواراً مع مسؤول الامن في “العمال الكردستاني”: صبري أوك، تفرد له ثلاث صفحات كاملة (12-13-14) . كذلك في العدد 379 / تموز 2013، في الصفحة الأولى، العنوان الرئيس: “روجافا تسير نحو الحرية”. وفي الصفحة 6 من نفس العدد، هنالك مقال بعنوان: “ثورة روجافا انتصار للخط الثالث”. المقال غير موقّع باسم شخص او جهة. ولكن يبدو انه يعبّر عن وجهة نظر وموقف “الكردستاني”. إذ يستهلّ بالتهنئة، القول: “مبدع هذه الثورة أو خالقها هو القائد آبو (الاسم الحركي لأوجلان)” . وفي العدد 386، شباط 2014، تجري الجريدة حواراً مطوّلاً مع نفس الشخص؛ مسؤول الأمن في “العمال الكردستاني” صبري أوك، وتفرد للحوار هذه المرّة أربع صفحات (28-29-30-31)، يتحدّث فيه عن الوضع السوري وعن مؤتمر “جنيف 2″، وينتقد المعارضة وتركيا و”الديمقراطي الكردستاني”، ويشرح ما ينبغي أن تكون عليه سوريا المستقبل.
وتحت عنوان “ثورة روجافا ستتكلل بالحرية”، نشرت نفس الجريدة في الصفحة 25 من العدد 383 / نوفمبر 2013 مقالاً غير موقّع باسم صاحبه، يؤكد أن كل ما جرى من اذار 2011 حتى ذلك الحين (نوفمبر 2013) في المناطق الكرديّة السوريّة هو نقل ساحة الحرب بين “العمال الكردستاني” وتركيا إلى سوريا. ويعتبر المقال ان ما تحقق هناك من سيطرة حزب (PYD) على المناطق الكرديّة، هو نصر لـ”الكردستاني” على حلف: تركيا، السعودية و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”. وأن “داعش”، “القاعدة”، “النصرة”، والمجموعات الارهابية هي أدوات هذا الحلف.وعليه، من خلال متابعة أعداد الجريدة الشهريّة المركزيّة لحزب “العمال الكردستاني” منذ 2003، تاريخ تشكيل فرعه السوري (حزب الاتحاد الديمقراطي) ولغاية 2010، يعني خلال سبع سنوات وفي 84 عدد من الجريدة، لا يوجد هنالك أيّة إشارة لانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا بحق الكرد عموماً وبحق أنصار حزب (PYD) على وجه الخصوص، ولا يوجد أيّة مقال او حوار مع قيادات الفرع السوري (PYD) حول تدهور الأوضاع الأمنيّة بحق الكرد في سوريا. كذلك من 2011 ولغاية 2016، ورغم أنه من المفترض حزب “الاتحاد الديمقراطي” سيطر على المناطق الكردية في تموز 2012، وأن هذا الحزب ينفي أية علاقة له بـ”العمال الكردستاني” إلاّ أن الأخير في جريدته الرسميّة، ينسب كل ما جرى في المناطق الكرديّة من سيطرة وتحرير كوباني من “داعش”…، ينسبها إلى نفسه، ولا يذكر أي دور استراتيجي لـ(PYD). ورغم وجود قادة كرد سوريين مهمين ضمن “العمال الكردستاني” كباهوز اردال (قائد الجناح العسكري السابق للحزب)، ونور الدين صوفي (القائد الحالي للجناح العسكري)، ورستم جودي عضو اللجنة السياسية في الحزب ، من المفترض أن هؤلاء أكثر دراية وإلمام بالأوضاع في سوريا، إلاّ أن جريدة حزبهم المركزيّة تتجاهلهم تماماً.ويظهرصبري أوك ودوران كالكان ومصطفى قاره سو، جميل بايك ومراد قره إيلان وكل قيادات “العمال الكردستاني” من اكراد تركيا، وكأنّهم اكثر إلماماً ودراية ومتابعة ومعرفة من باهوز اردال أو نورالدين صوفي أو رستم جودي أو صالح مسلم أو آلدار خليل بشؤون كرد سوريا بشكل خاص، وبالوضع السياسي في سوريا بشكل عام.
مشاريع ضبابية وطوباوية:
المشاريع السياسية والفكرية التي يتبنّاها “حزب الاتحاد الديمقراطي” هي نفسها مشاريع “العمال الكردستاني” في ما يتعلّق بحلّ القضيّة الكرديّة، ومناهضة الدولة القوميّة، وطرح مشاريع خياليّة طوباويّة، تتقاطع مع مشاريع القذافي، لجهة الغرابة وانعدام القدرة على الإقناع. وبالعودة إلى الموقع الرسمي لحزب (PYD) على شبكة الانترنت، وضمن أيقونة: “البرنامج السياسي” لا يوجد شيء منشور . بينما نجد في النظام الداخلي، بند الأهداف، ما يلي:
“النضال من أجل دمقرطة سوريا على أساس مبدأ أخوة الشعوب، لما لسوريا من تاريخ حافل بموازييك ونسيج اجتماعي متشابك. وهو -أي هذا التاريخ- سيكون في الوقت نفسه الأرضية التي تتشكل عليها الحياة المشتركة لكافة مكونات سوريا من شعوب وأثنيات ومذاهب. وهذا لن يتم إلا بالنضال المشترك بين كافة المكونات من كرد وعرب وسريان وآشور وتركمان وشيشان و… الخ، للنيل من الذهنية القوموية الشوفينية التي عملت على تشتيت المجتمع السوري. والعمل بالتالي على حل القضية الكردية في سوريا وروج آفاي كردستان حلاً ديمقراطياً عادلاً في إطار دستور ديمقراطي سوري.
– تطوير نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية المتواجد في روج آفا الذي يعتبر الحل الأنجح لكافة القضايا، وتعميمه على جميع انحاء سوريا بهدف التوصل إلى سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية سياسية.
– النضال من أجل تمتين الأخوة بين الشعوب والاثنيات في إطار الاتحاد الطوعي الحر على أساس الوطن المشترك والأمة الديمقراطية.
– دعم ومساندة النضال التحرري الديمقراطي في جميع أجزاء كردستان، وتحقيق الوحدة الوطنية الكردستانية وترسيخها على مبدأ الكونفدرالية المجتمعية الديمقراطية دون المساس بالحدود السياسية.
– العمل من أجل تحقيق اتحاد شرق أوسطي كونفدرالي ديمقراطي، والتوجه قدماً نحو بناء المجتمع الأخلاقي السياسي والإيكولوجي المتخذ حرية المرأة أساساً له.
– تحقيق المساواة بين الجنسين وتكريس العدالة الاجتماعية.”.
وفي بند “ماهية الحزب” يذكر: “يَعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) السيد عبد الله أوجلان – واضع نظرية الحضارة الديمقراطية والأمة الديمقراطية – ملهماً له، ويعتبر حركة المجتمع الديمقراطي (TEV-DEM) التنظيم الديمقراطي المجتمعي السقفي الذي يمثله في روجافا. وتحتل المرأة والشبيبة المكانة الطليعية فيه.
يتخذ حزب الاتحاد الديمقراطي PYD من براديغما المجتمع الأخلاقي والسياسة الديمقراطية منهجاً لعمله النضالي، ويعتمد مبدأ المناصفة والتشارك المتساوي أساساً. وهو حزب سياسي ديمقراطي جماهيري، يرفض المفاهيم وكافة المواقف الشوفينية، ويؤمن بالتعددية وحرية المعتقد. ويتخذ العلنية والنضال الديمقراطي المشروع، والحوار السياسي السلمي أساساً في معالجة القضايا وتحقيق الأهداف المنصوص عليها في البرنامج. ويعمل على عقد العلاقات مع الأحزاب الكردستانية في الأجزاء الأخرى من كردستان بهدف توطيد الوحدة الوطنية. ويرى حزب الاتحاد الديمقراطي أن نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية هو نظام إداري سياسي اجتماعي لروج آفا، ويعمل من أجل تطويره وتوسيعه في سوريا أيضاً. يبني الحزب علاقاته مع جميع الفئات والشرائح الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني السورية، على أساس مبدأ المواطنة الحرة.”.
ويختتم النظام الداخلي للحزب بتنويه مفاده: “تمت المصادقة على كل من البرنامج والنظام الداخلي للحزب في المؤتمر السادس المنعقد بتاريخ 20 – 21\ 9 \ 2015”. وبحسب متابعتي واطلاعي على برنامج الحزب، النسخة السابقة، جرى حذف العديد من الفقرات والعبارات التي تؤكد تبعيّة هذا الحزب لـ”العمال الكردستاني”. ومع ذلك، ما زال هنالك عبارات واهداف، فضفاضة وغير مفهومة موجودة في النظام الداخلي للحزب، هي نفسها الموجودة في الخطاب الإعلامي والسياسي لـ”العمال الكردستاني” والأخير أيضاً يستند في برنامجه وخطابه إلى طروحات اوجلان وأفكاره. وإذا جرى أي تغيير في الطروحات والأفكار لدى “الكردستاني” سنجد نسخة طبق الأصل عنه في النظام الداخلي لحزب “الاتحاد الديمقراطي”.
مع انطلاق المظاهرات في المناطق الكرديّة، حاول “الاتحاد الديمقراطي” الاندساس بينها، ورفع صور اوجلان واعلام “الاتحاد الديمقراطي، بهدف تصوير هذه المظاهرات على انها تابعة للحزب. ثم حاول منع هذه المظاهرات، ففشل في ذلك أيضاً. ثم بدأ يطلق مظاهرات، باهداف ومسمّيات تختلف عن مسمّيات مظاهرات التي كانت تنظمها التنسيقيات الشبابية الكرديّة المتحالفة مع التنسيقيات الشبابية السورية . كذلك سعى الحزب التركيز في نشاطاته على الاحتفال بمناسبات تابعة لـ”العمال الكردستاني”، كالاحتفال بانطلاق اعمال الحزب المسلحة في 15 آب 1984، ضد تركيا . وصار “الكردستاني” وفرعه السوري يركزه حربه الإعلاميّة على تركيا والمعارضة السورية، ولذر الرماد في الاعين، يقحم شذراً، ادانة النظام السوري على استخذام العنف ضد المدنيين. وفور الإعلان عن تشكيل “المجلس الوطني السوري” في تركيا قام “الاتحاد الديمقراطي” بشن هجوم عليه . كما سعى الحزب إلى عرقلة تشكيل “المجلس الوطني الكردي في سوريا” بعد ان كان ضمن الاطراف المحضّرة له . ثم بدأ بالتحضير لانتخابات تتعلّق بما أطلق عليه اسم “مجلس الشعب الكردي”. وفي 21-22 اكتوبر 2011، بدأ الحزب بعملية انتخاب “مجلس الشعب الكردي” . وبعد الإعلان عن “المجلس الوطني الكردي في سوريا” في 26 أكتوبر، ورفض “المجلس” شروط “الاتحاد الديمقراطي” للانضمام إليه، بدأ الأخير بشنّ هجومٍ عنيف عليه، وعلى رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بازراني، على أن “المجلس الوطني الكردي” مرتبط به . وفي 16/12/2011، أعلن “العمال الكردستاني” وفرعه السوري عما اطلقوا عليه اسم “مجلس شعب غربي كردستان”. وأصدر “المجلس” الذي كان ردّاً على “المجلس الوطني الكردي في سوريا”، بياناً شنّ فيه هجوماً على النظام والمعارضة وتركيا، وطرح مشروعه لحل القضية الكردية في سوريا وفق الفهم والطرح الأوجلاني و”أكد المؤتمر على اعتماد الحل الديمقراطي المستند إلى بناء وطن مشترك وأمة ديمقراطية بضمانات دستورية أساساً، بالإعتماد على نموذج الإدارة الذاتيةالديمقراطية التي تعني في جوهرها بناءً ذاتياً للمجتمع بعيداً عن هيمنة مؤسسة الدولة وتأثيراتها وفق مبادئ الحرية والمساواة والعدالة، واعتبر ان هذا النموذج هو النموذج الأمثل القادر على حل كل مشاكل سوريا”. وقتذاك، كانت التشكيلات العسكريّة التابعة لـ”الكردستاني” سريّة وغير معلن عنها، ثم بدأ الإعلان عن إحدى هذه التنظيمات تحت اسم “مقاتلو الشهيد خبات”.كذلك بدأ الحزب بتشكيل لجان حماية شعبية بهدف حماية الاحياء الكردية . وفي 19 تموز 2012، تم الإعلان بشكل رسمي عن تشكيل “وحدات الحماية الشعبية” في بيان رسمي، نشرته وكالة فرات نيوز التابعة لـ”العمال الكردستاني”. وبدأ الحزب يعلن استيلاءه على المناطق الكردية بدئاً من كوباني (عين العرب)، وباقي المناطق الأخرى تباعاً.وصار يمهّد لسلطته بسنّ القوانين والتشريعات عبر “مجلس شعب غربي” كردستان . وبدأ “العمال الكردستاني” يعطي إشارات بضرورة إعلان “الإدارة الذاتيّة” في المناطق الكرديّة، بعد مضي سنة على استلام سلطة هذه المناطق من النظام السوري، والتي أطلقوا عليها بـ”ثورة روجافا” في 19 تموز 2012 . وفي 13 آب 2013 أعلن “الاتحاد الديمقراطي” عن البدء بالمرحلة الثانية من “الادارة الذاتية الديمقراطية” وذلك في مؤتمر صحافي. وذلك بتشكيل “بتشكيل هيئة تشريعية مكلفة بتشكيل الهيئة الإدارية الانتقالية للمنطقة”. وبالتزامن مع إعلان المعارضة السورية عن تشكيل الحكومة الانتقالية، أعلن “الاتحاد الديمقراطي” في 12/11/2013 عن تشكيل مجلس عام “للإدارة الذاتية” وتمّ وسمها بـ”المرحليّة” . وبعد مضي فترة، أعلن تأسيس “مجلس سوريا الديمقراطية” في 9/12/2015، وانتخب رئاسةمشتركة تضمّ هيثم منّاع عن حركة “قمح” وإلهام أحمد عن حزب “الاتحاد الديمقراطي” . جاء ذلك أيضاً بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الرياض للمعارضة السورية الذي أقرّ فيه “الهيئة العليا للتفاوض مع نظام الأسد. هذا المؤتمر، استبعد مشاركة حزب “الاتحاد الديمقراطي” تحت ضغوط تركيّة، رغم رغبة الحزب اللحوحة في المشاركة. وبعد أن شاركت هيئة التنسيق الوطنية في المؤتمر، ولم تدافع عن “الاتحاد الديمقراطي” رغم ان صالح مسلم هو نائب رئيس هيئة التنسيق حسن عبدالعظيم، قام الحزب الأوجلاني بتجميد عضويته في هيئة التنسيق ولم ينسحب نهائيّاً من الهيئة. وكذلك لم تتم دعوة هيثم منّاع إلى مؤتمر الرياض، فدخل مع الحزب الأوجلاني في تحالف ضمن “مجلس سوريا الديمقراطية” وصار رئيساً لهذا المجلس، ليس حبّاً في الحزب الأوجلاني بكل كرهاً بمؤتمر الرياض وما انبثق عنه. ومنّاع الذي كان يرفض العسكرة، صار رئيساً لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” الذي تتبعه “قوات سوريا الديمقراطية” وقوامها وأساسها “وحدات الحماية الكرديّة” التابعة لـ”العمال الكردستاني” وفرعه السوري!. وسرعان ما انفضّ هيثم منّاع عن هذا “المجلس” بعد أن أعلن الأخير الفيدرالية في يوم 17/3/2016 . وبعد ذلك، صرّح القيادي البارز في “العمال الكردستاني” رضا آلتون لجريدة “السفير اللبنانيّة صدر في 26/7/2016 ذكر فيه أن مصطلح “فيدرالية روجافا خطأ” فألغى فرع “الكردستاني” في سوريا اسم “روجافا” واستعاض عنه بـ”شمال سوريا” بحيث صارت التسمية: النظام الاتحادي لشمال سوريا. وفي نهاية ديمسبر 2016، عقد المجلس التأسيسي لفيدرالية شمال سوريا مؤتمره وأقرّ نهائيّاًالفيدرالية مع تغيير اسم “روجافا” إلى شمال
سورية. وذكرت القيادية في “العمال الكردستاني” وعضو الهيئة التنفيذية لفيدرالية شمال سوريا فوزا اليوسف “أن هذه الفيدرالية ليست على اساس قومي، بل على اساس جغرافي”. اللافت في الأمر ان حدود هذه الفيدرالية صارت تشمل مناطق عربية، لم تكن مدرجة تقليديّاً ضمن المناطق الكردية في سوريا كمناطق الشهباء ومنبج والشدادي . وكدليل آخر على تبعية هذه السلطة لـ”العمال الكردستاني” أصدر المجلس التأسيسي لفيدرالية شمال سوريا بياناً في 14/2/2017، بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لاختطاف اوجلان، نسب فيه المجلس نفسه إلى فكر أوجلان وقال: “إن المؤامرة الدولية ضد أوجلان استهدفت الشعب الكردي والإنسانية جمعاء، ولكن القائد تمكن من افشال المؤامرة من خلال مقاومته التاريخية وتطويره لبارديغما المجتمع الديمقراطي في معتقله الانفرادي.”. وأضاف: “بتوحيد الطاقات والعمل الجاد على أسس فكر وفلسفة القائد أوجلان يمكننا بناء نظام ديمقراطي في سوريا وهذا النظام الذي طرحه القائد أوجلان أصبح الطريق الوحيد للنجاة وحل القضايا الشائكة في الشرق الأوسط وعلى رأسها سوريا وتركيا والعراق”.
في كل الأحوال، ورغم التضحيات التي قدّمها “الكردستاني” دفاعاً عن نظام الأسد، إلاّ أن الأخير لم يعترف رسميّاً بسلطة “الكردستاني” وفرعه السوري، لا حين كانت “إدارة ذاتيّة مرحليّة” ولا حين أصحبت “إدارة ذاتيّة ديمقراطية في روجافا”، ولا حين أصبحت “فيدرالية روجافا”، ولا حين “أصبحت فيدرالية شمال سوريا”. وبل سخر ممثل النظام السوري في جنيف؛ بشّار الجعفري من الفيدرالية في شمال سوريا بالقول: “يوجد دواء قوي أقوى من (البنادول) وهو (أدفيل) أنصح صالح مسلم ولكل من يروج للفدرالية الأحادية في شمالي سوريا بتناوله لأنه مناسب لهم وفعال للغاية”.
 
العلاقات الإقليمية والدولية:
مشروع تحييد أكراد سوريا عن الثورة واستخدام “العمال الكردستاني” كوسيلة في تحقيق ذلك كانت فكرة إيرانيّة. وبالتالي، فأن إعادة العلاقة بين نظام الأسد وهذا الحزب أيضاً كانت بتغطية إيرانيّة. وبالتوازي مع ذلك عادت علاقة الحزب مع إيران أيضاً، بعد أن كانت قد دخلت مرحلة القطيعة والصدام المسلّح، بخاصّة بعد أن أسس “العمال الكردستاني” فرعه الإيراني “حزب الحياة الحرّة الكردستاني – PJAK”، وشنّ الأخير هجمات على الجيش الإيراني وقوّات الحرس الثوري وتكبيدهما خسائر كبيرة.وبعد تطوّر الحضور العسكري لـ”الكردستاني” في سوريا وإنجازه المهام الموكلة له في تحييد كرد سوريا وفصل تلك المناطق عن الحراك الثوري ضد نظام الأسد ودخوله في صدام مع فصائل المعارضة السياسيّة والعسكريّة منها، بخاصة التكفيريّة المتطرّفة، ازدادت وتيرة العلاقة والتنسيق والدعم له من أطراف عدّة، ومع ذلك ازدادت المهام العسكريّة المناطة بـ”الكردستاني” وفرعه السوري. وبعد أن لفت الحزب أنظار العالم الى قتاله الشرس ضد التنظيمات التكفيريّة، انفتحت امام الحزب قنوات اتصال مع الروس،والأوروبيين والأمريكيين. وفي هذا السياق، سعى “الكردستاني” بأي شكل من الأشكال لأن يقنع الأوروبيين والأمريكيين بأنه ليس حزب إرهابي، وأنه يجب على واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي حذفه من لائحة المنظمات الإرهابية. وصار يعرض خدماته العسكريّة والأمنيّة في مواجهة التنظيمات التكفيريّة الإرهابيّة في هذا الاتجاه. ومع معركة “كوباني” والاتهامات المتزايدة للجانب التركي من قبل جهات أوروبية وأمريكية عديدة بخصوص دعم وتمويل التنظيمات التكفيريّة و”داعش” والنصرة”، وعدم مسارعة الاتراك للدخول في التحالف الدولي، كل ذلك رفع من أسهم “العمال الكردستاني” لدى الأمريكيين والأوروبيين، وبدأ التحالف الدولي ضد “داعش” يتصل بفرع “الكردستاني” في سوريا، ويقدّم الدعم لفرعه السوري، وهو، أي التحالف، يعلم تماماً لمن يتبع هذا الفرع، وأن الأخير لا يمكنه أن يخطو أيّة خطوة دون أخذ الإذن من الحزب الأم. وصار “الكردستاني” وفرعه السوري محلّ أخذ ورد، وشدّ وجذب بين أنقرة وبروكسل وواشطن. وصارت كل جهة تحاول الضغط على الأتراك، تلوّح بالورقة الكرديّة في سوريا. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، حين لوّح الروس بدعمهم النموذج الفيدرالي لمستقبل سوريا، ما رفضه الاتراك بشكل قاطع. وزادت موسكو من قلق أنقرة حين وافقت على افتتاح ممثلية لسلطة “الادارة الذاتية الديمقراطيّة” التابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي . ومنذ تلك اللحظة، بدأت أنقرة تحاول التقرّب من موسكو، وتنصاع للشروط الروسيّة. وقد خطت أنقرة خطوات كثيرة في هذا الاتجاه. وإحدى المؤشّرات الأولى لبدء التقارب التركي – الروسي على حساب حزب (PYD) ان موسكو لم تدافع عن “الاتحاد الديمقراطي” ولم تصرّ على اشتراك هذا الحزب في مؤتمر “الاستانة” ولا في مؤتمر جنيف 3. وكان الحزب يعوّل على الروس ويعتبرهم “حلفاء”. كذلك الأمريكيين، رغم دعمهم “وحدات الحماية الكردية” بالسلاح، والتنسيق مع هذه الوحدات في الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي” وعدم الرضوخ للضغوط التركيّة في ما يتعلّق بوقف الدعم لهذه “الوحدات الكرديّة” إلا أن واشنطن لم تصرّ على ضرورة مشاركة “الاتحاد الديمقراطي” في أي مؤتمر تفاوضي جمع النظام والمعارضة حتى الآن.
وتشترك موسكو وواشنطن في نقطة أخرى حيال التعامل مع هذا الحزب، هي: عدم الاعتراف السياسي بسلطة هذا الحزب في كل مراحل تسمياتها: “الادارة الذاتية المؤقتة”، “فيدرالية روجافا”، و”فيدرالية شمال سوريا”. ومن الصعوبة بمكان التكهّن بأن أمريكا ستستبدل تركيا ودورها بهذا الحزب، مهما بلغت درجة الخلاف بين واشنطن وأنقرة، لأسباب كثيرة يطول شرحها. ويمكن للحزب الاستفادة المؤقتة من التوتر الحاصل في العلاقة الامريكية – التركية. اللهم إن حسمت تركيا أمرهابالانزلاق أكثر نحو الأسلمة والنظام الشمولي،والابتعاد نهائيّاً عن أمريكا وأوروبا، وتكون بذلك قدّمت سنداً ومبرراً قويّاً للغرب كي يزيل “العمال الكردستاني” من لائحة المنظمات الارهابية والتعامل معه بشكل رسمي وعلني، وممارسة المزيد من الضغوط على تركيا، واستغلال الورقة الكردية في هذا السياق. وقتذاك، سيكون مستقبل تركيا على المحك.
 
الخلاصة:
على ضوء ما سلف عرضه، يعاني “حزب الاتحاد الديمقراطي – PYD” من محنة وأزمة مركّبة على مستوى الهويّة والمشاريع التي يطرحها والتحالفات التي يعقدها. فالعديد من قياداته يمتلكون ثنائية العضويّة في “العمال الكردستاني” و”الاتحاد الديمقراطي” أيضاً، في مخالفة للنظام الداخلي الحزب؛ بند من يحقّ له العضوية،والذي ينصّ على: “كل من أتم الثامنة عشرة من عمره, ويؤمن بالأمة الديمقراطية وبرنامج الحزب ونظامه الداخلي ويجسده في الحياة اليومية، وألا يكون منظماً في حزب آخر، وألا يكون من أفراد وحدات حماية الشعب أو المرأة أو قوى الامن الداخلي، ويلتزم بتعليماته ويدفع اشتراكاته الشهرية.”. ويمكن ان نورد هنا أسماء بعض قيادات “الاتحاد الديمقراطي” هم في الوقت نفسه اعضاء في “العمال الكردستاني” كـ”آلدار خليل، إلهام أحمد، عبدالسلام مصطفى، زوهات كوباني…”. والأولوية في الولاء لدى هؤلاء هي للحزب الأم (PKK) وليس للحزب الفرع (PYD). والحزب الأم بإمكانه أن يقيل أو ينصّب من يراه مناسباً في الحزب الفرع. بمعنى آخر، صحيح أن الكوادر والقيادات المدينة والعسكرية في هذا الحزب هم كرد سوريون، ولكن ولاءهم التنظيمي هو لـ”العمال الكردستاني” بالدرجة الأولى والأخيرة. وما يقرره “الكردستاني” لكرد سوريا لا اعتراض عليه من قبل الحزب الفرع.
من جهة أخرى، من غير المعروف هل هذا الحزب قومي أم يساري – أممي؟ أم حزب ليبرالي وطني؟!. إذ أن اسمه يخلو من كلمة “الكردي” بينما نظام الداخلي وبرنامجه السياسي يشير إلى التوجه الكردي؟. وفي خطابه السياسي، نراه يحارب الفكر القومي والدولة القومية، ويطرح مشاريع عابرة للقوميات كـ”الأمة الديمقراطية”، وفي الوقت عينه، يعيب على قوى المعارضة السورية عدم استجابتها للمطالب القومية للأحزاب الكردية. وأن احزاب “المجلس الوطني الكردي” الموجودة في “الإئتلاف” تعاني من قصور كبير في الجانب القومي الكردي، قياساً بحزب “الاتحاد الديمقراطي!. وبل يتم تخوينها على أنها باعت الهويّة والمطالب القوميّة للمعارضة السورية ولتركيا التي تدعم هذه المعارضة.
كذلك فشل الحزب في اقناع المجتمع الدولي والغرب وامريكا بنجاعة مشاريعه الإدارية والسياسية. ويعتبر الحزب تناول الإعلام الأوروبي بشكل إيجابي شجاعة وبسالة المقاتلين والمقاتلات الكرد في “وحدات الحماية الكرديّة” في مواجهة “داعش” على أنه انجاز سياسي ودبلوماسي كبير. والحقّ أنه في كل اجتماع للجهات الأوروبية مع قيادات الحزب، تضع تلك الجهات ملفات انتهاكات حقوق الانسان التي تمارسها سلطة الحزب على طاولة النقاش. ولكن الغرب، في هذه الفترة، بحاجة إلى القوة العسكرية الكردية في محاربة الإرهاب. وربما تنفتح أمام “الاتحاد الديمقراطي” أبواب اعتراف سياسي، لو سعى إلى وضع “فك الارتباط” مع “العمال الكردستاني” بشكل جاد وحقيقي. ذلك أنه حتى الأتراك على استعداد للتواصل والتعاون مع هذا الحزب في حال نحى هذا المنحى. بدليل أن أنقرة دعت زعيم الحزب صالح مسلم مرتين او ثلاث إلى تركيا واللقاء بمسؤوليين أمنيين أتراك. كذلك يمكن أن ينفتح الغرب على سلطة هذا الحزب بشكل رسمي وعلني، إذا تم حلّ القضيّة الكرديّة في تركيا، وتم حلّ ملفّ “العمال الكردستاني” ضمن مشروع الحلّ هذا. وقتذاك، سيجد “الكردستاني” نفسه مضطر لفكّ ارتباطه بفرعه السوري وتركه لحال سبيله، دون ضغوط وإملاءات. وهذا الأمر، يقتصر على مدى جديّة واستعداد أنقرة لتقديم تنازلات ربما تكون مؤلمة لحل القضية الكردية في تركيا، ما سينعكس إيجابياً على انفتاح الغرب بشكل رسمي وعلني وداعم على مجمل تركة “الكردستاني” في المنطقة. وليس مستبعداً أن تصبح أفرع “العمال الكردستاني” في سوريا، إيران والعراق في خدمة مصالح تركيا، في حال نجحت الأخيرة في إبرام تسوية نهائيّة مع “الكردستاني”.
المركز الكردي السويدي للدراسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى