آراء

حزب «الانتحار» الديموقراطي

[contact/]هوشنك اوسي
أيّ حزب آيديولوجي – عقائدي، حين يكون في خندق المعارضة، ليس كحاله حين يكون في السلطة. فحالة المعارضة تكسبه صفة المظلوم، المغبون، المضطهد، المدافع عن حقوق المقموعين والمضطهدين وقضاياهم. وغالباً ما تفقد الآيديولوجيا بريقها وسحرها المعارض، حين تتسلم السلطة، بصرف النظر عن ماهيّتها وطبيعتها، وضعيّة كانت أو دينيّة، يساريّة أو قوميّة. ينسحب الأمر على حزب العمال الكردستاني، وفرعه السوري المولود عام 2003، بأمر من زعيم الحزب عبدالله أوجلان. ذلك أن العمال الكردستاني خاض حرباً ضروساً ضدّ تركيا الأتاتوركيّة، كانت أحد أوجه ثورة سياسيّة – اجتماعيّة استمرّت على مدى ثلاثة عقود، ما أكسبه سحر المعارضة الثوريّة وبريقها. وبعد كل هذه السنوات والتضحيات التي بذلها منذ تأسيسه عام 1978 وبدئه الكفاح المسلّح عام 1984، لم يصبح الكردستاني سلطة حقيقيّة، واقعيّة، في المناطق الكرديّة، جنوب شرقي تركيا، على رغم أنه فاز برئاسة 202 بلديّة في الانتخابات المحليّة الأخيرة. وهذا بينما سلطة الكردستاني، عبر فرعه السوري (حزب الاتحاد الديموقراطي – PYD)، وبدعم من النظام السوري وتغطيه منه، أصبحت سلطة أمر واقع، في المناطق الكرديّة السوريّة، خلال السنوات الثلاث الماضية.
لا يختلف خطاب الحزب الأوجلاني الكردي السوري، عن خطاب نظام الأسد، حين يسوّق نفسه على أنه يحارب التطرّف والإرهاب والتكفير الإسلاموي، المتمثّل في «داعش» و «النصرة» و «القاعدة»، من جهة، ومن جهة أخرى، يظهر الحزب نفسه على أنه حامي حمى الأقليّات، عبر إشراك مجموعات من العرب والسريان المسيحيين البعثيين في إدارته الذاتيّة وميليشياته المسلّحة، علماً أن هؤلاء البعثيين الحاليين، اتجهوا نحو الانخراط في سلطة ومؤسسات هذه الإدارة بأمر من نظام الأسد! ويحاول الحزب الكردي تسويق سلطته والتغطية على الانتهاكات من عمليات خطف واعتقال ونفي للسياسيين والناشطين والاعلاميين المعارضين للنظام السوري، من المناطق الكرديّة السوريّة، عبر إبراز هذين الجانبين في الإعلام الغربي: محاربة القاعدة، وحماية الأقليّات.
والحقّ أن هجمات «النصرة» و «داعش» على المناطق الكرديّة عززت قوّة الحزب الكردي وسطوته، وزادت ميله الى التخوين وعظّمت جبروت تعاطيه مع المختلفين معه أو المعارضين لسلطته، عبر أهزوجة نظام الأسد إيّاها: «إمّا أنا، أو التكفيريون»، ولولاي لكان «داعش» و «النصرة» هتكا الأرض والعرض الكردي السوري! ولأن الحزب الكردي «يقاوم» ويبذل الدماء في الدفاع عن تلك المناطق، يجب أن يدين له المجتمع والشعب الكردي بالولاء والطاعة العمياء، ولا يعترض على أيّ من ممارساته، متجاوزاً بذلك حتّى «حزب الله» اللبناني الذي يرضى، ولو على مضض، بالشراكة، إلاّ أن «حزب الاتحاد الديموقراطي» يرفض أيّ شريك إن لم يكن مذعناً تماماً لهيمنته.
في الآونة الأخيرة، ازدادت وتيرة الممارسات القمعيّة للحزب الأوجلاني الكردي، ما أجبر نحو 150 كاتباً وكاتبة وصحافياً وشاعراً ومثقفاً وناشطاً سياسياً وحقوقياً من الاكراد السوريين على إصدار بيان بعنوان «ضد الاستبداد وذهنيّة التخوين»، وجّهوا فيه انتقادات لاذعة لانتهاكات هذا الحزب وتسلّطه على المجتمع والرأي الآخر. تلى ذلك بيان صادر من منظمة «مراسلون بلا حدود» انتقدت فيه خطف الحزب مراسلين صحافيين في قناتي «روداو» و «أورينت» ونفيهما إلى كردستان العراق. وفي السياق نفسه، أصدر المرصد السوري لحقوق الإنسان بياناً طالب فيه «حزب الاتحاد الديموقراطي»، وإدارته الذاتية الديموقراطيّة الحاكمة في المناطق الكرديّة بالتوقّف عن انتهاكات حقوق الإنسان والإفراج عن كل المعتقلين، والكف عن تجنيد الأطفال ضمن وحدات الحماية الشعبيّة وقوات الأمن الكرديّة «الاسايش». في غضون ذلك، انتقد رئيس فرع هيئة التنسيق الوطنيّة في المهجر، خلف داوود، ممارسات الحزب التعسّفيّة وحملات الاعتقال التي يمارسها ضدّ معارضيه، ناهيك عن تجنيد الأطفال ضمن ذراعه العسكريّة! وللعلم، فـ «حزب الاتحاد الديموقراطي»، من مؤسسي هيئة التنسيق، ما يعني أنه حتّى الهيئة، لم تعد راضية عن انتهاكاته التي باتت تحرجها وتشكّل عبئاً ثقيلاً عليها.
ويرى مراقبون أنه كلما ازدادت الضغوط السياسيّة والإعلاميّة على سلطة «الاتحاد الديموقراطي»، سواء في قنوات التلفزة او الصحف او المواقع الالكترونيّة ومواقع التواصل الاجتماعي، يختلق الحزب أزمة ومعارك جانبيّة مع «التكفيريين» او مع «الميليشيات البعثيّة الموالية لنظام الأسد» للفت أنظار الرأي العام الكردي إلى المعارك والتضحيات والدماء التي تراق، بغية تخفيف الضغط السياسي والإعلامي عن نفسه. وبصرف النظر عن صحّة وجهة النظر هذه، فما هو مفروغ منه أنه بات يقدّم نموذجاً مشوّهاً لنظام الحكم الذي يمكن أن يؤسس له «حزب العمال الكردستاني» في تركيا، وأزال عن نفسه بريق أو سحر المعارضة والمظلوميّة قبل انطلاق الثورة السوريّة، حين كان نحو 1200 شخص من كوادره وعناصره في سجون الأسد، وقد قضى بعضهم تحت التعذيب.
الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى