حوار خاص مع الأكاديمي والسياسي عبد السلام برواري
Yekiti Media
عبدالسلام برواري.. الأكاديمي والسياسي المخضرم، وأستاذ علم الإجتماع السياسي المحترم.
يسرنا استضافتكم في رحاب جريدة ،،يكيتي،، الناطقة باسم اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكُردستاني – سوريا.
و يسعدنا أن تتكرموا بإطلاع المتابعين على آرائكم، مشكوراً، عبر الإجابة على أسئلتنا التالية:
س(١): الكُرد من أقدم سكان سوريا، يقيمون فيها على أرض أسلافهم، ورغم بقائهم عليها و تشبثهم بها، إلا أن هلامية الحدود المحكومة باتفاقيات سايكس بيكو، تركتهم أقلية عددية في سورية، التي رسمت تلك الاتفاقيات حدودها الحالية.
برأيكم ما هو أنجع حل، ممكن، للقضية الكُردية في سوريا، التي يتعرض الشعب الكُردي فيها لسياسات التمييز العنصري على يد السلطات المتعاقبة، منذ تحقيق الاستقلال؟
الشعب الکوردي في سوریا جزء من الامة الکوردیة المجزأة، التي تم حرمانها من ان تکون لها دولتها، اسوة ببقیة الامم، بالتالي فإن أنجع حل للقضیة الکوردیة في سوریا هو الحل المطلوب للأمة الکوردیة، اي الاستقلال و الدولة.
هذا ما یقولە المنطق و ما ینبغي ان تسیر الامور وفقها، و لکن السیاسة لا تتم ممارستها وفق المنطق أو حسب ما ینبغي ان تکون الامور علیها. لذلک ینبغي علی الکورد في سوریا، ساسة و مثقفین و إعلامیین، ان ینظروا الی الموضوع نظرة واقعیة تستند علی المعطیات العملیة علی ارض الواقع. و هذە النظرة الواقعیة تتطلب منا جمیعا النظر الی حل القضیة الکوردیة في سوریا من خلال النظر الی الازمة السیاسیة في سوریا عموما و تحدید الحلول و المقترحات و المشاریع وفق هذە النظرة.
الحل الممکن في هذ المرحلة هو بلورة رؤیا محددة وواضحة لمطالیب یمکن التفاوض علیها مع النظام أو مع التیارات السیاسیة الساعیة لتحل محلە. و هذا یعني الترکیز علی ما یمکن تحقیقە في مجال الاعتراف بالهویة الکوردیة و تحویلها الی تشریعات و خطوات تحقق للکورد ممارسة حقوقهم الاداریة و الثقافیة. و لا یمکن التوصل الی ذلک إلا من خلال العمل مع القوی السیاسیة غیر الکوردیة في سوریا في إطار مشروع عام لسوریا نفسها. هذا هو ما قامت بە الاحزاب الکوردستانیة في العراق خلال اکثر من نصف قرن مما ادی الی ان یتحول قائد مثل الرئیس مسعود بارزاني الی مفتاح للکثیر من مشاکل العراق و الی ان تلعب احزاب مثل الحزب الدیمقراطي الکوردستاني هذا الدور البارز و الممیز و المؤثر في السیاسة العراقیة.
س(٢): عاشت سوريا تحت حكم سلطات استبدادية عسكرية منذ ١٩٥٨، و بعد أن خرجت الملايين من السوريين في ثورة سلمية في آذار ٢٠١١، وجدت نفسها منقسمة إلى لاجئين ونازحين، إضافة إلى المعتقلين و المفقودين و الشهداء و الجرحى.
– بتقديركم.. ما هي الأسباب التي تقف وراء إطالة عمر الأزمة في سوريا كل هذه السنوات؟
هناک اسباب داخلیة و اخری خارجیة. داخلیا النظام السیاسي في سوریا هو نظام الحزب الشمولي الواحد و من طبیعة هذ الاحزاب انها تقضي علی الطبقة الوسطی التي منها تنبع الحرکات الاجتماعیة (و التیارات السیاسیة ایضا)، لذلک کان من شبە المستحیل ان تتواجد قوی سیاسیة یکون بمقدورها قیادة الحرکة التي بدأت في عام ٢٠١١، الامر الذي اجبر القوی المؤیدة لتغییر النظام الی اللجؤ الی التحالف مع قوی لدیها تحفظات علیها او حتی تعتبرها ارهابیة.
کما ان الحال في العالم العربي و الکثیر من دول العالم الثالث یختلف عن شرق اوروپا حینما انهار النظام السوفیتي و تمکنت دول شرق اوروپا من استعادة الدیمقراطیة لأنها کانت تمتلک تجربة دیمقراطیة قبل النظام الشیوعي، الامر الذي تفتقر الیە سوریا و دول المنطقة. خارجیا لسوریا اهمیة استراتیجیة و خصوصیة، ادت الی اطالة المعاناة، فسوریا محاذیة لإسرائیل و لها مشاکل مع ترکیا، و هي احدی ادوات اللعبة الایرانیة، کذلک تعتبر آخر قلاع النفوذ الروسي في المنطقة، و تعاني من مشاکل مع مکوناتها القومیة و المذهبیة کل ذلک کان لە تأثیر علی عدم الخروج من المأزق و استمرار المعاناة.
س(٣): كيف تقيمون دور إقليم كُردستان، في تأييده لحقوق الكُرد في سوريا خاصة و الشعب السوري عامة، قبل الثورة السورية المستمرة و خلالها؟
السؤال البدیل الذي اقترحە: (ماهي الأسس التي ینبع منها دور إقلیم کُردستان و موقفە من حقوق الکُرد في سوریا خاصة و الشعب السوري عامة).
هنالک ثلاث اسس و مبادئ رئیسیة تتحکم في دور الاقلیم و موقفە من هذا الموضوع، و هي: اولا، مبدأ الایمان بحق الکورد في تقریر مصیرهم، ثانیا: ایمان القیادة السیاسیة في الاقلیم بخصوصیات کل جزء من اجزاء کوردستان و السیر علی مبدأ التعاون و التنسیق بعیدا عن فرض طرف لنفسە علی طرف آخر، أو فرض تجربة جزء علی آخر و بالتالێ دعم کل الجهود المبذولة في کل جزء من اجزاء کوردستان للتوصل الی افضل السبل و الحلول الخاصة بها. ثالثا: لقد تعلمنا من التجربة السیاسیة و الرؤیة الواقعیة للامور بأننا نعیش في عهد الحوار و التعاون و الاحترام المتبادل للمصالح و التوجهات، لذلک یؤید الاقلیم کل الجهود المبذولة للتوصل الی حلول بالطرق السلمیة و الحفاظ علی ارواح الابریاء.
کل هذ یجري في اطار ضرورة النظر الی الاقلیم کونە واقعا دستوریا و لە التزامات داخلیة و قطریة و دولیة، و هي خصوصیات لا تمتلکها بقیة اجزاء کوردستان، هذا الواقع یضع حدودا لما یمکن للاقلیم القیام بە علی صعید الامة الکوردیة. استنادا علی ذلک ینبغي ان تکون التوقعات من الاقلیم توقعات تأخذ هذە الحقیقة بنظر الاعتبار. و یشهد کل ذو إنصاف بأن الاقلیم کان و لا یزال یقدم ما بوسعە لشعبنا الکوردي في سوریا و للاحزاب السیاسیة الکوردیة، مستفیدا من العلاقات الدولیة المتقدمة التي یتمیع بها.
س (٤): في ظل هذا الوباء الذي استفحل عالمياً إلى درجة أن فايروس كورونا بات الأشهر عالمياً، وهنا لو تفضلتم سيكون سؤالنا بشقين: كيف تقيمون تجربة كُردستان التي أبدعت في تنفيذ برامج لحماية شعبها، فيما عجزت عنها دول عريقة ومتقدمة؟
والشق الثاني: ماذا تتوقعون حول “كورونا” ، وكيف تنظرون إلى عالم ما بعد كورونا؟
یتمتع اقلیم کوردستان بخاصیة تفتقر الیها الکثیر من الحکومات و الدول (و خاصة في الشرق الاوسط)، و هي هذ العلاقة الایجابیة بین الشعب و المؤسسات الامنیة، و بالتالي کان ممکنا ان یتقدم الاقلیم الکثیر من الدول في مواجهة الوباء و فرض اجراءات العزل الاجتماعي و منع التجول بنجاح و تعاون منقطع النظیر. کما ان الشفافیة التي اتبعتها وزارة الداخلیة و وزارة الصحة في الاقلیم لعبت دورا کبیرا في المزید من نجاح اجراءات الحمایة.
انا شخصیا لست مع الذین یبالغون في رسم صورة العالم بعد کورونا، بالتأکید سیظل العالم یعاني من آثار الوباء لسنوات من الناحیة الصحیة و الاقتصادیة، و ربما ستظل بعض الممارسات التي فرضت نفسها ابان تفشي و إنتشار الوباء، و لکني اعتقد ان الحیاة ستعود، تدریجیا، الی مسارها الاعتیادي، بمرور الزمن. هنالک مؤشرات بأن مرحلة ما بعد کورونا ستجبر معظم الدول الی المزید من الاهمام بقضایاها الداخلیة و الاستعداد الذاتي لکوارث مشابهة، کذلک ینبغي علی الاقتصاد العالمي ان یراجع الاسس التي تجري عملیة العولمة وفقها ولعل الهلع الذي اصاب اصحاب الاعمال و الشرکات الامریکیة العملاقة، لە مبررە الواقعي اذا اخذنا بنظر الاعتبار اعتماد معظمها علی الصین لورشة خلفیة لمعظم المنتوجات الامریکیة، هذا مثال بسیط علی التحدیات التي تواجە الاقتصاد الدولي بعد إنتهاء الازمة الراهنة.
س (٥): كأكاديمي وسياسي، و كوجه إعلامي بارز، مثلتم الصوت الكُردستاني، ويشهد لكم بقوة الدفاع عنه.. سؤالنا لو تكرمتم: ما هو تقييمكم للإعلام الكُردستاني عامة، وكُوردستان العراق خاصة؟
بعد انتفاضة ربیع ١٩٩١ في جنوب کوردستان و ظهور إقلیم کوردستان بمؤسساتە الدستوریة، شهد الاعلام الکوردي قفزة نوعیة من ناحیة التنوع و ادخال التکنولوجیا و لکن الخطاب الاعلامي لم یتطور بنفس النسبة و بقي اداة بید الاحزاب تنقل الیە الجوانب السلبیة الموجودة في الثقافة الشرق اوسطیة. کما ان عدم وجود اعلام کوردي مهني غیر حزبي و ظاهرة (اعلام الظل) التي تصرف علیها الاحزاب مبالغ طائلة و تطرحه کإعلام مستقل و أهلي زاد الطین بلة.
هذا علی الصعید الداخلي، اما علی صعید الاعلام الکوردي باللغة العربیة و الترکیة و الفارسیة و الموجە الی سکان الدول التي تتقاسم کوردستان، فهو کذلک یعاني من مشکلتین: التأثر بالعقلیة و الاسالیب السائدة في اوساط تلک الشعوب یصل احیانا الی حد تقلیدهم و إستخدام الالفاظ و التعابیر التي تستخدمها انظمة تلک الدول. کما ان الاعلام الکوردي الموجە الی العرب بصورة خاصة، فشل في محو الصورة النمطیة المشوهة عن الکورد و المترسخة في المخیلة العربیة، کذلک لم ینجح في ایصال الصورة الحقیقیة و خاصة التعریف بالرؤیا الکوردیة في المسائل السیاسیة و الثقافیة و الفکریة، بحیث یبدو الامر و کأن الکورد یخاطبون انفسهم عندما یتکلمون او یکتبون باللغة العربیة. بل ان الاعلام الکوردي نقل الصراعات و الاختلافات لاموجودة داخل البیت الکوردي الی الاوساط العربیة الامر الذي اعطی اعداءنا من شوڤینیین و متعصبین فرصة الطعن بالکثیر من الجوانب الایجابیة ایضا التي تمتکها مؤسسات الکورد و منظماتهم السیاسیة.
س (٦): يقال بأن حكومة إقليم كُردستان قررت التحول إلى الحروف الأبجدية اللاتينية بدل من العربية؟ كيف تقيمون هذه الخطوة؟
لم اسمع بمثل هذا القرار و لا أعتقد ان هنالک مثل هذا التوجە رغم ان الالفباء العربیة تفتقد الی الکثیر من الاصوات الموجودة في اللغات الهندو-اوروپیة کاللغة الکوردیة.
المسار الذي تم تبنیە في جنوب کوردستان منذ ما یقارب القرن بإستخدام ما اسمیە انا بـ(الالفباء العربیة الموسعة) مکننا هنا و في شرق کوردستان (و غرب کوردستان ایضا الی حد ما) من التغلب علی هذا النقص في الالفباء العربیة.
الذي یقلقني شخصیا اکثر من الالفباء هو هذا التشویە الذي تتعرض لە اللهجة الکرمانجیة المستخدمة في وسائل الاعلام الکوردیة الی درجة اخشی فیها ان تتوسع الاختلافات الموجودة مع اللهجة السورانیة و یهدد اللغة الکوردیة.
الحوار منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٣”