لقاءات وحوارات

حوار مع السياسية والأكاديمية السورية لمى الأتاسي

Yekiti Media

سياسية وأكاديمية مختصة بالعلوم الإنسانية , تدير مركز استشارات و تدريب مهني تابع و معتمد حكومياً في باريس ، مختصة أيضاً في البحث عن المواكبة المهنية في المناخات متعددة الثقافات من جامعة باريس العاشرة ، ضيفتنا القديرة هي الأستاذة لمى الأتاسي بعد الترحيب المشفوع بالشكر الجزيل لها لمنحنا وقتاً وجهداً كبيرين كما وسعة صدرٍ في حوارنا وردودها على أسئلتنا :

السؤال الأول : بدايةً نرحب بكم على صفحات جريدة يكيتي، وسنبدأ بالسؤال الأهم : سوريا المآل بعد هذا المخاض الدموي العنيف والآمال ؟ بتصوركم : الأسباب التي أودت بنا جميعاً إلى هذه الأنفاق ؟

الجواب :

تحية طيبة و نوروز مبارك لكلّ قرّاء صفحاتكم، سوريا لم يتقرّر مصيرها مسبقاً كما نسمع هنا و هناك، و لست ممّن يعتقدون بنظرية المؤامرة . الثورة السورية على نظام الأسد الدموي كانت حتمية ، لأنّ الإنسان بفطرته يرفض الظلم، فما بالك ان كان هذا الظلم قديم و ما بالك لو كان يتفاقم .. سوريا قبل عام ٢٠١١ كانت جهنم لأغلب سكّانها، و جنة فقط للمستفيدين القلة، لم يكن يتوفّر أي شيء من مميزات المواطنة الموجودة في الغرب مثلًا.. كان حلم الجميع الهجرة، كان يشعر أغلب السوريين بالغربة في وطنهم بالإضافة للخوف من أجهزة الأمن التي تحكم بالنار و السوط و الترهيب.

عندما يتحدّث السوري عن مطلبه الديمقراطي ، كان يقصد به أن يسمح له بالمشاركة بحكم بلده و تطويره؛ لكي لا يضطرّ للهجرة.. في البداية كان مطلبه يتوقّف عند الإصلاح فقط،. السوري إنسان حضاري يحبّ التطور، و يصبو للأفضل، و من حقه أن يثور لكرامته و لمستقبل أبنائنا في سوريا. الثورة كانت حالة حتمية تاريخية.

الصراع الدولي كان و ما زال كما نتابع عنيفاً و قاسياً و أكبر من رغبة السوريين أنفسهم بالحرية و التحرر من حكم الطاغية.. في الواقع لم يقف أحد مع ثورة التغيير و مع السوريين، كان الهدف فقط تمرير مصالح دولية بدماء الشعب. تم اللعب بهم و هنا لا أتحدّث عن نظرية المؤامرة، هنا أقصد استراتيجيات حربٍ بين الدول العظمى، استعملت فيها كلّ الأطراف و الطوائف و المكونات السورية.. لا بدّ أن نقرّ أنّ كلّ فئةٍ كان يتمّ تسليحها ليتمّ جرّها نحو مسارٍ يخدم أهداف مموّل السلاح، بالتالي لا سوريا ..

بعد اليأس انجرّ الثوّار الشبان نحو عاطفة الدين و تاهوا بشعارات قرو اوسطية لا واقعية و لا عصرية و لا تخدم قضيتهم، انساقوا بالحماس وبعدها تمّ تصنيع داعش و قبلها القاعدة، الهدف إلغاء المشروع الوطني الجامع عبر تشويه صورة الأغلبية السورية من عرب و مسلمين.

لأي مدى شباب الأغلبية الثوار هم مسؤولون عن إضعاف حضورهم و تشويه صورتهم في الساحة السورية و الدولية ؟ لأي مدى هم مسؤلون عن عدم تواجد مشروع وطني جامع؟

حتماً كلّ واحدٍ مخيّر لحدٍّ ما ، لكن و ليس دفاعاً عنهم، لكن للحق كانت خياراتهم قليلة ، ولقد تكالب عليهم المجتمع الدولي غير المعني بمصالح الوطن السوري؛ و ساقتهم بعض الدول الإقليمية نحو الفشل بهذا الشكل..إن نضحك عليهم كما يقال . قيل لهم العالم الإسلامي معكم، و لم يكن أحد ممكن أن يقف معهم لأنّ خطابهم كان و لا زال لا منطقياً .. هم كانوا بدرجة يأس و إنهاك كبيرة فصدّقوا كل ما قيل لهم، و كان انتحاراً للثورة التي كان المفروض أن تعتمد على الطاقات الشابة.

بدأت بالحديث عن الشقّ الإسلامي في الثورة، لأنهم متواجدين شئنا أم أبينا كفكر و كمنهج ، و هم جزء من المشهد ، و هم طرف أساسي و رئيسي. حيث هم ينتمون للأغلبية لا بل هم الأغلبية .

طبعاً أنت تواقة لكي تستمعي لرأيي بجزء آخر من المشهد السوري ، و هو الحضور الكُردي ؛ أيضاً تمّ استعمال الشعور الكُردي و الانتماء الكُردي و القضية الكُردية في سوريا. لكونهم الطرف الثاني الأكثر تأثيراً في القرار الوطني السوري بعد الأغلبية ..

لا بدّ أن أوضّح لماذا، تاريخياً كان يمكن للكُرد في سوريا إنشاء دويلة عندما أراد الفرنسيون هذا و لكنهم بمحض إرادتهم وضمن عقد وطني بنوا سوريا الحديثة، لا بدّ من توضيح نقطة أنهم لم ينضمّوا لوطنٍ آخر، بل هم من صنّاع الوطن السوري ،هم المكون الثاني بعد العرب المسلمين و بالتالي توافق الأغلبيتين أنتج القرار المعاند للقرار الاستعماري آنذاك، سوريا لم تكن وطن ينضموا له هي من صناعتهم و بقرارهم.

أما كيف تمّ إقصاء الكُرد فهذا سأحدّثك عنه لاحقاً، لكن أودّ أن أوضّح هنا نقطة: لماذا استهدف التحالف العربي الإسلامي الكُرديَ في سوريا لتغييب مصالح سوريا، يعني تغيير النظام و تغيير توازنات القوى في الشرق الأوسط كانت تعتمد على عنصريين أساسيين في سوريا هم مكون الأغلبية و المكون الكُردي . هم كانوا لو اتفقوا و توحّدوا لكان بإمكانهم إقناع بقية الأطراف كما حصل يوم إنشاء الدولة و الأهم القادرين عملياً ضمان حقوق الأقليات في سوريا.

لقد تمّ إقناع الأقليات في سوريا منذ عهد الانتداب الفرنسي بأنّ حامي الأقليات هو الأجنبي الغريب عن أرضنا.. تارةً الفرنسي و تارةً الروسي و تارةً الاميركي و لحد الأن ، و للأسف لم يعوا، أقليات الشرق من مسيحيين لعلويين، لغير أنّ الآخرين يصبون لمصالحهم كدول و لديهم رؤية واسعة للمواطنة في بلادهم تتجاوز الأديان و القوميات المحلية و يتعاملون بمعيارين هم علمانيين في بلدهم متشنّجين معنا .

و لا بدّ أن نعي بأنهم متفقون لم يساهموا إلا بتركيز حكم الأقليات لإضعاف صوت الأغلبية و كبت القضية الكُردية .. و لا بدّ أن نعي بأنهم هم مَن ساهم بتفريغ سوريا من مسيحييها باكراً ؛ مع وصول حافظ البعث للحكم كان عدد مسيحيي سوريا ١٨ بالمئة و اما عشية الثورة فهم لا يتجاوز عددهم ال ٨ بالمئة.. لماذا هاجر السريان للسويد في الستينات و السبعينات هل كان هذا حبًاً بالبرد ؟ هل هم لا يحبّون الجزيرة و الفرات و سوريا ؟ في الحقيقة في هذا الشرق كنا كلنا ضحايا ضعف قياداتنا و تشتتها و الأهم عجزنا عن إنجاز سياسات محلية تخدم المصالح الوطنية و تساير المجتمع الدولي و لا تدخل بصراعات الدول العظمى.

اختارت قياداتنا المتأثّرة تارةً بالشيوعية و تارةً بالقومية العربية و البعثية الانصهار باللعبة الدولية و الحرب الباردة على حساب مصالح الشعب محلياً و اليوم لا بدّ أن نتساءل: هل الشعب هو من اختار هذه النخب التي أحضرت البعث و بعده ال الاسد و أخذت سوريا و مكوناتها للهاوية، اليوم. العلوية البعثية مفرز حرق مراحل تاريخية بالتطور السوري و مفرز احتقار النخب لتاريخ سوريا و تراثها المتعدد.

اليوم نحن نقف على حافة الهاوية و في مرحلة تاريخية حاسمة من تاريخ سوريا. أمّا نجد وسيلة تفاهم و لغة إنسانية ديمقراطية مشتركة نقف فيها كلنا متساويين محترمين بعضنا البعض، و لا أحد ضيف عند أحد و أمّا فعلى سوريا السلام.

– السؤال الثاني : عند جميع شعوب العالم يعتبر التنوع الإثني والثقافي كنز ، سوى سوريا حيث تمّ استهدافها مع الإنقلابات العسكرية .. كيف تتصوّرون المستقبل بآفاقها ؟

– الجواب :

ليس صحيح عند جميع الشعوب يُعتبر التنوع الأثني و الثقافي كنز: هذه جملة مثالية غير واقعية في كافة الأبحاث العالمية التي أجريت عن التعايش و عبور الثقافات و التعددية ، نلاحظ أنّ هناك خيارات سياسية تنتهجها الدول في هذا المجال أو لا
العنصرية تقتضي بإلغاء الاختلاف الثقافي النوعي .. يعني على أسلوب اللباس الموحد و اللغة الموحدة و ديكتاتورية الأغلبية بالمفهوم الفكري و ليس العددي.

لقد درست الموضوع جامعياً و أجريت أبحاثاً بالتحديد حول هذا الموضوع لكي أعي حجم الكارثة السورية و عملت على التنوع الثقافي في المجال المهني و وجدت أنّ هناك اليوم تصنيفاً للمجتمعات حسب مدى تقبلها أو لا لمفهوم التنوع و التعايش
على سبيل المثال في الستينات في فرنسا لم يكن يسمح للمكونات الفرنسية باستعمال لغاتها المحلية و كانت هناك ديكتاتورية عنيفة تُمارس على المكونات المحلية في فرنسا ؛ التنوع ليس قصراً على سوريا كثير من دول العالم لديها ذات التنوع و اليوم مع تكاثف الهجرات سيزداد و لن ينقص..

من خلال عملي وجدت أنّ الثقافة الانجلوسكسونية التي طغت في تأسيس الولايات المتحدة كانت سبّاقة بتعزيز فكرة التنوع الثقافي في مكان ما و نبذ العنصرية. طبعاً هذا يعود لأسباب تاريخية يطول شرحها، لكن ما أريد أن أوضّحه هو أنّ التنوع لم يكن محبّذاً ، و لكن المجتمعات كلما ارتقت كلما فسحت المجال لاحترام مكوناتها و تعزيزها و تعزيز فكرة المساواة.

في سوريا تمّ استهداف التنوع و تمّ تشويه التاريخ و تمّت حتى تشويه المناهج التدريسية للأجيال ، و اليوم نحن أمام سوريين لا يعرفون تاريخهم ، و هذا جزء من المأساة السورية من إرث البعث .. أريدت لنا هوية عربية موحدة و مشوّهة، تمّ ربطها قيما بعد إمّا بالماركسية وإمّا بالإسلام السياسي. تمّ تشويه المكون العربي في سوريا الذي لم يعد يرى نفسه جغرافياً في سوريا ، بل في مناطق جغرافية أخرى ممتدّة من الخليج إلى المحيط، و كذلك الإسلامي الذي بات يرى نفسه في مشروعٍ أممي خارج سوريا .. اختلّ التوازن النفسي و الفكري و التغت البراغماتية السياسية نهائياً منذ أن أصبح السوري يرفض حمل الهوية السورية، بل يريد إضافةً لها عربية .. عملياً لا أحد يطرح هوية عربية موحدة إلا بعض البعثيين ، و هذا كان كارثة للشعب السوري الذي ما زال يرفض العودة للصواب و الاهتمام بسوريا و تعزيز تنوعها.

الذي زاد الطين بلّةً هو أنّ هذا التشويه الممنهج للهوية السورية العربية المحلية أتت على يد الستالينين و عقلية الماركسية الشمولية التي تمنع خصوصيات الفرد و تجرّده منها ليكون خادماً للمجموعة فقط.

بالمختصر سوريا البعثية مشروع سوفييتي وضعت فرنسا عليه لمساتها و موافقتها بيد شخصيات سورية و للأسف ( عفلق – البيطار -الأتاسي) و كان الأنجح لدعم مصالح الدولتين في المنطقة في مرحلة الحرب الباردة.. الضحية هي مكوناتها و تعدديتها و تاريخها و تراثها و ثقافاتها . وهنا لابدّ من التأكيد على أنّ النخب السورية من كافة المكونات تتحمّل هي أيضاً هذه المسؤولية ، ولربما لحل المشكلة علينا ألا ننظر إلى الخلف بل للأمام ، و أن نتساءل عن كيفية توعية أجيال تجهل تاريخها و أصلها لضرورة القبول بأنهم ليسوا مواطنين عرب في دولةٍ افتراضية لن تتواجد بل مجرد سوريين تربطهم مع أرضهم لغات و ثقافات أخرى بذات مستوى و أهمية الثقافة العربية . وباختصار في المفهوم السياسي السوري للعروبة تعنت وأكبر الخطر على التعايش.

السؤال الثالث : في السردية التأريخية وإنتاج سورية الحالية ؟ كلنا قرأ دور جدّكم رجل الدولة هاشم الاتاسي في تشكيل سوريا اتحادية ، هل نستطيع ولو كحلمٍ الاقتراب من ذلك الإنتاج –

الجواب الثالث:

الإنجاز الجليل هاشم الاتاسي ليس جدّي بل قريبي ، ولكنه جدّي الروحي و هذا ليس لأننا أقارب و من نفس العائلة الوطنية ؛ لكن لأني أعتبره شخصية مثالية في مرحلته، هو عاش مرحلة ولادة سوريا و عاصر مرحلة صراعات دولية و كان يتمتّع بانفتاح أفق و ثقافة و احترام للتنوع السوري يفتقده أغلب السوريين اليوم. و شتان بين الوعي الذي كان يتمتّع به للمخاطر المحيطة و بين التخريب الذي انتهجته الأجيال البعثية و القومية فيما بعد.

ما ميّز هاشم الأتاسي هو أنه كان يعلم أن الكُردي و المسيحي و الدرزي و العلوي و السرياني و الشركسي و التركماني و غير إن كان سوري فهو أقرب له من أيّ شخص آخر لا يحمل الجنسية السورية.

في عام ١٩٢٠ لدى عمله على الدستور السوري الأول لم يكتب في الدستور انحياز ديني أو طائفي و كانت سوريا كما كان اسمها للجميع .. كان عربياً دون الحاجة لإضافة الجمهورية العربية .. كان يعي أنّ العروبة بالتحديد لا تعني التدخل بشؤون دول الخليج و محاولة تدميرهم كما فعل البعثي صدام حسين .. كان يرفض الديكتاتورية الشيوعيه و فكرة إلغاء الحريات ..كان ديمقراطياً قبل عصره.. كان محترم و نزيه. شريف ..

وللتذكير هو كان موظفاً عند الدولة العثمانية و كان والياً لبيروت و بعدها عمل مع الملك فيصل و انحاز للثورة على العثمانيين و بعدها ثار على الفرنسيين و نال احترامهم و استطاع أن يقف و من معه باحترام و ندية أمامهم.

السؤال الرابع : شهر آذار يعني لنا كُردياً أمور كثيرة وأهمها يوم المرأة وعيد نوروز والأم، وسنضيف عليها حدثاً معاصراً قد نسمّيه هبة قامشلو 12/3 / 2004 ماذا تقولين فيها

الجواب :

كلّ عام و كلّ الكُرد و السوريين بخير و سلام، نوروز مبارك للجميع و عيد مرأة مبارك لكلّ نساء سوريا، هبة قامشلو هي ذكرى لا يجوز أن ننساها.

حسب ما أعلم أنها معركة صغيرة قامت ضد البعثيين أتباع صدام و الفكر الإقصائي بدأت خلال مباراة كرة قدم و استمرّت ٦ ايام
و للأسف ما زال الكثيرون من أخوتي العرب لا يعون حجم خطورة الفكر البعثي أسدي أو صدامي .. لا يعون خطورة القومية العربية و الديكتاتورية و عدم احترام الآخر على مستقبل سوريا كوطن مشترك.

هذا الفكر بعكس فكر أمثال هاشم الأتاسي هذا مقسم للاوطان .. و مهدم للبشر و نظام الأسد ما هو إلا مطر غيم البعثيين و الناصريين و للأسف.

اللقاء منشور في جريدة يكيتي العدد 296

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى