حوار مع الكاتبة آنجيلا درويش
من أرض الزيتون وأريج فوح بساتينها حيث أينعت وازدهرت في روحها شغف الحروف فتطرح معان تشي بصخب ذي شغف ،
وكلمات تضجّ بمعانيها وهي تتراكب من حروف أشبه ما تكون بطرز أو نقش وقد حيكت وتحاك على يد ماهرة بارعة ، ودعونا هنا أن نختصر في الكلام ولنتعرّف على ضيفتنا في هذه الزاوية من الجريدة المركزية ، فهي كاتبة كُردية من عفرين الحبيبة ، والتي نالت نصيبها من الغربة في بلاد الشتات ، مخلّفة وراءها موطنها ديار الزيتون والكروم والرمان ونسمات الحقول المشبعة بأريجها الأزلي وهي تسعى بما ملكت من إيمان أن تختزن مرابع ونسمات أريج طفولتها وشبابها ، تلكم النسائم التي صقلت فيها ذات الأحلام وإن بعثرتها الظروف وجعلتها تتشظّى ومن ثم لتتبعثر كأحلام وقد حوطتها في قصائد جميلة نشرتها في المواقع الإلكترونية والجرائد الأدبية ، هذه المبدعة التي حازت على عدد من الجوائز الذهبية وكذلك شهادات تقدير ، ولها إصدارات إلكترونية ، وأهمها كتاب نثر تحت عنوان / أنا لست أنا / وصدرت لها أيضاً ثلاثة كتب عن نادي الهايكو العربي وهي /صور إنثى /
/قصائد متوحشة /
/نشيد الطفولة/
، وبعد هذا التعريف الموجز دعونا نرحّب بضيفتنا العزيزة الكاتبة آنجيلا درويش في زاوية المرأة . ونبدأ معها الحوار التالي :
– السؤال الاول :
بدايةً حبّذا لو تتفضلي بتسليط الضوء بشكلٍ أوسع على تجربتكم المتنوعة بين لغتكم الأم، وأعني بها اللغة الكُردية ،و اللغة العربية ومن ثم خوض غمار الكتابة ! كيف بدأت أو انطلقت في مشوارك ؟
– الجواب :
في البداية أتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكم أستاذة ليلى على إتاحة هذه الفرصة الجميلة واستضافتي في جريدتكم الموقرة وخاصةً زاوية المرأة …
أنا كأنجيلا المرأة الفلاحة القروية الكُردية أفتخر بكُرديتي هويتي التي أعتزّ ، أنا هي آنجي التي كانت تمضي جلّ يومها بين السهول والجبال والحقول ورعي الأغنام،لم أبدأ في الكتابة،بل الكتابة هي منْ بدأت بيّ، وبمعنى أوضح : كنتُ شغوفة جداً بتأمل الطبيعة ولمس الحيوات المرئية وغير المرئية، هذه الأشياء كانت تتحوّل في أعماقي إلى قوة كامنة وصخب غير قابل للاستقرار، وفي ذات الوقت
كنت أدرك بأنّ أجنحتي مقصوصة ولساني أيضاً مبتور ؛ كوني لم أدخل المدرسة العربية إلا لعدة سنوات، وعين الحال مع لغتي الأم (الكُردية)بحكم عدم توفر مدارسها فهي كانت محظورة .
بعد اندلاع الحرب التي جلبت معها أشد أنواع القهر والحرمان والضغط النفسي والعوز التجأنا إلى بلدٍ لا تشبهنا بأي شيء،
وبعد فترة طويلة من التشتت والعذاب والتعامل العنصري وكذلك أحاسيس الغربة والحنين ، لم أجد أمامي سوى السعي للتحرر من الضجيج الداخلي وكأحسن علاج لذلك هو الكتابة.. اتخذت خطوات أولية فصرت أختلط مع الجيران الذين كانوا يتحدّثون اللغة العربية لأتمكّن من المحادثة ومن ثم استعنت بتطبيق (pdf)، فقرأت الروايات والشعر وكذلك تطبيق قواعد اللغة العربية ، ويوماً بعد يومٍ كنت أتقدّم إلى أن اقتنعت بأني وصلت إلى درجة مقبولة في التعامل كما والكتابة باللغة العربية . ومن ثم نشرت أول قصيدة لي بصفحتي في الفيس بوك حيث نالت عدداً لا بأس به من الإعجابات ، ولتصبح حافزاً تشجيعياً لي ، واستناداً عليها انطلقت ، وبعدها انضممت إلى مجلات ومنتديات كما وصفحات أدبية ، وأسّست مع مجموعة من الأصدقاء الكُرد تجمعاً تحت عنوان (يدًا بيد نبني المستقبل ) وخصصنا فيها يوماً لتعلم اللغة الكُردية تحت إشراف أساتذة مختصين ، وقد استفدت منها كثيراً كما وزادتني رغبة في تعلم لغتي الأم كتابةً وقراءةً ، ومن ثم انضممت إلى كروبات شبه متخصصة ، وأخذت أستعين بالقواميس الأدبية وقرأت ثم قرأت إلى أن وصلت إلى مرحلة جيدة ، وحيث أنني في الأساس مغتربة ، فقد وجب علي أن لا أترك فرصة لتعلم لغة البلد الذي وصلت إليه لتكون لي عوناً في حياتي الواقعية، ومن ثم انتسبت الى دورة تعلمية على مدار ثلاثة أشهر وتعلمت كيفية المحادثة والكتابة باللغة التركية ولو اتيح لي فرصة تعلم لغة رابعة لما بخلت على نفسي ..
س٢- في كتابة المشاعر هناك مزيج هائل لأي كاتب سواءً في ضجيج الكينونة ، وأيضاً
مشاعر متداخلة ومختلطة تكاد أن تكون في أحيان كثيرة ضائعة – تائهة سواءً من صخب الحدث أو كانعكاسٍ لحالة النفس وما يتماوج فيها إن كحالة ملموسة ، أو حتى وإن بدا كوهم وقد تخاطر في مخيال الكاتب ؟والسؤال هنا هو : كيف تنظّم آنجيلا طيف الكلمات ؟
الجواب :
بشكلٍ عام هناك في الواقع حالات كثيرة يصدف فيها أن يفقد المرء ذاته بين الوجود واللاوجود ، وبمعنى آخر نقف عاجزين أمام هول مايحدث من دمار وقتل وتشريد وتهجير وتجويع وحب وفراق وخيانة .. الخ .. في هذه الحالة لا البيان يكفي ولا اللغة تتسع وحينها كلّ ما علينا فعله هو حماية العقل وترويض المشاعر للتغلب على الإنهاك الذهني الناتج من تخمة الصور والمشاهد واستحضار ماهو أقرب إلى الحالة التي نحن فيها ، وهنا وأنا كأنجيلا المتكلمة أعيد إلى نظم الذات منطلقة من طيف كلماتي بحسب وقوع الحدث .
السؤال الثالث :
هل ركّزت آنجيلا درويش على قضايا تخصّ أخواتها في الجنس أقصد قضايا تخصّ المجمتع الأنثوي ؟ وافتقادها على سبيل المثال لتكون صاحبة قرار مسؤول وذي شخصية مستقلة ،؟ .
وهل تحمل المرأة ذاتها وزر التهميش آي بمعنى هل تعتبر عامل دعم لإلغائها بطريقة ما ؟ .
الجواب :
في الحقيقة وعلى أرض الواقع لم أفعل شيئاً ملموساً.. ولكنني بذات الوقت – أظنني – عملت وبكلّ جهدي على نشر الفكر وكيفية استقلال المرأة وقدرتها على الخروج من قوقعة الرتابة وإستنشاق نسيم الحياة بفهم المخاوف والمعتقدات المقيّدة والتعامل مع الأمر بكلّ شجاعة،
ولكن للأسف فشلت، لأنّ الطابع النسوي كان مستسلماً لواقع الحال وعدوة لنفسها ولم تكُ عندها قوة كافية وجرأة للتحرر من بيئة تحكمها الأعراف والتقاليد والتي كانت أقسى أحلامها تكوين أسرة (الزواج)ورضى الناس،وما حولها،
بالرغم من أنها كانت تدرك كلمة الحق ودورها المسؤول في المجتمعات وبكلّ المجالات إلا أنّ العقدة الدونية كانت تؤثّر عليها بطريقة ما،
كما أنها كانت تعمل على تهميش ذاتها تحت مسمّى العيب والحرام.
السؤال الرابع :
في المرحلة التكوينية، إن جاز التعبير، لشخصيتك ككاتبة وإن لم تكن معالمها قد اتضحت بعد وضمن المراحل التي تخطيتيها من ءنثى مشتتة الأحلام والأمنيات إلى صاحبة قلم بدأت تخطّ بمسلكية محددة لها في عالم الكتابة
على ماذا ركزت إنجيلا درويش أكثر لتكون لها بصمتها الخاصة والمميزة في عالم الكتابة ؟ .
الجواب :
من السهل جداً أن نكتب، ولكن من الصعب جداً أيضاً أن نصبح كُتاباً ، إلى الآن أنا لا أرَى نفسي كاتبة أو شاعرة . الكتابة هي خلق / صناعة حياة على الورق وهي بحاجة إلى الكثير من التجارب و المهارات بعضها طبيعي بالفطرة المحضة ، ومنها ما تحتاج إلى التعلم والتدريب والمواظبة المستمرة وأيضاً علينا تنويع الحاصل المعرفي والثقافي لأنها تزيد من أحتمالية النجاح كما علينا بالكثير من القراءة لأنّ القراءة لها دور فعّال في تكوين شخصية المرء كما النقد ،ولا ننسى طبعاً وضع معالم أو نقاط ارتكاز للاعتماد عليها في المسيرة الكتابية..
وأنا كأنجيلا درويش ركزتُ على الغموض وما خلف القصيد والبحث عن جانب جديد ومفيد لم يسبقني إليه أحد.
– كلمة آخيرة توجهينها للمرأة بشكلٍ عام من هذا المنبر ؟
الجواب :
الكلمة هنا قد تطول… ولكن ! علينا ألا ننسى بأنّ المرأة هي واحدة من أهم الأعمدة في صرح هذة الحياة كما نعلم ..
وعلى إثرها علينا أن نمضي لأنّ الحياة لا تتوقّف على قاعدة أية بيئة أو أحد ، علينا أن نحرّر أنفسنا من هيمنة الطرف الآخر ، وذلك بالعقل كما وكيفية التعامل مع الأمور بعيداً عن العاطفة والحسد ، علينا ألا نجعل من أنفسنا ضحايا ، فالحياة في حركة مستدامة ، ونمط الحياة تتطور وتختلف وفرص كبيرة للنجاح وتحقيق الأهداف تمنح ، وعلينا فقط أن نعرف الهدف ونحدّده ومن ثم نركّز عليه ونمضي واثقين من خطواتنا دون وجل ، وألا نصنع من الفشل أبداً مقتلة .
ودعيني في النهاية … أن اتقدّم لك الثناء والتقدير على هذا الحوار أستاذة ليلى قمر ولك ولزملائك أطيب الأمنيات بالتوفيق والنجاح لك ولكل العاملين في الجريدة.
الحوار منشور في جريدة يكيتي العدد “315“