خصوم كوردستان كانوا مذهولين مـن صدمة استفتاء استقلالها ففازت باللذات جميعاً
د. عمر عبد الستار مستشار مركز العراق الجديد
فازت كوردستان باللذات جميعا، لانها طرقت على حديد الواقع السياسي وهو ساخن، وامتلكت من الجسارة السياسية اركانا اربعة، وأصبحت قوة سياسية وديبلوماسية وعسكرية، حري بالجميع أن ينصت لها.
وأما ركن جسارة كوردستان السياسية الاول، فيتلخص في الاجماع الكوردستاني التاريخي على انهاء الشركة مع بغداد، وان العراق يحتاج إلى صيغة أخرى للحكم، إذا أُريد له أن يبقى موحّداً، والتصويت بنعم على الاستقلال من جهة.
كما تمثلت في فشل خصومها في احداث انشقاق كوردي كوردي قبل او اثناء او بعد الاستفتاء. فقد راهن المالكي وسليماني والحيكم وغيرهم على ابعاد الاتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة جلال الطالباني، عن الحزب الديموقراطي الكوردستاني، ففشلوا.
بل لقد التحقت الجماعة الاسلامية وحركة التغيير بجموع الشعب الكوردي التي اجمعت على التصويت بـ “نعم” على الاستفتاء وكانت النتائج اكثر من 92%.
وفي هذا درس للعرب السنة، الا تلعب عليهم ايران بعد الان، في بث الفرقة في صفوفهم، تحت اسم الوحدة الوطنية ومواجهة الاميركان تحت زعامة قاسم اغا حذفه الله. واذا فشل قاسم اغا في شق الصف الكوردي، فلماذا ينجح قاسم اغا مع العرب السنة، وهم اولى من الكورد في خصومة قاسم اغا؟
وفي الوقت الذي نجحت كوردستان، من انجاز نموذجها المقاوم لداعش وماعش والملتزم بالدستور فكانوا الرابح الاكبر، نجح قاسم اغا، وتحت اسم مقاومة الامريكان، في احداث شقاق سني سني، ابعدهم عن الفدرلة، وعن الدستور، وجعلهم صرعى داعش وماعش فكانوا الخاسر الأكبر.
اما ركن جسارة كوردستان السياسية الثاني، فيتلخص في انه نقلها بالاستفتاء، من فاعل سياسي منافس في ساحة العراق المضطربة، الى منافس اقليمي.
لقد اصبحت كوردستان نموذج حكم محلي فيدرالي منافس في معايير الامن والاستقرار والتنمية، وكانت الاستثناء الوحيد الجيد في عراق 2003، وحتى الاستفتاء.
ففي الوقت الذي سادت العراق فوضى ارهاب عوامل اللادولة الدينية المسلحة العابرة للحدود منذ 2003، كانت كوردستان تنعم بنموذج امن واستقرار مناسب ومنافس بعيدا عن داعش وماعش.
وحين قررت كوردستان الاستفتاء، قالت بصوت واحد، ان بغداد نموذج حكم ديني طائفي، يستحيل على نموذج كوردستان التعايش او الشراكة معه.
وكانت الرسالة، ان التعايش مع بغداد او الشراكة معها يعني، قبول هيمنة عوامل الفوضى على عوامل الاستقرار. ومالم تخرج بغداد عن وصابة فوضى ارهاب هذه العوامل،فلن تلتفت كوردستان للوراء.
وهذا تحليق وتصحيح لشراكة قيدت كوردستان، سيمنحها سعة وامتداد وقوة ومددا وتاثيرا اقليميا، فقدته بغداد لصالح كوردستان. ومن هنا قال بارزاني لقد اخطانا في شراكتنا مع بغداد بعد 2003، ولابد من صيغة جديدة.
ونموذج كوردستان الاقليمي المنافس، لم يعد منافسا لبغداد فحسب، اذ اصبحت من جيرانها، بل دافعا انظمة دول الجوار السياسية الى نموذج اكثر استقرار. وبذا قد يصلح نموذج كوردستان ان يكون معادلا اقليميا في التغييرات الديموقراطية الجارية في الشرق الاوسط منذ 1991.
ومن هنا تداعت تركيا وايران والعراق الى تقارب ثلاثي، ماكان له ان يكون ضروريا لولا ان نموذج كوردستان اصبح بالاستفتاء نموذجا اقليميا منافسا ومناسبا.
واما ركن جسارة كوردستان السياسية الثالث، فيتلخص في عبور كوردستان جسر الاستفتاء الذي سيجعلها دولة بحكم الامر الواقع، وقد سبقها على هذا الطريق نظائر لها في الشرق والغرب. وهي تنتظر ان تبدا سلسلة اعترافات الدول واحدة بعد الاخرى بكوردستان، ان اصر جيرانها على عدم الاعتراف بها.
واما ركن جسارة كوردستان السياسية الرابع، فيتخلص في التوقيت المناسب الذي نقلها بالاستفتاء، من حقبة محلية واقليمية ودولية، الى حقبة محلية واقليمية ودولية جديدة، بعد معركة الموصل.
فقد تزامن استفتاء كوردستان، مع مرور مائة عام على ذكرى اتفاقات مزقت الشعب الكوردي، من سايكس بيكو الى لوزان من جهة، ومن جهة اخرى تزامن مع انتهاء المعركة مع داعش.
كما تزامن الاستفتاء مع تمركز عسكري اميركي غير مسبوق في العراق وفي كوردستان من جهة، وادارة جديدة في البيت الابيض من جهة اخرى.
وهي ادارة اميركيةجديدة، يقع ردع ايران، ومنع ظهور داعش، وحفظ الانجازات الكوردية، واعادة الاستقرار للعراق على راس اجندتها، وكان الاستفتاء اذن في التوقيت المناسب.
وختاما، فقد كان التوقيت مناسب ايضا لمسعود وللعبادي ايضا. فقد جاء الاستفتاء وكوردستان على ابواب انتخابات رئاسية وبرلمانية قادمة في تشرين الثالني القادم. كما ان بغداد على ابواب انتخابات برلمانية ومحلية في نيسان القادم.
ومالم تحصل احداث غير متوقعة، تدفع الطرفين الى اجراءات صفرية تجاه بعضهم البعض، فقد يدفع الاستفتاء الطرفين للفوز في الانتخابات القادمة.
وان جرت المياه تحت هذا الجسر، فقد يفتح الطرفين حقبة عراقية جديدة، قد تعيد الطرفين لتفاوض على صيغة جديدة للعراق. وهذا احتمال وارد، فاميركا حليفة الطرفين.
فدعم اميركا الرسمي للعبادي، قد يهدف لينجح امام المالكي، الذي يدفع لصراع صفري مع كوردستان من جهة، ويسعى للفوز بالانتخابات البرلمانية القادمة من جهة اخرى.
ورغم ان اردوكان حليف اميركا الثالث ومعه العبادي يصعدون ضد بارزاني، فهدوء خطاب بارزاني، قد ينزع فتيل تصعيد الطرفين، مما قد يمنع اي مواجهة غير متوقعة بين كوردستان وخصومها.
فتصعيد العبادي-اردوكان ضد برزاني والثلاثة اقرب لبعض برعاية اميركا قد يؤشر محاولتهم تجاوز اشكال داخلي مع معارضيهم اكثر منه ربما موقف ضد كوردستان.
ويبقى ان نقول ان صراع العبادي مع المالكي، قد يكون اقوى من صراع العبادي مع بارزاني. وقد يصل صراع الاخوة الاعداء مرحلة كسر عظم، قد تدفع العبادي للجوء للبارزاني.
ولنا في سيناريو اليمن مثال سابق، حين لجأ هادي الى عدن هربا من الحوثي، فلما غزتها مليشيات الحوثي لجا الى الرياض، وليس العراق الا يمن اخر ولكن بالمقلوب شماله والجنوب.